عدد الابيات : 74
لا تسلني كيف هذا الود ولى؟
إن نور الحق في الأمر تجلى!
لا تسلني عن دموعي وانتحابي
لا تسلني عن سُهادي وعذابي
لا تسلني عن مَراري وانفعالي
لا تطِل عندي أفاعيل الجدالِ
إن هذا منك لي ظلمٌ جهيرُ
وجراحي من أسى صحبي تمورُ
خففِ اللومَ وجنبني النقاشا
واجعل الود لمَا قلتُ فِراشا
واعتبرْ نحن كأنا ما التقينا
وسنا الترحاب ما زار يديْنا
وافترضْ أن عتاباً ليس يُجدي
فلماذا الخوض في دنيا التحدي؟
ولماذا نبرة التمييع هذي؟
وُدنا أمسى سراباً مِن جُذاذ
كم بذلتُ الخير في وُدي رضيّا!
لأرى خلي تُناجيه الثريّا
لأرى الآمالَ في لقياه نشوى
ورحيق الشعر يُزجي كل فحوى
لأرى الأحلام في مَرآهُ تسري
وشذا الأنسام في الآفاق يُغري
لأراه ساعة العُسر صديقا
بفؤادي وأحاسيسي رفيقا
لأراه في الدياجير سِراجا
يطرح الظلمة أرضاً والسناجا
لأراه في أسى الغربة نجما
يُفعم الإنسان أنواراً وعِلما
وإذا الأصحابُ باعوا لم يبعني
وإذا الخلانُ خانوا لم يَخني
يحفظ العهدَ ويُزْكِى أمنياتي
ويصون الودّ يُعطيني حياتي
كم تنازلتُ كثيراً عن حقوقي!
ولمن تكره أشهرتُ عقوقي
وسمعتُ الرجز كم منك كثيرا!
ورأيتُ الهزل كم فيك وفيرا!
ثم قلتُ اللهُ يهدينا جميعا
وسهرتُ الليل ما نمتُ هزيعا
واجتهدتُ لم أؤخرْ عنك نصحا
وانتظرتُ لأرى لليل صبحا
فإذا بالليل يكويني دجاهُ
وأريجُ الشوق مكبوتٌ صداهُ
كنتُ أرجو فيك خيراً لا يُحاكى
وظهيراً في العنا كنتُ أراكا
ونصيراً في البلايا ومُعينا
بأسُه في الناس يسعى مُستبينا
وفتيّا سل للأعداء سيفا
وربيعاً فاح كالشعر المُقفى!
لكنِ الشيطانُ أودى بالأماني
ورمى الرغبة منهُ بالهوان
فتناءتْ فكرتي خلف دموعي
ولمَا قدّر حبرتُ خشوعي
وعلى ما كان لم يندمْ ضميري
لا ولم يكبحْ شهيقي أو زفيري
إنني اعتدتُ على هذي الرزايا
بيقيني أجتني خير المنايا
إنما الغدرُ هو الداءُ الوبيلُ
وئدَ الودُ فهل تجدي الطلولُ؟
لن ألوم اليوم من باع ودادي
وعلى الهازل لن يأسى فؤادي
إنني ضمدتُ قلبي بعفافي
وكتبتُ الشعر تُزْكيه القوافي
وعلى التصبير قد شيدتُ عرشا
أنشدُ الجنة لا أنشدُ قرشا
تعس المالُ ومَن للمال يحيا
فاسعَ للجناتِ ، هذي خيرُ فتيا
ثمر التقوى شهيٌ ولذيذ
لذة ليست يُدانيها بذيذ
إنني آثرتُ في الذل الشموخا
ولهذا قد تجاوزتُ الصريخا
ويُعاني اليومَ في الناس العفيفُ
دامعَ القلب له قيدٌ عنيف
خانه الأصحابُ حتى والشقيقُ
ثم بالمأساة تهتاج العروقُ
دمُه في القوم مهدورٌ رخيصُ
ما له مِن هذه البلوى مَحيصُ
عِرضهُ في الناس مَمسوخ هضيمُ
وله قلبٌ مِن الصحب كليمُ
تنظر العين فتلقى الدار مسخا
وترى في جبهة التوحيد شرخا
ودياراً عن صراط الله حادتْ
ونفوساً عندها الأصنام راجتْ
عُبد اللاتُ وعاد الشركُ غضا
ثم فاض الفسقُ في الأصقاع فيضا
ونصيرُ اللات فيها يتمطى
ولمَن وحّد قد أمسك سوطا
أمة ضاعت فلا تسأل عليها
وسبيلُ العز موفورٌ لديها
أعرضتْ عنه وعاشت في هُراها
واستحلتْ كل دعر في قراها
منهجُ الله لها دربٌ وشمسُ
وجمالُ الهَدي مأنوسٌ يُحَسُ
كل صُقع يحتوي جمعاً وبعثاً
باتتْ التقوى له نهجاً وإرثا
يحملُ الحق يُضحّي يتحدى
وسِواه في الدنايا يتردى
أين أنت اليوم منه يا كنيي؟
لا تغالط لستَ خلي أو سميي
فاكشف الآن على الفور القناعا
وتعلمْ أن تُرى فينا شجاعا
واجهِ الخيبة هذي كن صريحا
لا تقل أمسى فؤادي مُستريحا
ربما في الصدق أدركتَ الصوابا
وصرعتَ الهزل أرضا والعذابا
إنما التوبة حانت فتقدمْ
واهجر الأوزار هذي وتندّمْ
وافعل الخيراتِ إن العمر أدبرْ
فارقب اللحد ملياً وتفكرْ
واشغل النفس بما في الموت خبّئْ
واطرح الزيف الذي فى القلب عُبئْ
إنما الأيامُ قد عُدتْ عليكا
وجناحُ الموت ممدودٌ إليكا
قلتُ: حتماً سوف يطويك الفواتُ
فاستعن بالله ينفعْك الثباتُ
وانظر الحق لينزاح السرابُ
ولك السُنة لانت والكِتابُ
ولديك الضادُ للفقه براقٌ
ذي عروسٌ وعلى الصب الصداقُ
هل منالُ الغادة الشقراء سهلُ؟
حَكّم الشرعَ ولا يُضللك جهلُ
واذكر النصح الذي أودى بصوتي
كم نصحتُ ثم ضحيتُ بوقتي!
إنما أعذارُك اليوم عليلة
ودموعُ العين في العين كليلة
دمعة راحتْ تعير الغدر لحنا
ورأتْ في الزيف والإعراض فنا
سحقتْ في مِحْجريْها الوصلَ سحقا
وغدا الزيفُ لدى التبرير صدقا
خففِ اللومَ فإن اللوم صعبُ
واتخذ غيري صديقاً يُستحبُ
أنت قد أفشيت بين الناس سِري
والتمستَ الخير في تركي وهجري
وتخذتَ الصد سيفاً والشقاقا
وطعنتَ الود عندي والوفاقا
لا تسلني كيف أنهيت إخائي؟
أنت قد حطمت آفاق الصفاءِ
فتعلمْ كيف تنساني وتلهو
ولي المولى وكل الخير منهُ
طالما بعتَ ودادي والتآخي
وتناسيتَ عِتابي وصُراخي
وطعنت الشعر في دنيا التأبي
فانبرى يبكي عليه (المتنبي)
فالتهمْ وحدك بلوى الانتكاسِ
إنني في الشعر قررتُ انغماسي
ربما واساكَ توديعٌ وشيكُ
خطهُ مِن سالف الدهر المليكُ
1954
قصيدة