الديوان » العصر الأندلسي » ابن أبي الخصال » الحمد لله أضحى الدين معتليا

الحمدُ لِلّهِ أضحى الدِّينُ مُعتَليا
وباتَ سَيفُ الهدى الظَّمآن قد رَويا
إن كنتَ ترتاحُ للأَمر الذي قُضيا
فسَلهُ نَشراً ودَع عنكَ الَّذي طُوِيا
فالسَّيفُ أَصدَقُ أَنباءً من الكُتب
هو المقيّدُ للآثارِ والحِكَمِ
لولا وقائِعُهُ في سَالِف الأُمَمِ
لم يَحفل النّاسُ بالقِرطاس والقَلمِ
أينَ اليَراعةُ من صَمصَامَةٍ خَذِمِ
في حَدّهِ الحَدُّ بين الجِدِّ واللَّعِبِ
والسَّمهَرِيَّة تتلوهُ وتتبَعُهُ
ما مالَ عَرشٌ رماحُ الخَطّ ترفَعُهُ
خُذ ما تراهُ ودَع ما كنتَ تَسمَعُهُ
فالعِلمُ في شُهبِ الأرماحِ أَجمَعُهُ
بينَ الخميسينِ لا في السَّبعَةِ الشُّهُبِ
في أَمرِ قُورِيّةٍ سِرُّ ومُعتَبَرُ
هل للكواكبِ في استفتاحِها أَثَرُ
حتى انتحاها أبو إسحاق والقَدَرُ
وعَزمَةٌ ما لهم من دونها وَزَرُ
كالسَّيل في اللَّيلِ ذي التَّيار والحَدَبِ
سَما إلى الدّين والدُّنيا فشَدَّهما
بفتكةٍ رَفَّعَت فِي اللَه حَدَّهُما
وجَحفَلين أعضَّ الكفر حَدَّهما
رَمى بك اللَهُ بُرجيها فهدَّمها
ولو رَمى بكَ غيرُ اللَهِ لم يُصِبِ
سواكَ تُخفَرُ بعد العقدِ ذِمَّتُه
وأنت من كَملت في الصَّفح نِعمَتُهُ
ولا تُبَتُّ بملءِ الأَرضِ عِصمَتُه
ورُبَّما أعرضت للحَزمِ هِمَّتُهُ
يومَ الحِفاظِ عن المَسلُوب والسَّلبِ
أَبقى كَنِيُّكَ عَمُّورية مَثَلا
فجئتَ تفعَلُ محموداً كما فَعلا
لَمَّا رَأَوا بك صرفَ الموتِ قد نَزلا
ولم يدع لهُم صِدقُ الرَّدى أَمَلا
لديكَ إذ جَنَحُوا للسّلم من كَثبِ
رضيتَ عنهُم وصدر السَّيف ذو حَنِق
والسَّمهرِيَّةُ تَستَسقي على حُرَقِ
وتلك سَمُّورة تهوي من الغَرَقِ
وفي ضَمانِكَ أَن تَروى من العَلقِ
ظُبى السُّيوفِ وأَطرافُ القَنا السُّلُبِ
فاصمد إليها وثِق بالواحد الصَّمَدِ
لا تَخشَ مَطلاً وناجِزها يداً بِيَدِ
فما تُصاولُ أُسد الغابِ بالنَّقَدِ
وانهَد فجيشُك لم ينهد إلى بلدِ
إلا تقدّمَهُ جيشٌ من الرُّعُبِ
لاقَتكَ قوريّة بالذُّلِّ واعترفَت
في فتيةٍ صُبُرٍ ليسوا كمن عَرَفَت
كم خاطبٍ بأَليمِ القَدعِ قد صَرفَت
لكن بِرُعبِكَ درّ الرِّسلُ وانصرفت
منها المُنى حُفَّلاً معسولَةَ الحَلَبِ
أبوكَ ناصِرُ هذا الدّين إذ خُذِلا
ومُنشِرُ العَدلِ لمّا ماتَ أو قُتِلا
فكن على هَديهِ الميمونِ مُحتَمِلا
وأَورد الأَمرَ مهما شئتَ مُشتَمِلا
ففي نِصابكَ ما يكفي من النَّصَبِ
لكنّكَ الشَّمسُ لا تنفكُّ في سَفرِ
وفي بَشائِرَ تُهدِيها إلى البَشَرِ
ودِيمةٌ لم تكن من هذه الدِّيَمِ
سَقت بَوارِقُها أَرضَ العِدَا بدمِ
فيها الصواعق من سُمرٍ ومن قُضُبِ
اِختارَهُ اللَهُ عن علمٍ ومكَّنهُ
فزلزل الشِّركَ والإسلام سكَّنَهُ
حتّى تَبوّأَ عند اللَهِ مَأمَنهُ
صَلّى الإلهُ على تُربٍ تَضَمَّنَهُ
فَكُلُّ مَعلُوَةٍ في ذلك التُّربِ
طودٌ نَمَتهُ إلى العَليَاءِ أَطوادُ
كيف استقلّت بهِ في النَّعشِ أَعوادُ
كأنهم حَملُوا رَضوى وما كادُوا
والعدلُ والبِرُّ والتقوى لهُ زادُ
فَحَلَّ من ذروةِ الفِردوسِ في رُتَبِ
مع ابنِ عبدِ العَزيز المُرتَضى عُمَر
قد كانَ ثانِيَهُ في فاضِلِ السِّيَرِ
فصارَ أَولى من الأَولَين في السُّورِ
إِنَّ المُصَلّيَ بعد السابقِ الظفِرِ
أَدنى إليه من الأذنين في النَّسَبِ
يا قَبرُ زارك عَنّا وابِلٌ عذِقٌ
وروضَةٌ للحِجَا رَيحانُها عَبِقُ
يضاحكُ الشّمسَ منها كوكبٌ شرِقٌ
لو ما علمتَ على مَن أنت مُنطَبِقُ
لاختالَ تُربُكَ من عُجبٍ وم عَجَبِ
هَل من بشيرٍ بهذا الفتح يُعلِمهُ
ما شاءَ من بعدِهِ بِرٌّ يَعُظِّمهُ
واللَهُ في أجرِه الموفُورِ ينظمهُ
فإنّهُ في الثَّرى تَهتَزّ أعظمهُ
بما استباح من الأَوثانِ والصُّلُبِ
هذا حَديثٌ إلى الرَّحمن مصعدُه
ويوسفٌ عن يمين اللَه مقعَدُهُ
وروحُه الطيّبُ الزاكي سَيشهدُه
وأحمدٌ ثَمّ عند اللَهِ يَحمَدُهُ
عن العبادِ وعينُ اللَهِ لم تَغِب
يا حائط الدِّينِ في ماضٍ ومُقتَبَلِ
لم تُبقِ لِلمُلكِ والإِسلام من أَمَلِ
خَصَصتنا بأمير المؤمنين عَلي
ناهيكَ من عِوَضٍ ضَخمٍ ومن بَدَلِ
تدورُ من رأيهِ الدُّنيا على قُطبِ
أَعلى المُلوكِ واتقَاهم لمالكِهِ
للعدل فَيضٌ وَبَسطٌ في ممالِكِهِ
والمشرفيّةُ تَدمى من مالكِهِ
والحِلمُ وهو حَياةٌ من مهالِكِه
لَمّا رأيت جُنودَ اللَهِ في الضَّرَب
خاصِم بدعوته المنصورةِ الحُجَجِ
وكن من النًّصر والعُقبى على ثَلَجِ
وافرُج بها كُرَبَ الإسلامِ تنفرجِ
واقرَع بها كلّ بابٍ مُبهم تَلِجِ
فنِعمَ مِفتاحُ بابِ المعقلِ الأَشِب
ها إنّها نَفثةٌ زارتك عن أثرِ
مبشراتٌ من الرُّؤيا على قَدَر
باحَت كما باحَت الأَكمامُ بالزَّهرِ
والليلُ تُدرجُه طيّاً يد السَّحَرِ
والفَجرُ راياتهُ منشورةُ العَذبِ
تأويلُ رؤيايَ قد لاحَت أَوائلهُ
ويُمنُ رأيكَ قد قامت دلائلُهُ
وأنجحت نحو ما تَبغِي وسائلهُ
واللَهُ يُعطيك مِمّا أنتَ سائِلهُ
كلَّ الذي بَعضُه يأتي على الأرَبِ
لازِلتَ تَقدَحُ زندَ البأس والكَرمِ
ودُمتَ تَرفَعُ للسَّارين في الظُّلَمِ
نارَي نَدىً ووَغىً تُذكى على عَلمِ
والنَّاسُ من بأسِك المحمرِّ في ذِمَمِ
وجودُك النَّضرُ في ماءٍ وفي عُشُبِ
هو الأميرُ أبو اسحاق ما نَهَدا
إلا أعادَ عزيزَ الكُفرِ مضطهدا
واستصحب الملأَ الأعلى لهُ مددا
ولم يمدّ إلى المستعصبات يَدا
إلا اتّقت بِرضاهُ سَورَةَ الغَضَبِ
أمطَتهُ قُورِيّةٌ أَعنانَ صَهوتِها
أَولى لَها لو تَمادى عَقدُ جَفوَتِها
من الجُيوشِ التي حَلّت بِعَقوَتِها
لو حاولت رأسَ غمدانٍ بِعَنوَتِها
ماتَ ابنُ ذي يَزَنٍ من شِدَّة الرَّهَبِ
لم تستطع مع ما أحكَمتَهُ حَركا
لَمّا نصَبتَ على أَقطارِها الشَّرَكا
حتى أخذت عليها الجَوَّ والفَلَكا
بطامحٍ فاتَ أسبابَ السُّها دَركا
ذَلّت به راسِياتُ الصَّخرِ للخشَبِ
يُونانُ تعجز عن إِحكام ما اختَرعا
والفُرسُ لا تَدَّعي بعض الذي صَنعا
لو رامَ ذاكَ أَنُو شروانُ لامتَنعا
ولو أبو كَرِب في وصلِها طمعَا
ندّت وصَدَّت صُدوداً عن أبي كَرِبِ
أَثبَتَّ بعد زَوالٍ أرض أَندَلُسٍ
وقُمتَ تُذكرنا بالأَمنِ والأَنَسِ
والفَتح عَهداً من الإقبال كانَ نُسِي
فالنّاسُ ما دُمتَ في عيدٍ وفي عُرُسِ
والأَرضُ تبرزُ في أَثوابِها القُشُبِ
اغضَب لِعَيثِ ابن رُذميرٍ فقَد مَرَدا
واجرُر عَلَيهِ لريحِ النَّصرِ ذَيلَ رَدى
بوقعةٍ تَرتمي أَمواجُها زَبَدا
بكلِّ أَدهمَ تُعطيه البُروق يَدا
بالليلِ مُشتملٍ بالفجرِ مُنتَقِبِ
وانهَض نُهوضَ أَبيّ النَّفس معتزمِ
واسلك سبيلَ أبي إسحاق معتصمِ
وخُذ بثأرك في البَيضاء واحتكمِ
يا غيرةَ اللَهِ قد عاينتِ فانتقمي
بغزوِ مُحتسِبٍ لا غزوِ مُكتَسِب
وارمِ العَدُوَّ بسهمٍ منك لم يطشِ
وانعش بحزمِكَ ذاك الثّغرَ يَنتَعِشِ
وارغَب بتابعِ أصحاب الهدى حَنَشِ
عن كُلّ رجسٍ لحرِّ الجمرِ مفترشِ
واربأ بأعظُمِه عن ذلكَ اللّهَبِ
واهاً لوحشة مَبداها ومَحضَرِها
واهاً لرفضِ مُصلاها ومنحَرِها
واهاً لمسجِدها الأَعلى ومنبرِها
لشَدَّ ما سُلبت إشراقَ مَنظَرِها
وغُودرت وحشَةَ السَّاحات والرَّحَبِ
معَاهد تعرفُ التَّوحيد والسُّوَرا
وسُنّة المصطفى المُختار والأَثَرا
وجَنّة أَصبحَت روضاتُها سَقَرا
وبُدّلت بِذَوي الإيمانِ مَن كفرا
فأَيُّ طِفلٍ لِهذا الهَولِ لم يَشِبِ
الدِّينُ جِسمٌ سَوِيٌّ باسقُ القَدَرِ
وإن أَلَّم بِعُضوٍ منه ذي خَطَرِ
داءٌ تَضعضعَ بالحُمَّى وبالسَّهرِ
فانظر وفي الجسمِ مَدعاةٌ إلى النَّظَرِ
فإنَّما الغَوثُ قبل الفوتِ والعَطَبِ
إليكَ بعد أَمير المؤمنين عَلِي
نشكُو ونَفزَعُ عند الحادث الجللِ
فاكشف أراجيفَ هذا الرَّوع والوَهَلِ
بعارضٍ للمنايا مسبِلٍ هَطِلِ
بالمَشرفِيّة والأَرواحِ مُنسَكِبِ
أَغِر أَبر انهل اعلُل سُلَّ شلَّ غرِ
أَنِر أثر اخطِر انفِر اسفر أَسرِ سِرِ
أَحط أمط اقبض ابسط نُط أَبح أَجرِ
أَفِد أَفت ارفِد اخفِض ارفَع انهَ مُرِ
زَلزل أَزِل أَرعِد ابرِق استَهِلّ صُبِ
لعلّ ما سَرّ هذا الحائن البَطِرا
يَجنِيهِ ما ساءَهُ غِبّاً ومُختَبرا
فَرُبَّ واردِ غيٍّ لم يَجِد صَدَرا
وساقِطٍ ليديهِ في الذي حَفرا
ومُحرَقٍ بِلَظى ما حَشّ من حَطبِ
أَراهُ قد لَجّفي استِدراجهِ القَدرُ
واستشرَفَتهُ وحثّت نحوه سقَرُ
وكلّ يومٍ لهُ نحوَ الرّدى سَفَرُ
تُدني منيّتَهُ الآصالُ والبُكَر
إنّ القَضاءَ ليحدُودهُ بلا طَلَبِ
فَتحُ الفُتوح الذي هذي أَمارَتُهُ
وافَت بقوبّةٍ عنهُ بشارتُهُ
وبعدَها وقعَةٌ فيها إبارَتُهُ
يا حَبَّذا ناطِقٌ هذي عِبَارَتُه
باللَهِ قُل وأَعِد يا أَفصَحَ العرَبِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن أبي الخصال

avatar

ابن أبي الخصال حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-Ibn-Abi-al-Khisal@

108

قصيدة

74

متابعين

محمد بن مسعود بن طيّب بن فرج بن أبي الخصال خلصة الغافقي، أبو عبد الله. وزير أندلسي، شاعر، أديب، يلقب بذي الوزارتين، ولد بقرية (فرغليط) من قرى (شقورة) وسكن قرطبة ...

المزيد عن ابن أبي الخصال

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة