عدد الابيات : 50
يا إسماعيلُ أنا – واللهِ محزونُ
والقلبُ – مِن ثِقل المأساة مَطعونُ
أبكي عليك بدمع لا تُجففه
ذكرى مُكابدةٍ حَرَّى وتأبين
والنفسُ يخنقها أنينُ كُربتها
والوَجدُ بالنفس رغم الأنف مَقرون
والروحُ لاعِجَة تنعى أخى ثقةٍ
دنيايَ طابت به ، والعيشُ ، والدين
وبالمشاعر آلامٌ تُجندلها
وليس تنقصُ ما أروي البراهين
وللأحاسيس أناتٌ ومَلهبة
لأن صاحبها ثاو ومَحزون
ولا أزخرفُ ما أحكيه من كَمدٍ
إذ يَقتلُ الشعرَ والإحساسَ تدشين
كم يَفقدُ الشعرُ بالتدشين مِن قِيم
وكم يُشوّه ما يحويه تزيين
ولكنِ الصدقُ يُعطي الشعرَ نضرته
فينطق النص ما تحوي المَضامين
يا إسماعيل لمَن تركت خُلتنا
في غربةٍ كلنا فيها مساكين؟
مِن حولنا الناس تشقيهم دراهمهم
لهم بجمع الدنانير الأفانين
أما تذكرت ما قلناه من كَلِم
فيه القريضُ نديُّ النص مَوزون؟
أما تلوْنا كتاب الله صُبحَ مَسا؟
والأجر عند مليك الناس مضمون
ألم تدققْ من الأشعار أغلبها
وبيننا الرفقُ والتيسيير واللين؟
ألم تجُدْ بفضول الخير مُحتسباً
حتى أحبك مُحتاجٌ ومَديون؟
ألم توصّل لمستشفى الألى مرضوا
حتى يكون لمن تعول تأمين؟
ولستُ أنسى سيول الغيث هاطلة
لا تستقرّ ببلواها الموازين
وأنت تبصرُ في (عجمانَ) وَطأتها
مُستعذباً ما ترى ، والخيرُ مَكنون
حتى إذا سُرقتْ – في الليل مَركبة
سطا عليها مَفاليسٌ دَهاقين
تخِذت أخرى لكي تأتي توصّلنا
لأن جُودَك – باليقين مَحصون
مُفوّضاً أمرَ أولاك التي سُرقتْ
لله لمّا مضت بها الشياطين
لو شاء ربك – بعد البحث أرجعها
فأمرُ رب الأنام الكافُ والنون
ثم اشتريتَ دواء الطفل إذ عجزتْ
يدا أبيه ، لأن الأبّ مسكين
دارت عليه رحى خُذلان إخوته
في غربةٍ يزدهي فيها القوارين
وكم ذهبتَ إلى الأهلين تمنحهم
بعض الأمان ، وبذلُ الخير ممنون
في (كفر سعدٍ) تزور الأهلَ محتملاً
طولَ المسافة ، مهما نالك الحِين
وحاملاً لهمُ الحقائبَ امتلأتْ
بما ينوء به الجندُ الأساطين
عشنا كما الأهل في (عجمان) تكلأنا
محبة عاشها الغُر الميامين
ويومَ أحرقتِ النيرانُ مَطبخكم
فمطبخ البيت مَحروقٌ ومدخون
وزوجُكم – بعد حيرتها – بنا اتصلتْ
ثم انطلقتُ كما يجري المجانين
أريد نجدتها وسِلمَ دارتها
وبعدُ جئتَ فغالتك الأظانين
فأخمِدَتْ نارها بفضل خالقها
والبذلُ للصحبة العصماء عربون
يا إسماعيل فهل مللت صحبتنا
فاخترت موتك ، إن الموت مَسنون؟
لو خيّر الموتُ لم تذهبْ ضحيته
وما طواك – مع الفانين – (تدخين)
قد كنت فينا صحيحاً لا تعرقله
تعلّة ، أو تدانيه الطواعين
عافاك ربك من داءٍ ومن مرض
كما تعيش هنا الأسْدُ العَرانين
حتى ابتليتَ بأوجاع شقيتَ بها
فالصحة اندحرتْ ، والجسم عُرجون
ومن رآك بكى الشبابَ سربله
سُقمٌ ، وليس لحال الجسم تحسين
والوجهُ أمسى عِظاماً للورى برزتْ
والجسمُ من عِظم البلواء مطحون
ماذا أصابك بين الناس يا رجلاً؟
بَيّنْ لنا ، قد يُجيب السُؤلَ تبيين
يا إسماعيلُ عليك العينُ دامعة
والشعرُ يبكي ، وترثيك الدواوين
أجرٌ وعافية ، ورحمة نزلتْ
ومَحو سيئةٍ إن كان تفطين
ويَخلفُ الله عبداً في حَليلته
وفي ابنتيه ، وعون الله مضمون
وفي صَبيّين ما اشتدا وما رشدا
كل براع يقود العيش مَرهون
يا أسرة فقدتْ في الناس راعيَها
في الأرض مِثلكمُ عاشت ملايين
لا تستكينوا لبلواكم ومحنتكم
وعند ربكمُ للناس توهين
تذكروا الموت قد وافى (محمدنا)
ففي تذكّره سلوى وتهوين
تذكروا اليُتم قد دهى (محمدنا)
فيُتمه في جَواه اليُسرُ مَكنون
ويَرحم الله (إسماعيل) ما طلعتْ
شمسٌ ، وخالط ماءَ الوابل الطين
ويَغفرُ الله ذنباً كان قارفه
إذ كل عبدٍ بما يَهواه مَفتون
1954
قصيدة