عدد الابيات : 48
تعيا الكتابة في القِرطاس بالقلمِ
عن وصف من شرّفوا منظومة القِيَمِ
والشعرُ يَعجز عن تصوير همتهم
مهما تكلفَ لحنَ القول والنغم
لا لفظ في لغة البيان يُسعِفني
حتى أبيّن ما حازوه من شَمَم
لذا أقدّم إعذاري ، وبي خجلٌ
أنْ ليس يقبله مني ذوو الشيم
مَن أثبتوا أنهم جيرانُ ضيعتهم
إذ أنقذوا أسرة من ساعر الحُمَم
ما الجارُ إنْ لم يكنْ عوناً لجيرته
فيما يُلاقون مِن كرب ومِن إزم؟
ما الجارُ إنْ لم يقم دوماً بواجبه؟
وكم يؤاخذ إن جافى ولم يقم
ما الجارُ إنْ أصبح الخذلانُ دَيدنه
فلم يبال بمغلوب ومنفحم؟
ما الجارُ إنْ لم تكنْ سَمتاً منافعه
حباً لما عند ربي الواحد الحكم؟
الجار أهلٌ ، وإنْ شطتْ قرابته
حتى وإنْ لم يكنْ شيء من الرَحِم
والجارُ منا وإن أقصى العُرَى نسبٌ
وليس منا إذا استهان بالحُرُم
فالجارُ أقربُ إن طمّتْ مصائبنا
أو ابتلينا من المقدور بالقحَم
والجارُ للجار ، مهما كان بينهما
والأمرُ متفقٌ عليه من قِدَم
والجارُ إن قلتُ: آهٍ كان خيرَ دوا
وإن يزرٍني تمُتْ لواعِجُ السقم
والجارُ يُقرضني إن فاقة نزلتْ
أو كنتُ بالدَيْن في بؤس وفي وَضَم
والجارُ إن عمّتِ الأخطاء صوّبني
فيسلم القلبُ من سوآى ومن تهم
والجارُ إن حلتِ الأحزانُ أسعدني
فلا أعاني من الآلام والغمَم
والجارُ إن سربلتْ نفسي كوارثُـها
تُحمّل الجارُ بعض الضنك والسأم
وإنْ دهتني بلاءاتٌ شقِيتُ بها
أتى فواسى ، فخفت شدة الألم
والجارُ إنْ بؤتُ بالسرّاء هنأني
وبارك السعدَ عن بُعدٍ وعن أمَم
والجارُ إن جاءتِ الضرّاءُ شاركني
كيلا تزل على درب الهُدى قدمي
والجارُ حافِظ أسراري ومُمْسكُها
فليس ينشرُها في كل مصطدم
والجارُ إن يلقني كانت تحيّته
من الفؤاد تقوّي وازعَ السلم
والجارُ إما عطستُ الشهمُ شمّتني
بطيّب من صحيح القول محترم
والجار إن مِت للقبور شيّعني
بدمع عين على المقبور منسجم
والآن أمتدحُ الجيران أحسبهم
تسنموا المجدَ في مدارج النجُم
حازوا المناقِبَ في قول وفي عمل
وسعيهم – في البرايا – غيرُ متهم
لمّا أفاقوا على النيران جاحمة
لم يعبأوا بسعير النار والجحم
بل كان مطمحهم إنقاذ جيرتهم
مما ألم بهم في حالك الظلم
وسابقوا الوقت عبر الليل يخدعُهم
فللثواني حسابٌ بالغ العِظم
والخطبُ يغلبُ إمكاناتِ أغلبهم
إذ الارتفاعُ قرينُ الموتِ والنقم
ماذا عليهم إذا لمّا تكنْ حِيَلٌ
تُنجي الضحايا من التحريق والعدم؟
ماذا عليهم إذا قالوا بلا وجل:
إنا عجزنا وتخمينُ المصير عمي؟
ماذا عليهم إذا ما الإمكانات خبتْ
والأمرُ بادٍ ، فما شيء بمنكتم؟
لكنهم نشطوا فيما يُشرفهم
حتى انتهتْ نكباتُ المأزقِ الوخِم
فأنزلوا فرُشاً جافتْ أسرّتهم
تستوعِبُ التاركين البيت عن رغم
وجهزوها بتنسيق على عجَل
يستقبلون عليها الكل في نهم
وناصحوا الأب أن يكون آخرهم
والكل ناج بإذن الخالق الحكم
فانصاعَ للأمر ، لم يجُدْ بمُقترح
على الألى صدقوا في العون والخِدم
وناول الناس أبناءً على حذر
وزوجة بقرار جدّ مُنحَسِم
وقد أعدتْ لهم أسِرّة رُفعتْ
فوق الأديم بلا صخر ولا ضرم
حتى إذا هبطوا والخوفُ يأسرُهم
تصبّبوا عرقاً كالسيل ذي العَرِم
والبعضُ غاب عن الوعي الحياة له
كانت خيالاً بعقل الحاذق الفهم
والبعض غالب دمع العين مُبتشراً
يقول: شتان بين الصبح والغسم
الحمد لله أنجاهم بجيرتهم
لمّا أطاعوا كلامَ المصطفى الهشِم
تمثلوا هديه في الجيرة اشترعتْ
لصالح الجار حسب الشرع والنظم
وأخلصوا عِشرة بانتْ قرائنها
وسوف تخلد في الأجيال والأمم
شتان واللهِ بين الجار يخدمنا
والجار يخذلنا في الحادث العَمَم
1954
قصيدة