الديوان » سوريا » بدوي الجبل » اطل من حرم الرؤيا فعزاني

عدد الابيات : 97

طباعة

منازل الخلد لا أرباع لبنان

و فتنة السحر لا آيات فنّان

جنان لبنان حسبي منك وارفة

فيها النديّان من روح و ريحان

شبّ النبيّون في أفيائها و حبت

فيها خيالات إنجيل و قرآن

بليلة بدموع الله ما و شنت

إلاّ و بين خوافيها حبيبان

يغفو بها الفجر في أحضان مورقة

مديدة الظلّ أحلام سكران

و دغدغته فللأغصان هيمنة

كأنّها بثّ غيران لغيران

و ما تنبّه حتى راعه وهج

و الشمس حلي ربى خضر و وديان

صحبت فيك شبابي و الهوى و منى

لعس الشفاه و ظلا غير ضحيان

فأسبغي نعمة النسيان تغمرني

عسى يخفّف من بلواي نسياني

أمسيت لا ريقها المعسول أسعدني

و لا الجنون : جنون الحبّ واتاني

ألحّ بي السقم حتّى لا يفارقني

و راح ينسج قبل الشيب أكفاني

عفّى على نزوات النفس جامحة

إلاّ اهتزاز خليع الحسن نشوان

و صبوة للعيون النجل هانئة

من الشباب بظلّ العاطف الحاني

يثير بي كلّ حسن فتنة و هوى

فما أمرّ بماء غير صديان

و يا ربى الحسن في لبنان هل عريت

مخضلّة الدوح من ظلّ و أغصان

و من لبناتي السكرى مصرّعة

من الونى بين أفياء و أفنان

و يا ربى الحسن هل من نفحة حملت

شذى النّهود لصادي القلب حرّان

و هل صباك نموم العطر ناقلة

بعدي أحاديث أذيال و أردان

و يا ربى الحسن في لبنان هل ثملت

بعدي الرّياحين من صهباء نيسان

و يا ربى الحسن في لبنان لا انبسطت

يمنى الهجير على أفياء لبنان

مدّي ظلالك ينعم في غلائلها

صرعى الردى من أحبّائي و أخداني

النّائمين بظلّ الأرز ينشدهم

رواية الدّهر في نعمى سليمان

أمّا البلابل فلتؤنس قبورهم

من كلّ ساجعة في الدّوح مرنان

أعيذ بالحبّ و الذكرى هوى نفر

بيض الوجوه من النّعماء غرّان

قد صوّر الوحي ألوان النّعيم على

مثال ما فيك من حسن و ألوان

و زاد فيها خلودا ما عنيت به

أشهى اللبانات في حكم النّهى الفاني

لا يعذّب الوصل إلاّ أن يخامره

خوف المحبّين من نأي و هجران

و لا هناء بنعمى لا تخاف لها

فقدا و لا تبتلى منها بحرمان

لو يعلمون مناحي النّفس ما خلعوا

ثوب الخلود على نعمى و أحزان

فأصبح الكون لغوا لا حياة به

من رغبة في مجاليه و غنيان

ما للخلود و ما للحسن يزعمه

هيهات عرّي من حسن و إتقان

يضفي الجمال على الأيام مقتدر

من (التحوّل) ذو غزّ و سلطان

عنا له الكون مأخوذا بفتنته

من أنجم و مكانات و أزمان

و عاطفات و أرواح و أخيلة

تغزو الوجود و آراء و أديان

و ربّما فقهت من أمره عجبا

قبل الهداة عصا موسى بن عمران

ليؤمن النّاس ما شاؤا بربّهم

فبالتحوّل بعد الله إيماني

تسمو إلى أفقه القدسيّ طاهرة

طهر الدّموع تسابيحي و ألحاني

كفرت بالرّوح بعد الرّيب آونة

و كان زلفى إلى نجواه كفراني

و قرّب النّاس ما شاؤا لمذبحه

فما تقبّل منهم غير قرباني

أعلنت حين أسرّوا أمرهم فرقا

يا بعد ما بين أسرار و إعلان

إنّ الخلود و ما تروي مزاعمهم

عن السعادة في الأخرى نقيضان

لا يخدع الله قوما يؤمنون به

فتلك خدعة إنسان لإنسان

جنان ربّك في سرّ الخلود غدت

و كلّ آو إليها رازح وان

ملّ المقيمون فيها من هناءتهم

كم يملّ السقام المدنف العاني

تمضي العصور عليهم و هي واحدة

اليوم كالأمس فيها ضاحك هاني

تزجي السآمة تفكيرا و عاطفة

إلى عقول و أهواء و وجدان

لا يرقبون جديدا في خلودهم

لرثّ من قدم العهد الجديدان

و لا يحبّون لكن تلك طائفة

من ماجنات خليعات و مجّان

و لا يناجون في أحلامهم أملا

محبّبّا بين إنكار و إيقان

و لا يحسّون لا حزنا و لا جذلا

فالقوم ما بين مشدوه و سهوان

يا شقوة النفس تخلو بعد أن عمرت

من حسرة و لبانات و أضغان

و ضيعة القلب لا تأوي إليه منى

كالنحل تأخذ من روض و بستان

من كلّ من أبلت الأدهار جدّته

فما يحرّكه تدليل رضوان

ينادم الحور لكن غير مغتبط

و يشرب الراح لكن غير ظمآن

لودّ في كلّ مل يجريه من عسل

و من خمور و من درّ و عقيان

هنيهة من شقاء يطمئنّ بها

إلى مناجاة آلام و أشجان

إذا تذكرّ دنياه هفا ولعا

إلى حبيب و صهباء و ندمان

و راح يبحث في المجهول عن أمل

و عن شقاء و عن أهل و خلاّن

لعلّ بين زوايا النفس قد تركت

ثمالة من صبابات و تحنان

أماّ الغواني فصخر لا يحرّكها

نجوى محبّ و لا تدليل ولهان

لا تعرف الحبّ إلاّ محض تلبية

لعابرين من الأبرار فتيان

و لا تحنّ إلى روح و عاطفة

فالحبّ في ملكوت الله جثماني

من كلّ مرتجّة الأرداف حالية

بالحسن أخّاذة بالسحر مفتان

خبا لهيب المنى في روحها فغدت

و حسنها في حلاه حسن أوثان

جنى الخلود عليها فهي شاكية

إلى الأنوثة ذاك الخائن الجاني

و للخلود على أهل الجحيم يد

تجزي مع الدّهر إحسانا بإحسان

الكافرون لطول العهد قد ألفوا

بقاعها نضج أرواح و أبدان

و قد تزفّ بها و الحفل محتشد

سجينة من ضحاياها لسجّان

فأصبحت و هي من ماء و من مدر

شيطانة تتصبّى كلّ شيطان

و ربّما صحبوا فيها زبانية

بعد القلى إلف إخوان لإخوان

لا يألمون و لا تشكو جسومهم

من اللظى فهي نيران بنيران

مليحة الدلّ من غسّان لا بليت

شمائل الصيد من أقيال غسّان

أتأذنين بإنشاد فما جليت

إلاّ لحسنك أشعاري و أوزاني

طوّفت في هذه الدنيا على مهل

طواف أشعث ماضي العزم يقظان

تظلّلني مصر أحيانا و آونة

أعاقر الخمر في جنّات بغدان

و قد صحبت شعوب الأرض من عرب

شمّ الأنوف إلى روم و كلدان

مفتّشا عن عزاء النفس لا لعبي

أدّى إليه و لا حلمي و عرفاني

مسائلا عنه حتّى قد عييت به

إرث الفلاسف من هند و يونان

فما رأيت له عينا و لا أثرا

و لا فاد طوافي غير خذلاني

إذا ندبت جهودي و هي ضائعة

أطلّ من حرم الرؤيا . فعزّاني

ثمّ انثنيت و ركبي جدّ متّئد

من الونى و رفيقي جدّ حيران

و البيد أوسع من صدر الحليم مدى

و للسّراب بها آلاف غدران

ظمأى حيارى و خلف الركب طائفة

حمر اللواحظ من أسد و ذؤبان

فأيقن القوم بالجلىّ و قد صمتوا

لهيبة الموت و هو المقبل الدّاني

حتّى إذا اليأس لم تترك مرارته

إلاّ بقيّة صبر غير خزيان

لاحت إذا اليأس لم تترك مرارته

إلاّ بقيّة صبر غير خزيان

لاحت خيامك بالصحراء مونقة

أبهى و أزين من عرش و إيوان

فكبّر الرّكب مرتاحا إلى أمل

عذب المجاجة حالي الوشي ريّان

مبادرا للظلال الخضر قد كسيت

نثير ورد و نمام و سوسان

فما فتحت جفوني و هي دامية

من الرّمال أعان الله أجفاني

حتّى لمحتك خلف الستر ضاحكة

إلى جوار و حجّاب و غلمان

فقرّت النفس لا شكوى و لا تعب

و لا لجاجة إيمان و كفران

و ابصرت بعد طول البحث غايتها

فاذعنت لهواها أيّ إذعان

رأت بعينيك يا ليلى و قد يئست

عزاءها لا بإنجيل و فرقان

فقبّلت شفة حمراء دامية

و اهتزّ من نشوات اللثم نهدان

سرّ السعادة في الدّنيا و إن خفيت

تجلوه منك على الأكوان عينان

آمنت بالحبّ ما شاءت عذوبته

آمنت بالحبّ فهو الهادم الباني

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن بدوي الجبل

avatar

بدوي الجبل حساب موثق

سوريا

poet-badawi-al-Jabal@

60

قصيدة

287

متابعين

شاعر وكاتب وسياسي سوري يُعدُّ علماً من أعلام الشعر الكلاسيكي في القرن العشرين وإلى جانب شعره الذي أثرى الأدب العربي كان بدوي الجبل من أبرز المناضلين ضد الاحتلال الفرنسي وضد ...

المزيد عن بدوي الجبل

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة