كلّما دندنَ العودُ رَجَّعني لمنازل أهلي..
ورجَّعَ سرباً من الذكريات
تحوّمُ مثلَ الحساسين حولي..
أبي في المضافةِ
والقهوةُ البكرُ مع طلعة الفجر عابقةٌ بالمحبّةِ
وهي على طرف النار تغلي..
وصوتُ أبي الرحب يملأ قلبي طمأنينةً
وهو يضرعُ لله حين يُصَلّي
كلّما دندنَ العودُ رَجَّعني لمنازل أهلي..
** **
كلّما دندنَ العودُ رَجَّعني لمنازل أهلي..
وردَّ الممرَّ العتيقَ
إلى بيتنا والسياجْ..
ورائحة الخبز فواحة
وحليب النعاجْ..
ونافذة هي كل الطفولة
ياما تمرجحتُ فيها: أنا وأخي
وكسرنا الزجاجْ..
ونفرح حين يكون أبي عند بوابة الدار
منشغلاً عن شقاوتنا
ويُرَحِّبُ بالجار في غبطةٍ ويُهَلّي..
هكذا يا أبي كلُّ شيءٍ تلاشى
ولم يبقَ من فرح العمر إلا الصورْ..
الممرُّ العتيقُ يحنُّ لوقع خطاكَ
وقد جَفَّ بعدك عشبُ الممرّْ..
ونافذة كلما جئتُ أسألها عنك
ألفيتها لا تجيب
وتجهش قبلي..
كلّما دندنَ العودُ رَجَّعني لمنازل أهلي..
** **
كلّما دندنَ العودُ أيقظ فيَّ تعاليلَهم بعد طول رقودٍ
وذرذرها في ضميري..
وعاد أبي وهو يفرشُ قريتَنا هيبةً
وإخوته من حواليه سرب صقورِ..
وجوهٌ إذا عتّم العمر طلّوا
على عتمة العمر مثل البدورِ..
لماذا إذن أيها الموتُ غيَّبتهم
وتركت الربابة تعجنُ روحي أسىً بعدهم
وتشبُّ على جمرها في فؤادي الكسيرِ..
أما كنتَ تعرفُ أنّ أبي كان سيفاً
وكان ردائي..
وظلُّ أبي كان بيتي الفسيحَ
وخبزي
ومائي..
فكيف أخذتَ أبي أيها الموت
كيف
وخلّفتني في الهجيرِ؟!
** **
منازلهم
.. عند سفح الكلامِ مشرَعةٌ للندى والضيوفْ..
وقوفاً بها يا خليليَّ إني
توجَّدتها فأطيلا الوقوفْ..
وقد عمّروا بالمحبّةِ جدرانَها
وأضاءوا مداخلَها العاليات وعلّوا السقوفْ..
لعمر أبي يا الوجوه الحبيبة
اني لها قد غزلتُ الحروفْ..
ورفرفَ بين الضلوع اشتياقاً
على البعد هذا الشقي الألوفْ..
خيالات أحبابه الراحلين
تطالعه دانيات القطوفْ..
بنيت لهم كعبةً للحنين،
فإن أتعبتني خطاي
تركتُ بها القلبَ بعدي يطوفْ..
وأطلعتهم في سمائي نجوماً،
وعلّقتُهم حول خصر الزمان سيوفْ..
** **
أقولُ أبي فيسعفني حنيني
لوجه أبي ويخذلني الكلامُ..
فيا ذاك التراب غشاكَ ظلٌّ
مدى الدنيا وروّاكَ الغمامُ..
أبي الماء الفرات سقى الروابي
وإن طُلِبَ الحسامُ هو الحسامُ..
أشفُّ من اليمام إذا تغنّى
وحنّ إلى مرابعه اليمامُ..
ولم ترقدْ على سود الليالي،
له عينٌ إذا ما الناسُ ناموا..
أبي، وتعودني صورٌ عطاشى
تهشُّ لها عروقي والعظامُ..
أحاديثٌ رويت القلبَ طفلاً
بهنّ وما له عنها فطامُ..
عن القدس القديمة والنشامى
على الأسوار كالعقبان حاموا
نزفت على مشارفها غلاماً
وشختَ فلم يَشِخْ فيك الغلامُ..
أقول أبي فيسعفني حنينٌ
لوجه أبي ويخذلني الكلامُ..
** **
أبي كان يفركُ سنبلةَ القمح في راحتيهِ
وينثر حبّاتِها في القصيدَهْ..
ويسألني حين أقرأ بين يديهِ القصائدَ
عن شجرِ اللوز في كرمنا
لا يحبُّ القصيدةَ إلا إذا شمَّ فيها التراب وصوت المطرْ..
والسماء التي يذبح القرويّون أحزانَهم تحتخا
في ليالي السهرْ..
والليالي التي تاهَ عنها القمرْ..
لا يحبُّ القصائدَ إلا إذا شمَّ قهوتَنا في القوافي
ولاحت ربابةُ عمّي التس سكبت نبضَها في الوترْ..
ويعتبُ إذ لا تكون وراء المطالع
نافذةٌ للحنينْ..
نطالع إن أوحشَ العمر منها
وجوهَ أحبّتنا الراحلينْ..
فيا أجملَ الراحلينَ
ويا قمري،
وأبي،
وحبيبي،
أنا الآن أفتحُ في القلبِ نافذةَ
وأطلُّ عليكَ عليكْ
وتغمرني بالطيوبِ
وأغسلُ كلَّ ذنوبي
لما "أبوس" يديكَ يديكْ..
** **
كأنَّكَ
لما رحلتَ
تأبّيتَ يا فارسي أن ترى
الوجوه ملطّخةٌ بالسوادْ..
فأسلمت نبضكَ مستسلماً للتراب
الذي قد نعثت عليك شبابَكْ..
وأحلفُ باسمِكْ..
بروحي التي حملت طهرَ وشمِكْ..
بأن لا أخونَ ترابَكْ..
وأبقى مدى العمرِ
أنفخُ في الجمر تحتَ الرمادْ..
** **

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن حبيب الزيودي

avatar

حبيب الزيودي حساب موثق

الأردن

poet-Habib-Al-Zeyoudi@

26

قصيدة

82

متابعين

وُلد الزيودي في الهاشمية بالزرقاء عام 1963 وأكمل الثانوية العامة في مدارسها وحصل على البكالوريوس في الأدب العربي من الجامعة الأردنية عام 1987 والماجستير في الأدب والنقد من الجامعة الهاشمية ...

المزيد عن حبيب الزيودي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة