أسألُ الرجل الذي صادفته:
إن سلكتُ إسفلت هذه الطريق، هل أصل؟
يقولُ: لا أدري؛ لم أرَ أحدًا سلكها من قبل.
يقولُ: لا أدري.
أردتُ أن أسألَ تكرارًا لكني لزمتُ الصمت.
وأطرقتُ مودّعاً.
أسأل الرجلَ (وهو آخر) عند المنعطف:
إن سلكت اتجاه عينيَّ وقلبي فهل تفضي بي الطريق؟
يقولُ الآخرُ عند المنعطف: لا أدري؛ فهذا الذي أمامكَ وعرُ لا أحد وليس طريقًا؛ وسمعت يوماً أنَّه طريق لا أحد.
وأطرقتُ مودّعاً.
لم اسأل الرجل السائر مثلي.
رمقته متعباً أن: مساء الخير.
فرمقني متعباً أن: مساء الخير.
وسرنا.
ولم أدرِ إلى أين.
ولم يدرِ إلى أين.
كان سيرُنا خفيفاً يشبهُ المشقّة كأن أقدامنا المتعبة تختلقُ رسمَ الطريق التي سلكناها بمحضِ المصادفة.
ونكابدُ الريبة التي اطمأنّت إلى يقينٍ جعلهُ المسيرُ حتمًا؛ جعله المسيرُ حتفاً؛ أو لا ندري.
هل ترى ماءً؟
هل ترى شجرةً؟
هل ترى حجراً، أسودَ أو داكناً في المدى الحائل لأرض السراب؟
هل تبصر فِتراً من طريق تطاولت أربعين عاماً وأكثر؟
أطرقتُ
فالتفتَ إلى الوراء وقال:
لا أرى طريقاً.
أطرقتُ؛ وحدق في المدى المشرّعِ أمامه وقال:
إني لا أرى الطريق.
وقال أن نستريح عند بارقةٍ:
دّغل، أو نقحة ماء من مطرٍ أضلّ طريقه؛ أو عقاب أعمى؛ أو شوكة أغوتها ذاكرة الماء أن تنبت هنا؛ وقال: أو، حتى، عند وهم جدار.
كان السائرُ بجانبي يهذي. وكنت أحلم.
كنتُ أهذي وكان السائر بجانبي يحلم.
لا أدري.
كنا سائرين على الطريق
وما كانت في سيرنا طريق.
أو
بلى.
متحف جسومٍ وأنتيكاتٍ وكتبٍ وأفكار وقصص لم يروها أحد.
تعبٌ كتوم.
وضحكٌ مرسلٌ على الأنحاء كأطنان وأطنان من الرمل.
أسألُ الرجلَ: هل كنتَ ميتاً؟
يقول: كنتُ أفتقد الحياة.
أسأله: أما زلت ميتاً؟
يقول: كنتُ أحلم.
أسأله: أهو حلمك الذي جعل طريقينا واحدةً في اليقين.
يقول: لا أدري؛ ولكني مشيتُ ولم تكن هناك طريق.
مشيتُ فصار المشيُ هو الطريق.
أسألُ: إذاً إلى أين تذهب؟
يقول:
إلى قلبي؛ إذا كان قلبي مكانًا.
لم أغضِ، لكني أحسستُ أني أسير في أشراكِ حكاية؛ أني أسير في نومي؛ أو أني أقيم في سراب.
أكل الرجل طعامًا لم أعرف ما هو.
وشرب ماءً لا أعرف إذا كان، حقاً ماء.
أكلتُ طعامي وشربتُ مائي فغلبني النعاس.
لم أنم.
لم أرَ الرجل السائر بجانبي، في حلمي.
رأيت رملاً وسرابًا.
ونام الرجل السائر بجانبي.
ولم يرني في حلمه.
ورأى رملاً وسراباً.
ولم أستيقظ.
ولم يستيقظ.
وكنا لم نعبر بعدُ، من محيط الرمل إلا حفنةً.
أو ربما عبرنا الوهم.
قال: خلف هذا الكثيبِ قطرةُ ماء.
قلتُ: دلّني.
قال: لا بد أن تكون الطريق هنا. أو ربما أضلّها نومنا.
وقال: لا تصدّق ما أقول.
سألتُ ولم يدلّني أحدٌ.
فربما كانت الطريق قلبك. وربما كان قلبك هو الطريق.
اسأل الرجل الذي صادفته في حلم الرجل الآخر: إن سلكت إسفلت هذه الطريق، هل أصل؟
يقول: إلى أين؟
أقول: لا أدري؛ ولكن هل أصل؟
يقول: لم أدرِ من قبل أن طريقًا قد تفضي إلى هناك...
ويقول: ربما قلبك هو الطريق.
لم أكن نائماً
لكني صحوت. ومشيت.
وكان الخلاءُ يقظتي أو
حلمي.

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن بسام حجار

avatar

بسام حجار حساب موثق

لبنان

poet-bassam-hajjar@

22

قصيدة

211

متابعين

هو كاتب وشاعر وصحفي ،ولد في صور (جنوب لبنان) في 13 / آب عام 1955 . حصل على الإجازة التعليمية في الفلسفة العامة من الجامعة اللبنانية، وتابع دراسته العليا في باريس ...

المزيد عن بسام حجار

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة