عدد الابيات : 70
ما لي أراها في العذاب تلاحِي
وكأن في الأحشاء بعضَ رمَاح؟
تجترّ كربتها ، وتشرب حزنها
وتلوكُ ما في العيش مِن أتراح
وترجّعُ الأشجان يخنقها الجوى
وتعيش ترفل في أسىً وجراح
وتدبّ فوق الأرض يَذبحها العنا
وتعُبّ ذل الفقر بالأقداح
ويلفها قلقٌ يُذيب إباءها
وتغوص في دمع اللظى السحّاح
وتكاد ترسم للكآبة صورة
قد تُوِّجَتْ بمَدامع ونُواح
نظراتها ونشيجُها ونحيبُها
وأنينها بُذلوا بدون جُناح
والدمعُ فوق الوجنتين مجندلٌ
يكوي العزائم في سَنا الأرواح
تمشي فتسحب في العِباءة أعظماً
يُحزنّنِي في غدْوةٍ ورواح
فإذا بكيتُ طغتْ عليّ مشاغلي
فقسا الفؤادُ ، وشجّ كل جماحي
وأخِذتُ في فلك الحياة ضحية
ونسيتُ ما عاينت من إصلاح
لولا مُكابدة الحياة وأهلها
لم تلقني متغافلاً ، يا صاح
صادت أحاسيسي الدمى فوجدتُني
كالطير إذ تحيا بدون جَناح
فاستكثرتْ نفسي على مِسكينة
أخْذ الدمى بتفكهٍ ومِزاح
لمّا تطبْ نفسي بفعل مَعوذة
عدمتْ مِن الميسور بعض سماح
أواه كم تُودي بحُر لقمة
ويُرى الغنيُّ مُعربداً بالراح
وعلى الفقير تدور كأس منيةٍ
أما الغني ففي هَنا ومَراح
ويُعاب مُحتاجٌ بكل نقيصةٍ
ويُكال للميسور بالأمداح
لمّا تكن سَرقتْ لتُذهب فقرها
لكنْ لتُشبع شهوة المِلحاح
أمٌ لها قلبٌ يُسربله الجوى
وعزيمة قد زيّنتْ بكفاح
والفقر قيّدَ في الخلائق بأسها
حتى ارتضتْ عيشاً بأي مُتاح
سَعة المعيشة في حبور أهلها
شتان بين النهر والضحضاح
الدِّين في هذى الحياة عمادُها
والمالُ بعد الدين خيرُ سلاح
إذ إن معتركَ الحياة مفازة
مثل القنا تحتاج للأرماح
والناس: هذا مُشْهِرٌ سيفَ المَضا
يطوي عُبابَ العيش كالملاح
وسِواه أوهى الفقرُ همّة نفسه
حتى رأى الآنام كالأشباح
ورحى الحياة على الجميع تدور في
دأب على قُطْر لها رَحراح
ولذا فدمعُ الأم قرّح جفنها
أن لم تبؤ في العيش بالأرباح
أن لم تجد بُحبوحة في عيشها
حتى تحقّق سُؤلها بنجاح
كانت تؤمّلُ عِيشة مَرْضية
تحيا بنور ثرائها الوضاح
فتطيب نفساً في مرابع دارها
بصواحب في بذلهن مِلاح
إذ إنها بعد الحليل تأيّمتْ
أبداً ، ولم تقبلْ بأي نكاح
عاشت ترتّب لليتيم معاشه
بمحاولاتٍ في القياس صِحاح
ترجو له عيشاً كريماً مُشرقاً
يصفو كماءٍ في الغدير قراح
وتريده في العالمين مُكرّماً
في جو عِز في الديار بَراح
وتريد منه القول فصلاً قاطعاً
دوماً بلفظٍ صادق وصْراح
وتريد منه السعي فرداً للعُلا
قدُماً بدون تلكؤ وكُساح
وتريده بَراً بأمة (أحمدٍ)
وعلى عدو الله كالذباح
وتريده في أوج خير يُبتغى
هي عبّرتْ عن ذاك بالإيضاح
وتريده بين الشباب أميرَهم
شتان بين النخل والألواح
يعلو إذا سفلوا ، ويَرقب مجدَه
ويتوق للأخلاق والإصلاح
حمَلٌ وديعٌ إن يعاملْ مسلماً
وعلى طغاة الأرض كالتمساح
يعتز بالإيمان ، ينشر نوره
كأبي عبيدة عامر الجراح
هي لا تريد اليُتم يَكسر أنفه
وكفاهُ ما في العيش من أجراح
هي تبتغي مستقبلاً متألقاً
بإباء نفس طيّب مرتاح
ليست تريد مذلة ليتيمها
كلا ، ولا شيئاً من الأتراح
واليوم تشقى وهْو طفل لا يعي
ما الفرق بين حدائق وبِطاح؟
ولدٌ يريد ويشتهي ، وله مُنَىً
ويعيش في أمل يليه بَواح
ولدٌ طفولته تجرّعه الأسى
فيُقابل البلوى بكل مَراح
ولدٌ جراحُ اليتم تخمِش عزه
ودماؤه تنساب مثل أضاح
في كل يوم قصة وحكاية
والقص مستعص على الشُراح
ولدٌ توفّر أمه ما يشتهي
مهما تواجه من لظىً وجراح
ولدٌ تطير بلبّه كل الدمى
ليحوز إحداهن بالإلحاح
ولدٌ يريد كما البراعم دمية
يلهو بها وبصوته الصداح
لم يدر أنْ هذي بمال تشترى
إذ ليس بعدُ بنابهٍ لمّاح
وأنا أتيت مع الجنود لداره
ورأيتُ الابن كمجرم سَفاح
أمسى يُداعب في حُبور دُميتي
ويُنغم الترجيعَ كالمداح
والأم تحسب أن شيئاً لم يكن
وهي التي عندي غدت كسجاح
حتى إذا وضع الجنود قيودهم
والغل يُذهب فرحة بسراح
وخطفتُ من بين المخالب دميتي
وطفقتُ أشكر من أتى ليُلاحي
فإذا بدمع الطفل يَخمش مهجتي
ويزيد في الآهات والإلحاح
ويصدني عما انتويت معاتباً
مثل الهشيم يئن تحت رياح
فهمستُ للأجناد أني مخطئ
ونويتُ بعضَ ترفق وصلاح
فمضوْا ، وحاز الطفل مني دميتي
وغدا يُلفع جيدها بوشاح
لا أستطيع الآن وصف سروره
فالوصف يستعصي على الشراح
ونشرتُ فوق البيت وافر نعمةٍ
حتى بدا من وُسعه كالساح
أنا لست جباراً أذل بسطوتي
كلا ، ولا أنا في الورى بإباحي
أنا أقرأ القرآن ، ألتمس الهُدى
أنا لستُ أقرأ كاذب الإصحاح
أنا لست عبداً للدراهم لحظة
عَبدٌ أنا للرازق الفتاح
1954
قصيدة