الديوان » لبنان » جبران خليل جبران » عظم لم تسعه دار الفناء

عدد الابيات : 53

طباعة

عِظمٌ لَمْ تَسَعْهُ دَارُ الفَنَاءِ

فَلْتَسَعْهُ في اللهِ دَارُ الْبَقَاءِ

يا أَمِيراً إلىَ ذُرَى العِزَّةِ القَعْـ

ـسَاءِ أعْلًى مَكَانَةَ الأُمَرَاءِ

لَمْ تَكْنْ بِالضَّعيفِ يَوْمَ أُصِبْـ

ـتَ الأَمْرَ وَالأَمْرُ مَطْمَعُ الأَقْوِيَاءِ

فَتَنَكَّبتَ عَنْهُ أَقْدَرَ مَا كُنْـ

ـتَ عَلَى الاضْطِلاَعِ بِالأَعْبَاءِ

إِنَّما آثَرَتْ لَكَ النَّفسُ حالاً

هِيَ أَسْمَى مَنَازِلِ النُّزَهَاءِ

عُدْتَ عُطْلاً وَلَيْسَ في النَّاسِ أَحْـ

ـلَى جَبْهَةً مِنْكَ بَعْدَ ذَاكَ الإِبَاءِ

فجِعتْ مِصْرُ فِيكَ فَجْعَةَ أُمٍّ

فِي الأَعَزِّ الأغْلَى مِنَ الأَبْنَاءِ

في جوَادٍ جَارَى أَبَاهُ وضما جَا

رَاهُ إِلاَّهُ بِالنَّدَى وَالسَّخاءِ

أَوْرَدَ الفَضْل كُلَّ صَادٍ وَخَـ

ـصَّ الجزْل مِنُه بِالعِلمِ وَالعُلَمَاءِ

أَرْيَحِيٌّ يَهْتزُّ لِلعَمَلِ الطَّيِّـ

ـبِ مِنْ نَفْسِهِ بِلاَ إِغْرَاءِ

إِنَّما يَبْتَغِي رِضَاهَا وَمَايُعْنَـ

ـى بِشُكْرٍ مِنْ غَيْرِهَا وَثَنَاءِ

كَلِفٌ بِالجَمِيلِ يُسْدِيِهِ عَفْواً

مُتَجَافٍ مَوَاطِنَ الإِيذاءِ

لاَزَمٌ حَد رَبهِ غَيْرَ نَاسٍ

في مَقَامٍ مَا حُقَّ لِلْعَليَاءِ

كُلَّ شَأْنٍ يَسُوسُهُ يَبْلُغُ الغَا

يَةَ فِيهِ مِنْ هِمَّة وَمَضَاءِ

ويَرَى الفَخْرَ أَنْ يَكُونَ طَلِيقاً

مِنْ قُيُودِ الظَّوَاهِرِ الْجَوْفَاءِ

كَانَ وَهْوَ الكَرِيمُ جِدَّ ضَنِينٍ

بِالإِذَاعَاتِ عَنْهُ وَالأَنْبَاءِ

فإِذَا مَا أُمِيطتِ الحُجْبُ عَنْ تِلـ

ـكَ المَسَاعِي الجِسَامِ وَالآلاَءِ

أَسْفَرَتْ بَيْنَ رُوْعَةٍ وَجَلاَلٍ

عَنْ كُنُوزٍ مَجْلُوَّةٍ مِنْ خَفَاءِ

كَانَ ذَاكَ الجَافِي العَبُوسُ المُحَيَّا

في المُعاطَاةِ أَسْمَحَ السُّمحَاءِ

دونَ مَا تُنْكِرُ المَخَايِلُ فِيهِ

غُرَرٌ مِنْ شَمَائِلٍ حَسْنَاءِ

مِنْ حَياءٍ يُخَالُ كِبْراً وَمَا الكِبْـ

ـرُ بِهِ غَيْرُ صُورَةٍ لِلحَيَاءِ

وَوفَاءٍ لِلآلِ وَالصَّحبِ وَالأوْ

طَانِ في حِينِ عَزَّ أَهْلُ الوَفَاءِ

وَكَمَالٍ في الدِّينِ مِنْهُ وَفي الدُّنْـ

ـيَا تَسَامَى بِهِ عَنِ النُّظرَاءِ

يذْكُرُ الله في النَّعيمِ وَلاَ يَنْـ

ـسَاهُ إِنْ طَافَ طَائِفٌ مِنْ شَقَاءِ

فَهْوَ حَقُّ الصَّبورِ في عَنَتِ الدَّهْـ

ـرِ وَحَقُّ الشَّكورِ في النَّعمَاءِ

لمْ يَرَ النَّاسُ قَبْلَهُ في مُصَابٍ

مِثْلَ ذَاكَ الإِزْرَاءِ بِالأَرْزَاءِ

بُتِرتْ سَاقُهُ وَلَمْ يَسْمَعِ العُـ

ـوَّادُ مِنْهُ تَنَفُّس الصُّعداءِ

جَلَدٌ لاَ يَكُونُ خَلَّةَ رِعْدِيـ

ـد وَلَمْ يُؤْتَهُ سِوَى البُؤَسَاءِ

كَيْفَ يَشْكُو ذَاكَ الَّذِي شَكَتِ الآسَا

دُ مِنْهُ في كُلِّ غِيلٍ نَاءِ

والذِي كَانَ بِاقْتِناصِ ضَوَارِي الـ

ـغَابِ يُقْرِي الكِلاَب ذات الضَّرَاءِ

والَّذِي زَانَ قَصْرَهُ بِقِطَافٍ

مِنْ رُؤُوسِ الأيَائِلِ العَفْرَاءِ

أشْرفُ اللَّهْوِ لَهْوُهُ بِرِكُوبِ الـ

ـهُوْلِ بَيْنَ المَجَاهِلِ الوَعْثَاءِ

بَاحِثاً عَنْ قَدِيمِهَا مُسْتَفِيداً

عِبَراً مِنْ تَبَدُّلِ الأَشْيَاءِ

سِيَرُ الأَوَّلِينَ كَانَتْ لَهُ شُغُـ

ـلاً فَأَحْيَي دُرُوسَهَا مِنْ عَفَاءِ

وَتَوَلَّى تَنْقِيحَ مَا أَخْطَأَتْهُ

أُمَمٌ مِنْ حَقَائِقِ الصَّحرَاءِ

فَإِذَا عُدَّ في بَلاَءٍ فَخَارٌ

لَمْ يُجَاوِزْ فخَارَ ذَاكَ البَلاَءِ

إنَّني آسِفٌ لِمِصْرَ وَمَا يَنْ

تَابُهَا في رِجَالِهَا العُظَمَاءِ

كَانَ مِمَّن بَنَوْا عُلاَهَا فَرِيعَتْ

بِانْقِضَاضِ البِنَاءِ بَعْدَ البِنَاءِ

لَمْ يُخَيِّب مَا دَامَ حَيّاً لَهَا سُؤْ

لاً وَكَائِنْ أَجَابَ قَبْلَ الدُّعَاءِ

فَإِذَا مَا بَكَى أَعِزَّتُهَا يَأْ

ساً فَمَنْ لِلعُفَاةِ بِالتَّأسَاءِ

قَدْ حَسِبْنَا القَضَاءَ حِينَ عَفَا عَنْهُ

رَثَى لِلضِّعافِ وَالفُقَراءِ

غَيْرَ أَنَّ الرَّجَاءَ مُدَّ لَهُمْ فِي

هِ قَلِيلاً قَبْلَ انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ

وَيْحَهُمْ مَا مَصِيرُهُمْ فَهُمُ اليَوْ

مَ وَلاَ عُوْنَ غَيْرُ لُطْفِ القَضَاءِ

أَيُّها الرَّاجِلُ الجَلِيلُ الَّذِي أَقْـ

ـضِيهِ نَزْراً مِنْ حَقِّه بِرِثَائِي

لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا إلى أنْ دَعَاكَ اللَّـ

ـهُ إِلاَّ تَعَارُفُ الأَسْمَاءِ

زَالَ بِالأَمْسِ مَا عَرَاكَ فأَبْدَيْـ

ـتُ سُرُورِي مُهَنِّئاً بِالشِّفاءِ

وَأَنَا اليَوْمَ جَازِعٌ جَزَعَ الأَدْ

نَيْنَ مِنْ أُسْرَةٍ وَمِنْ خُلَصَاءِ

ذَاكَ حَقٌّ لِكُلِّ مَنْ نَفَعَ النَّا

سَ عَلَى الأَقْرِبَاءِ وَالبُعَدَاءِ

رَضِيَ الله عَنْكَ فَاذْهَبْ حَمِيداً

وَالقَ خَيْراً وَفُزْ بِأَوْفَى جَزَاءِ

نَعْمَةَ اللهِ يَا سَلِيلَةَ بَيْتٍ

رَاسِخٍ فَوْقَ هَامَةٍ الْجَوْزَاءِ

لَكِ مِنْ عَقْلِكِ الكَبِيرِ وَمِنْ ذِكْـ

ـرَى الفَقِيدِ الخَطِيرِ خَيْرُ عَزَاءِ

أَنْتِ مَنْ أَنْتِ في مَكَانِكِ مِنْ وَا

لٍ وَمِنْ إِخْوَةٍ وَمِنْ آبَاءِ

وَسَتَهْدِينَ هَدْيَ أُمِّك في أَقْـ

ـوَمِ نَهْجٍ لِفُضْلَيَاتِ النِّساءِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جبران خليل جبران

avatar

جبران خليل جبران حساب موثق

لبنان

poet-khalil-gibran@

1075

قصيدة

829

متابعين

جبران خليل جبران فيلسوف وشاعر وكاتب ورسام لبناني أمريكي، ولد في 6 يناير 1883 في بلدة بشري شمال لبنان حين كانت تابعة لمتصرفية جبل لبنان العثمانية. توفي في نيويورك 10 ...

المزيد عن جبران خليل جبران

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة