عدد الابيات : 56
في (مُزنةٍ) حارتْ رؤى أفكاري
وتعثرتْ – في سَيرها أشعاري
إن حارَ شاعرُ نصّه في نظمه
ورموزه ، ما بالنا بالقاري؟
مِن أين أبدأ قصة مَحفوفة
بمكاره النكبات والأخطار؟
أحداثها مِن بدئها لخِتامها
ترتاعُ – من أهوالهن ضواري
ويَحارُ – في تأليفها مستبصرٌ
أمسى يجيدُ سِباكة الأفكار
وكأنما نسجَ الخيالُ خيوطها
فإذا بسامعها الحصيف يُماري
هي قصة حدثتْ ، وشوهد أهلها
ومكانها مصرٌ من الأمصار
في (العَوْشزية) أجريت أحداثها
وأميرةُ الأحداث ذاتُ خِمار
وتُنوقِلتْ مثلاً يُردّده الورى
دهراً ، وأشهِرَ غاية الإشهار
أمستْ مثالاً في الشجاعة (مُزنة)
والصِيتُ زين بهمّةٍ وفخار
ذهب الرجال إلى الصلاة جميعهم
وخلت من الأبطال سوحُ الدار
والدارُ إن فقدت عزيز حُماتها
حتماً ستحيا في أذىً وضِرار
وأتى اللصوص لهم مطامعُ جمة
وبدون تمهيدٍ ولا إنذار
حلّوا الديارَ ، وعربدوا ، وتمكنوا
أبئسْ بأخبث زائر ومزار
لم يرحموا ضعف العواتق والنسا
والغدرُ – عند العُرب – أقبع عار
لم يقدُروا قدْر الرجال لهم بهم
بين القرى والناس خيرُ جوار
لم يدركوا بأس الغطارف فارقوا
أنعم ببأس الغيّب الحُضار
وأراهمُ خفروا الجوار حماقة
مستسلمين لظالم غدار
أوَهكذا تقضي التقاليدُ التي
وُجدتْ لحفظ تجاور وذِمار؟
أوَهكذا أمرتْ شريعة ربنا
يا قومنا ، أو سُنة المختار؟
أوَهكذا أعرافكم وسُلومُكم
بؤتم بأحقر فعلةٍ وشنار
لو كان ذا في الجاهلية لم نلمْ
متوقعٌ هذا من الكفار
وغداً ستطوى يا خِياسُ عُنيزة
والعارُ ملتصقٌ مدى الأدهار
لكنّ (مُزنة) جَرّعتكم بأسها
وبشر أرض في أصيل نهار
لمّا ارتدتْ ثوب الرجال تنكراً
حتى تؤدب حِفنة الأزيار
وقد امتطت متن الجواد تكلفاً
من بعد أن خلعتْ ثمينَ سُوار
ما القرط؟ ما العِقدُ الثمين بجيدها؟
وجواهرٌ من فضة ونضار؟
ما قيمة الحُسن استبيحتْ داره؟
ما الأنثوية زخرفتْ بعَذار؟
ما الخدرُ إن وطئ الأعادي أرضنا
وتبختروا في السهل والأوعار؟
ما قيمة الكف المخضّب إن غدا
والدارُ رهن الجوقة الأشرار؟
فيم انتظارُ الغِيد في قعر الحِمى؟
أتخفن بأس السارق الغدار؟
ها قد أتاكن الظهيرة ناهباً
ثروات أهليكن دون حذار
البسن أثواب الرجال تخفياً
واركبن خيل الحق والإصرار
حتى نرد حقوقنا من سارق
وطئ الديار بكيده المتواري
انهضن خلفي كي نحيط بجمعهم
وسيَذهب التحليقُ بالأبصار
حتى نعيد مُطينا وشِياهنا
ونعود بالأغنام والأبقار
ونعود بالمَعْز استُقيد قطيعُها
ونعود بالبعران والأثوار
وتمكنتْ ممن أغاروا مُزنة
وأذاقتِ العادين كأس خسار
وأحاطتِ الفرسانَ أركانُ الحِمى
كي لا يلوذ المعتدي بفرار
واسترجعتْ كل الذي سلبوه في
زمن قصير بعد فرض حِصار
لم تخش بأس رجالهم وسيوفهم
وكذا أخيّات لها وجواري
ثابرن في الهيجاء دون هوادةٍ
لمّا يكُنْ مِن ذاك أيُّ خِيار
إما مدافعة العدو وسحقه
أو خيبة تُفضي لسوء صَغار
ولربما سبيٌ تصير به النسا
مثل الإماء يذقن كل فجار
لكن (مُزنة) آثرتْ لقيا العِدا
ومضت بأنجح خطةٍ وقرار
حتى إذا رجع الرجالُ استبشرتْ
بالخير يَعقبُ رَجعة الأخيار
عادت وعُدن إلى البيوت جلائلاً
وبدون تخوين ولا إنكار
رحبن بالضِيفان غيرَ أشاوس
وطبخن رغم تحمّل ومرار
يكرمن ضيفاً لا يحق له القِرى
إذ ما له – في القوم – أي وَقار
وأصرّ يعرف من بدا للقائهم
فأجاب والدها ابنتي يا جاري
برزتْ لكم لما وطئتم دارها
كي تسرقوا ، إذ نحن في الأسفار
إذ دافعت عن عِرضها وديارها
في السر ، لم تعمد إلى الإشهار
لمّا تقلْ وحدي وبعضُ عقائل
ماذا سنصنع في لقا الكُرّار؟
وكذاك ما قالت: أنا سربلتهم
والفضلُ لي ، أنا قد حميتُ دياري
و(المُزنة) اشتهرتْ وأشرق صِيتها
والفضلُ فضلُ المستعان الباري
1954
قصيدة