من أين أبدأ ما أرويه يا رجلُ
وأنت في قِصتي الأشخاصُ والبطلُ؟
وأي شِعر تُرى يُطيعُ مُمتثلاً
حكاية حيَّرتْ كل الألى عَقلوا
شاعت وراجتْ بلا أدنى مُراجعةٍ
وذات يوم عليها السِتْرُ يَنسدل
والنصُ زيدتْ على أحداثه زبدٌ
مِن الخيال كما زيدتْ له جُمل
عشقتني أيها الولهانُ مِن زمن
ولم يَصُدَك عن جَهر بها الخجل
وصرت تحتالُ في سِر وفي عَلن
ولم تُفدْك برغم الفِطنة الحِيَل
وزاد حُبك لي حتى شَقيتَ به
وشَفك العِشقُ والتشبيبُ والغزل
وكم تحينت للقاء من فرصٍ
يحيا بها الودُ والإحساسُ والأمل
وكم طرقت على بابي لتلفتني
وما مللتَ ، ولكنْ ملّكَ المَلل
وكم كتبتَ عِباراتٍ مُنمقة
طغى عليها الهوى والسَجْعُ والزجل
وكم لبستَ مِن الثياب أجملها
وقال قومُك: هذا بيننا الرجل
وكم تكلمتَ عني دونما وجل
أواهُ كم يرفعُ الرجولة الوجل
وكم تكلفتَ عن عَمدٍ تُجاملني
والفعلُ مُختلقٌ ، والقولُ مُفتعل
وكم أتيتَ بأبحاثٍ أقدِّمُها
وبي أمام البرايا كنتَ تحتفل
وعشتُ أصبرُ في الأمور تفعلها
الصبرَ عنه – وربي – يَعجز الجمل
أراكَ أسرفتَ فيما كنتَ تفعله
وبالذي جئته كم يُضرَبُ المَثل
أجهدت نفسك حتى كدتَ تُهلكها
ولم أوافقكَ ما تنوي ، فما العمل؟
ولم أبادلك حُباً لستُ أنكرُه
ولم أعدكَ بشيءٍ أيها الثمِل
ولم أكِنّ لك الغرامَ عاشقة
وكنتٌ دوماً إلى الرحمن أبتهل
أنْ لا أسيءَ إلى مَن عاش يُكْرمُني
ولم تَعُقه عن المَناقب السُبل
وجئت تخطِبني في بيت عائلتي
ودارَ حول الذي تريده الجَدل
لازلت تدرسُ ، لا مالٌ ، ولا سَكنٌ
هذا الزواجُ إذن مصيرُه الفشل
فقلتَ: مات أبي ، فقيلَ: أنتَ لنا
من سائر الأهل ، ما عن وُدّكم حِوَل
وسوف نعطيك ما نسطيعُ من مَددٍ
وبيننا القيمُ العصماءُ والمُثُل
لكنْ بُنيتنا بغيرك اشتغلتْ
وكلُ قلب بمَن يهواه يشتغل
وجاءنا رجلٌ يريدُ خِطبتها
عسى جراحُك يا ولهان تندمل
فهل قبلتَ على هذا أخوّتها؟
أم أن قلبك – بالنيران يشتعل؟
تقول: أحببتني حباً يُشرّفني
لأنه بالهُدى والنور يتصل
وقلتَ: حبك لي لا شيءَ يُشبهه
لا تستوي قطعُ الإبريز والقلل
واليومَ تُشهرُ سِكيناً لتقتلني
هل غرّك الحبُ ؟ أم أودى بك الخبل؟
أتطعنُ القلبَ بالسكين مشتفياً
والناسُ مما ترى من هولهم ذهلوا
تحِز جيدي بلا تقوى ولا حَدَب
كما يُحَز خروفُ العيد والحَمَل
ويح الدماء جرتْ يا ويح حُمرتها
تساقطتْ نتفاً ، كأنها الهلل
يا لهفَ نفسي على ما نلتُ من ألم
وهل تُقِر الذي فعلته مِلل؟
وبعد خمس من الدقائق انسدحتْ
لتوّها جُثة أودتْ بها الغِيَل
تمددَ الجسمُ فوق الدرب مُشتكياً
ظلمَ الخلائق كيف الحادثَ احتملوا؟
وكيف لم يُهرَعُوا فوراً لنجدتها
أم أن ذِبحتها جميعهم قبلوا
بل استكانوا ، وقد هبّتْ هواتفهم
تُبدي المُروءة إذ جموعُهم فقدوا
تُصورُ الحادثَ الذي ضحِيته
تضمّختْ بدِما عن حَقنها بخلوا
لم يُنقذوا من شِفار الذبح أضحية
هل يومُ نحْر به الأشاوس احتفلوا؟
أين المروءة فيمن شاهدوا هزِلاً
حتى يَرى مَنعَه مِن هزله الهزِل؟
ذلُ التفرج أعماهم وسربلهم
عن القيام بدَوْر ما به عَذل
لكنني أسألُ الولهانَ أسئلة
مِن بين أسئلة الألى له سألوا
هل الرجولة أن تَغتال آنسة
وتَدّعي حُبها يا أيها البطل؟
هل الفروسية الشما على أمَةٍ
عَزلاءَ تَشهدُها العيونُ والمُقل؟
هل الشجاعة تُبديها على أمَةٍ؟
إن الأشاوسَ من هذا البلا خجلوا
وهل مُحِب تُصافيه حبيبتُه
فيستبيحُ دِماها ، ثم ينفعل؟
وبعدُ يَهوي بسكين ليَغرسَها
في قلبها ، أين راحَ الحبُ والغزل؟
يوماً ستُسألُ عن روحي التي رَخصتْ
على يديك ، فهل أصابك الهبَل؟
أنا سأمضي ، وتبقى قِصتي شبحاً
يُخِيفُ كل الألى في الحب ما اعتدلوا
ولعنة تسحقُ الباغين في وطني
من الشباب الألى في جَدِّهم هزلوا
لكنْ قِصاصي سيبقى دائماً أبداً
يُهدد القومَ بالأخلاق ما عملوا
في أي شرع يموتُ المرءُ في ملأ
من الأنام ، وما لقتله عِلل؟
أحِبُ مَن شئتُ ، هذا شرعُ خالقنا
وعند رب الورى المَقدورُ والأجل
قتلتُ غدراً ، وعند الله مَظلمتي
ككل مَن دونما جَريرةٍ قتِلوا
في مشهدِ البعث آتي والدماءُ على
ثوبي ، ومن عُنقي المَذبوح تنهطل
وسوف أجهرُ بالدعوى لخالقنا
بكل لفظٍ صريح ما به زلل
يا رب سل قاتلي ما سِر ذِبحته؟
لأن ذبحي مُصابٌ ماحِلٌ جَلل
يا رب خذ لي بحقي من أسير هَوىً
أودى بروحيَ لمَّا أزهُ الغَلل
واجعلْ دمائي لكل الذنب ماحية
يا مَن عليه لنيل الفوز أتكل
العدلُ أنت ، فكنْ لي في الحساب غداً
واجعلْ جنانك لي مع الألى دخلوا
1954
قصيدة