عدد الابيات : 69
بذلتُ لكَ الخيرات ، لم أكُ أبخلُ
وجُدتُ بمالي يومَ لم تكُ تعقلُ
وأجهدتُ نفسي مُرْخِصاً كل ما غلا
ويشهدُ لي ما كنتُ أعطي وأبذل
وكافحتُ في العيش الذي كان قاسياً
فلم أكُ أشكو لحظة ، أو أولول
وناضلتُ في الميدان ، هذي رسالتي
فإني على رب الورى أتوكل
وصارعتُ هاتيك الحياة بعزمتي
ومثلي على الأصحاب لا يتطفل
ولم أعشقِ الآمالَ دون انطلاقةٍ
ولم أكُ في أنسامها أتغزل
عسيرٌ عليَّ النومُ إن جاءني البلا
ولستُ الذي في كربه يتزلزل
وعاتٍ على نفسي احتجاجي بقيمةٍ
بها في جميع الناس لم أكُ أعمل
تُصدّقُ أعمالي مقالاتُ صادق
وفيما يقول المُفتري لستُ أسأل
وعشتُ أرى فيك الكرامة والإبا
وكل الذي في النفس كنتُ أؤمل
وقلتُ: سيبني المجد فذاً مفاخراً
فقلبُ الفتى بالعز والمجد مُثقل
ويملأني فخراً بما حقق الفتى
فما مثله يوماً يَخيب ويَفشل
ويغمرُني بالفضل مهما نهرته
ونصحي له مستسلماً يتقبل
وقلتُ: سيعلو في البهاليل شأنه
ويوماً على إخوانه يتفضل
ويحترمُ الأهلين ، يرعى حقوقهم
ومنهاجُه في العيش أسنى وأمثل
ولا يرفع السوآى شعاراً ومَذهباً
وأقواله صِدقٌ ، فلا يتقول
يعيش لرب الناس عبْداً موحّداً
ومما احتوى القرآنُ يغذو وينهل
وفي سُنة (العدنان) يحلو اجتهاده
وعن منهج الوحيين لا يتحول
وقلتُ: سيعطيني إذا احتجتُ عن رضىً
وعني همومَ النفس يوماً سيحمل
فما كان لي إلا عذاباً وصدمة
وليلي بقربي منه داج وأليل
وأذكر في حزن جميلاً بذلته
وما عشت مِن هذا الفتى أتحمل
إذا زاره السقمُ اليسيرُ وجدتني
عليَّ من الأحزان والكرب أجْبُل
أعاني ، وآسى للذي قد أصابه
ولله بالأعمال قد أتوسل
وأنفق من مالي لأذهِب سُقمه
وأسعدُ إذ ألقى الذي كنتُ آمل
وأبقى طوال الليل أبكي وأشتكي
لربي مصابي ضارعاً ، وأحوقل
وأحرقُ أعصابي من الوجد ثاوياً
عليكَ ، وأبقى في الشقا أتبتل
كأني مصابٌ ، والجراحُ مريرة
وما طاب لي شرابٌ ، ولا طاب مأكل
وأمضغ آلامي ، وأقتاتُ بالأسى
إذا ما أصاب الجسمَ جسمَك دُمَّل
وأسهرُ ليلي في العذابات بائساً
رهينَ الشقا من حُرقةٍ أتململ
كأني بآهاتي وفيض مدامعي
مريضٌ له عينٌ تذوب وتهمِل
فلما رأتْكَ العينُ شاباً تفاءلتْ
وقالت: ظهيرٌ في النزال ، وموئل
وفخرٌ وعز في الحياة وسُؤدَدٌ
ورُشدٌ يزكّينا ، به ليس مَعدِل
ولكنْ خبا ضوءُ العيون ، فأخفقتْ
وأخطأتِ التقدير ، فالشبلُ أرذل
يسبّ أباه ، والكسيرة أمّه
ليَسعدْ عدوٌ بالسفيه وعُذل
يظن ذكاء المرء في السب والجفا
وإنِّ سِباب الناس للعز مُمْحِل
ويحملُ سيف البغض للحق عامداً
ودوماً يُعينُ النذلَ نوكى ومُيَّل
ويظلم ، لا يهوى العدالة مُطلقاً
ويَهرفُ بالبُهتان ، لا يتعقل
تردّى إلى حدٍ عميق قرارُه
حضيضٌ من الأقذار أخزى وأسفل
سفيهٌ ، ولا يستحي مما يقوله
وهل يتسامى بالحق والخير مُبْطل؟
يردّ جميلَ الوالدين صفاقة
وإنّ الذي يأتيه صدقاً لمُخجل
يُقابل إحساناً بأنكى إساءةٍ
وينكر معروفاً ، ويطغى ، ويختل
ويُزري بما أسدتْه أمٌ تحبّه
وعاشت تُسَلي طفلها ، وتُدلل
وكم أطعمتْ أشهى وأغذى طعامها
وتحنو وتقسو مَرة ، وتقبِّل
فلما استوى أمسى يُسَفه رأيها
وفي النيل منها يستطيل ، ويوغل
رؤوسٌ تساوتْ ، تلك لا فرق بينها
وهل فضلُ أم الفتى يُطوى ويُجهل؟
تأمّلْ تجدْها في المشيب تهدلتْ
وأنت الذي خيبتَ ما تتأمل
وأنت الذي أغرقتَ بالدمع وجهها
إلى أن ثوت في وهدة الشيب عُطبُل
وأما أبوك المستكينُ فؤادُه
فقد غاب عن ذكراه ما كان يَعقل
وأنت الذي أعملتَ سيفك فيهما
تُسفه حيناً ، ثم حيناً تُضَلل
فلم تلتزمْ شرعاً يريدك حانياً
فلا تفتري إثماً ، ولا تتبذل
ولم تحترمْ عُرفاً عليه شبابنا
فعذبْتنا لمّا قلاك التجمل
فليتك لم تظلم ، ولم تُشْمِت العِدا
وليتك فيما بيننا كنت تعدل
أبوتنا لمّا نذِقكَ مَرارَها
وفي ظلها عاش الفتى يتدلل
وهبناك من ريع الشباب أريجَه
وأنت بما خولتَ يا نذل تبخل
منحناك من أعصابنا ودمائنا
وكدتَ مِن الإحسان والجود تذهل
فيا ليتنا كُنا انتصحْنا ، فلم نكنْ
نجاريك فيما تدّعي يا مغفل
شقينا ليرتاح الذي قد أهمّنا
وبتنا يُدَمّينا الأسى ، فنحسبل
وقلنا سيرثي للذي قد أذلنا
وهذا فتى الفتيان أسخى وأنبل
سيُكْبِرنا دوماً ، ويُعْظم شأننا
ومِن كل أهلينا أحن وأرجَل
سيرحم ضعفاً قد ألان قناتنا
ويشدو فيشجينا إذ النجل بُلبل
سنسعد في الدنيا بصحبة ذا الفتى
ويسعد قومٌ كان فيهم ومَنزل
سيملؤنا فخراً يُسلي حياتنا
به يسهل الأمر العسيرُ المُعَضّل
فخاب الرجا ، والأمنياتُ تبعثرتْ
وسُربلتِ الآمالُ ، كم ضاع مَأمل
ويوماً تذوق الذل قدمته لنا
وشيبُك بالثارات يوماً سيَحفل
ألا إنه دَيْنٌ يُوَفى ، ونقمة
وإن جَناب الله كهفٌ ومَعقل
دَعَونا عليك الرب من فرط ذلنا
وربك عمّا نلته ليس يغفل
ولا يظلم اللهُ العبادَ لحيظة
وربك للطاغين يُملي ، ويُمهل
ولكنّ أخذ الله لا أخذ مثله
ولن ينفعَ الباغين يوماً توسل
1954
قصيدة