عدد الابيات : 83
طباعةهدمتِ الذي بيني وبينكِ يا (هندُ)
وأوقدتِ ناراً هاجَ مِن جوفها الصهدُ
وأشهرتِ سيفاً ، ليس يُدفعُ ضربُه
وقد كان مأموناً ، يُخبئه الغمد
وراهنتِ أعدائي على قتل عِزتي
ووأدِ شُموخي بعد أن نجحَ الكيد
وأسرفتِ في كيل الأذى دون رحمةٍ
وكان على حُسّادنا الكيُّ والفصد
وأمعنت في الإذلال دون هوادةٍ
إلى أن دهَى النفسَ المجندلة الوَجد
وأدخلتِني حرباً تُمزق مُهجتي
تطولُ وتستشري ، فليس لها حَد
وأغرقتِني في بحر تِيهٍ وحَيرةٍ
وبات عُبابُ الماء مِن فوقنا يعدو
وألقيتِني والبيتَ والطفلَ مِن عَل
ومِن بعدها مِن فوْره انهدمَ الطود
غريمي عليكِ اليومَ يخلو بصورةٍ
وتُشجيه فحواها ، وفي حُسنها يشدو
ويَطربُ أن جاءته أندى غنيمةٍ
على طبق التسريب هينة تبدو
يُكحّلُ عينيْ جائع ، ليس يستحي
بعِرض تملى الشِيبُ سلواه والمُرد
ويُوسِعُ أنفَ الوغد شمّاً يَشوقه
لربّة حُسن ، لم يَزرْ عقلَها الرشد
ويَسعد بالحُسن اشتهاه فناله
رخيصاً بلا جهدٍ ، وأنى – له الجُهد
ويَفرح أن صارت أمانيه واقعاً
وللهاتف المستملح الشكرُ والحمد
ويدعو رفاقَ الدرب كي يتفرجوا
على غادةٍ ريانةٍ ، وجهها يشدو
يقول: هلموا شرّفتنا صبية
علينا صِباها كم يروحُ ، وكم يغدو
وقد يرسلُ الألبومَ دون تورّع
لمن يشتهي ، أو للذي – عنده نقد
إذا لم يصنْ حُرٌ مِن الوَحل ِرضه
تدنسه فوضى ، العزيز بها عبد
وكم قلتُ: يا هندُ استفيقي وحاذري
فما استمعتْ للنصح بُحتُ به (هند)
ولا أنصتتْ للوعظ ، يحمي صِيانها
ولا زايلتْ مَكراً يموجُ ، ويَمتد
ولا أذعنتْ للحق ، يُصلحُ شأنها
ولا سربلتها في النزال القنا المُلد
فيا ليتها إذ أبدتِ الوجهَ للورى
قد اعتبرتْ بالضنك ، يورثه العِند
وهل هان وجهٌ زيّن السترُ حُسنه
لتكشفه هندٌ ، فيُبصره الوَغد؟
ألا إن بطن الأرض أولى بزوجها
مِن الظهر ، إن ظلت بذلك تعتد
فليس بديوثٍ ، وليس بهازل
وليس الذي تُقصيه عن شَرعه (دَعد)
وليس الذي تغريه ساقطة النسا
وليس الذي يفري مشاعرَه قد
ولا تجتني أنثى حِجاه بمَيسها
وليس الذي يكبو ، فيَصرعُه نهد
وليس الذي تُغويه حَسنا تغنجتْ
وجمّلها الوجهُ الصبوحُ ، أو الزند
ألم نتفقْ يا هند أن ننصر الهُدى
ليُسعفنا بالرشد خالقنا الفرد؟
ألم نلتزمْ بالحق والعدل جُهدنا
ووقرنا (عمروٌ) ، وشادَ بنا (زيد)؟
وكنا لأهلينا مثالاً وقدوة
وكان لنا عزمٌ يؤيدُه عهد؟
ألم ندرس الدينَ الحنيف مَحبة
وقرْبى إلى المولى ، وكان لنا جهد؟
ألم نقرأ القرآن غضاً مُرتلاً
فأشرقتِ التقوى ، وداعبنا السعد؟
ألم نفتخرْ رَدحاً بسُنة (أحمدٍ)
وكانت لنا رِدءاً ، ونحن لها جند؟
ألم نغتربْ عن دَارنا ودِيارنا
فقد عمتِ البلوى ، وضاقتْ بنا البُلد؟
وعشنا بلاءاتٍ ، وخضنا غِمارها
فما دمعتْ عينٌ ، ولا خيّم الوَجد؟
وكانت لنا في المدلهمات عزة
وتلك مساعينا تسنمها المجد؟
لماذا التدني بالتصاوير ، لم تكنْ
لقانون أقوام هي الشرط والقيد؟
تقولين: للذكرى فقلت: سفاهة
ومفلسة تهذي ، وماذا هو القصد؟
وما الذكرياتُ الهوجُ إن أشهرَ الخَطا
حُساماً على وحي السما سله الغمد؟
وهل ذكرياتٌ تستهينُ بدِيننا؟
وهل مخلصٌ نحو الترهل يرتد؟
وكم صورةٍ أودتْ ببيتِ أشاوس
ليغدوَ بيتاً للعباقرة اللحد
وللذكريات الغرّ أنواعُ جمّة
تجاوزتِ التصويرَ يغبطها المَجد
فمنها كليماتٌ تُصحّحُ دربنا
تَخللها النسرينُ والفلُ والوَرد
ومنها تجاريبٌ تُنقي مسارَنا
ونحيا كِرام الشأن ، تشهدُنا الأسْد
ومنها دروسٌ في الحياة كريمة
كبحر يُداوي سُقمَه الجَزْرُ والمَد
ومنها يواقيتُ المواعظ تحتوي
مَعيناً يُزكّي ، ليس عن طرقه بُد
ومِن بينها أندى المواقف كالسنا
تعلمنا أن البلاء له حَد
ومِن بينها بعضُ الكتابات سُطرتْ
بها الشبَهُ الرعناءُ يَدمغها الرد
ومِن بينها بعضُ الرسائل بيّنتْ
معالمَ درب فوق رَبوته البند
ومنها عِباءاتٌ لكل حَشيمةٍ
تدَثر فيها الجسمُ ، والرسمُ ، والقد
ومنها فساتينٌ على شرط ديننا
قماشاً وتفصيلاً ، وقد سُترَ الجلد
فهل عَوضتْ عن كل ذلك صورة؟
أجيبوا على سؤلي ، وفي صِدقكم فيد
أتُغني عيوناً صورة إذ تشوفها
لتُشبعَ ألباباً يُشتتها المَيد؟
ولكنها تُشجي قلوباً تريدُها
وتعشقها عِشقاً يُصاحبُه الوَقد
ويَشوي سعيرَ العِشق سِرّ وجودها
كنار تلظى في سُرادقها الصهد
وهل تُشبعُ النفسَ الدنيئة صورة
بها زكَت الألوانُ ، وانبجسَ الشهد؟
جحيمٌ هو العشقُ المتيّمُ عندما
يُصيبُ فؤاداً بالتوله كم يحدو
ويبقى مدى الأيام عبداً لمن هوى
يُطيعُ بلا رأي ، فالخنوعُ له بُرد
ويَجترّ ذل الحب في كل لحظةٍ
وللصب وجهٌ مِن مَساويه مُسْود
ويَقتاتُ آلامَ الهُيام مريرة
ويشقى به الإحساسُ والقلبُ والكِبد
وإن كان – للملتاع زوجٌ وضرة
فقِبلته الأولى لها المَيلُ يشتد
تعمّد أنْ لا يطرحَ العشقَ جانباً
وكم يقتلُ الولهانَ إما غلا العمد
وإنْ كان – للهيمان بيتٌ وأسرة
وإنْ ملأتْ أرحاب منزله الوُلد
فليس بناس ربّة الحُسن والصِبا
فيسترقُ الأنظارَ ، إنْ ظهرتْ (هند)
ويَرمقها بالعين ، يتبعُ ظلها
ويبكي بدمعٌ ليس يُنكره الخد
ويأسى إذا غابت ، ويرثي لفقدها
كأن عشيقاً هدّه الحب والفقد
فلمّا أتتْ للنذل صورتها سَبتْ
صواباً وعقلاً منه ، جُن بها القرد
ولستُ ألومُ الكلبَ يلهث سالياً
ويخلو بحَمقا ما لها في الغبا ند
ولكنْ ألومُ الزوجَ تُزري ببَعلها
وتجعله يقلو الودادَ ، ويحتد
وتُهدِرُ حق الزوج في عُقر داره
وتقبلُ بالتصوير ، مارسَه وفد
وتركلُ – بالنعلين صَوناً وغيْرة
وتفتحُ باباً للمِرا ، ليس ينسد
وتغرسُ سِكيناً بأغلى مُروءةٍ
وتهدمُ صرحاً ، لم يكنْ قبلُ ينهد
وتُشْهرُ سيفاً يستبيحُ شهامة
وتأتي خطايا كالغثا ، ما لها عَد
تقول: تصاويرٌ – لذكرى التقطها
وتمزحُ في أمر يُعضّدُه الجد
وتلقي بوعدٍ في النقاش ومَوثق
ألا خيّبَ الميثاقُ ، واندحرَ الوعد
بأنْ لا تكون الدهرَ أية صورةٍ
لها بين أيدي الناس بالطوْع مِن بَعد
فقلتُ: وهل بعد التداول مصرفٌ
وقد جُمعُ الألبومُ ، وانتصرَ الحِقد؟
تصاويرُ أهداها الجُناة لبعضهم
إلى أن أتت قوماً يُدَمّيهم الحَرد
قد اتسعَ الخرقُ المُمَزقُ ثوبنا
على راقع ، فيم التلاومُ والنقد؟
أمورٌ تعدتْ كل باع وقدرةٍ
جناها غريمٌ في خصومته جَلد
ليلطفْ بيَ الرحمنُ فيما أصابني
فإن الذي أحيا لمُستبشعٌ إد
ليرزقْنيَ الوهّابُ خيرَ تصبّرٍ
له الشكرُ مني ، والثناءاتُ والحمد
1954
قصيدة