الديوان » العصر العثماني » نقولا النقاش » نوائب الدهر إنذار إلى الأمم

عدد الابيات : 142

طباعة

نوائب الدهر إنذارٌ إلى الأممِ

أصواتها أسمعت حتى ذوي الصممِ

كأنها خاطب قد قام يرشدنا

فوق المنابر يبدي أفصح الكلمِ

يد العناية قد جادت بها كرماً

جاءت دواءبه برءٌ من الألمِ

عسى ترى الخير فيما أنت تكرههُ

وربما صحت الأجسام بالسقمِ

وربَّ بلوى أتت في طيها نعمٌ

وربَّ بلوى أتت من أظهر النعمِ

يا صاحِ قم من سبات الجهل متعظاً

وارجع إلى اللّه عين اللّه لم تنمِ

واذكر زمان الصبا واندم وذب خجلاً

من الكبائر واندب زلة القدمِ

واستمطر العين علَّ الدمع يغسلها

فكم بها بتَّ تعصي غير محتشمِ

كم أوقعتْك بحب الغانيات وكم

غدوت فيهن تحكي عابد الصنمِ

واسحق فؤادً غوى وأقرع جناحيهُ

وأصفق بكفيك لكن صفقة الندمِ

كم راح قبلك من هذي الديار فتىً

والراح في كفهِ والعمر في هدمِ

ما الخمر إلاَّ سقام الجسم كثرتهُ

أترتجي صحةً من حانة السقمِ

وكل ما كان في دار الفنا عبثٌ

يأبى الدوام وغير اللّه لم يدمِ

دنياك وادي دموعٍ لا سرور بها

أن أضحكت قطرةً أبكتك كالديمِ

بئس السعادة ترجى في ديار شقىً

تظن شهداً بشدق الأرقم الضخمِ

فلا تغرنك أفدانٌ مشيدةٌ

فإنما بنيتُ للهدم والعدمِ

يا عاشقاً زينة الدنيا وبهجتها

باللّه صفها بلا نقص ولا عظمِ

أشاقك الغدر منها أو تلونها

أم كذبها أم كنود الصحب والحشمِ

أم هل تشوقك أخوان بها عُرفوا

بالقدحِ والذم والاتهام والرجمِ

من خافرٍ ذممي أو حاقرٍ هممي

أو حاسدٍ نعمي أو جاحدٍ حكمي

إن غبت عنهم أطالوا السنم سفهاً

وإن حضرت ترى فاهم على قدمي

كم اقسموا من يمينٍ غير صادقةٍ

ولم يبالوا بشر الكذب والقسمِ

كافوك شراً على خير صنعت بهم

واللّه لا غروا أدرى في شرورهمِ

كأن أفعالك الحسناء عندهمُ

أفعى لهم لدغتهم في قلوبهمِ

كم قد حفظتُ وداداً في محبتهم

فقابلوني بنكث العهد والذممِ

ما زلت أرعى عهود الحب عن صغرٍ

حتى رموني بنيلٍ من سهامهمِ

ففقت من سكرتي حبي ومن شئمي

يدي على جرح قلبي صحت واندمي

أنا المفرط في إفراط نصرتهم

يُجزى معينُ ذوي ظلم بظلمهمِ

كذاك من يصنع المعروف مع بشر

لا يستق يجازى منهُ بالنقمِِِِِِِ

لقد تعاظم ذنبي منذ وثقت بهم

فجاءني فعلهم كفارة الجُرَمِ

قاسمتهم خصلتي ضرٍّ ومنفعةٍ

فكان من حسن حظّي النفع من قسمي

مالي وما لرضاهم أو مودتهم

أسعى لهم بالبقا يسعون في عدمي

قومٌ يرون الأذى كالفرض ملتزماً

والغدر عندهمُ ضربٌ من الكرمِ

سألت أدمنا هل أنهم بشرٌ

أجاب حاشا قد استيمنت ذا ورمِ

ولو علمت بنسلي منت يماثلهم

لقلت يا رب جد بالعقر والعقمِ

هم الثعابين لا تقربهمُ أبداً

ولا يغرنك منهم لين لمسهمِ

قومٌ صدورهم بالحقد واغرةٌ

والبغض في قلبهم كالسم في الدسمِ

باعوا الحياءَ بسوق غير رائجةٍ

فكان من ربحهم إتلاف صيتهمِ

يا ليتهم أخذوا من جلدا وجههم

ترساً لرد سيوف الذم والوصمِ

نعوذ باللّه من أفعى جهالتهم

قومٌ غدا برُّهم إغضاب ربهمِ

يا ويلهم يوم تقديم الحساب إذا

ما قام دياتنا للسخط والنقمِ

يوماً بهِ تكشف الأسرار واضحةً

حتى الشرور التي في حندس الظلمِ

يوماً بهِ توزن الأفعال قاطبةً

لكن بميزان عدل خير محتكمِ

يوماً يقومُ بهِ الديان يقسمهم

هذا إلى جنةٍ هذا إلى ضرمِ

ماذا تجيب وعدل اللّه يومئذٍ

حسام نار بدا في كف منتقمِ

أجب إذا استطعت واستشفع بما ملكت

يداك كالأرض والدينار والنعمِ

همُ همُ المشتكون الشاهدون على

أسواءِ أفعالنا كالظلم والأضم

كيف المناص وقد وافى عذابهمُ

ولأت حين مناص من عذبهمِ

فيتبعونك أنَّى سرت متجهاً

لأنهم أصبحوا من أهلك اللُزَمِ

تصيحُ حينئذٍ ياليت والدتي

ما خلفتني وليتي دمت بالعدمِ

ليت الجبالَ تغطيني وتسترني

والأرض تبلعني من وجه ذي النقمِ

بئس العويل وبئس الندب وقتئذٍ

هذا جزاء عصاة الحق ربهمِ

هذا جزاءُ الذي قد سار متبعاً

طرق الضلال وعن نور الرشاد عمي

ألست تذكر كم دار مشيدةٍ

هدمتها حسداً بالكذب والتهمِ

تلك النفوس وذاك الصيت والأسفي

قتلتها بحسام اللسن والقلمِ

كم بت في حسدٍ والقلب في كدٍِ

تحتال في عضدٍ للقتل والنقمِ

لو كانت الشمس مطوعاً لأمرك ما

أرسلت نوراً ودام في الظلمِ

فغرت فاك إلى الدنيا لتبلعها

بالصدق بالكذب أو بالحل والحرمِ

وكنت ضناً بها لو كنت آدمها

قتلت حوَّا وكان النسل في عدمِ

لا كلما يأكل الأنسان ينفعهُ

دع النهامة واخشى ميتة التخمِ

قل للجهول الذي قد سار مرتفعاً

يأتي الدوار وتهوي من ذرى القممِ

ما طار طيرٌ بريح الكبريا وعلا

إلاَّ غدا هابطاً فأسمع إلى حكمي

وأنت يا كور زين أن علوت إلى

أعلى الذرى سوف تضحي أسفل القدمِ

بطرت حتى ظننت الحق في عدمٍ

والصدق في كذب والعدل في غشمِ

قل لي أما لاح في عمياءِ فطنتكم

وجود ربٍ قديرٍ عادل حكمِ

قل لي أقادك عظم الجهل وائسفي

حتى وجود اللّه ذي القدمِ

نعوذ باللّه من كفر أتيت بهِ

أبشر إذن بعذاب النار والألمِ

أن كان كفرك هذا للفخار فقد

غدوتَ يا نزهتي ناراً على علمِ

كفى كفى قم بنا يا صاح خذ بيدي

ولنرتجع جملةً للّه ذي الكرمِ

هو الإله الرحوم اللّه لا أحدٌ

الآه سامٍ سواه الكل كالعدمِ

ربٌ عظيمٌ حكيمٌ قولهُ حِكَمٌ

غوث حليمٌ كريمٌ فائق الكرمِ

يا صاح قم قاصداً أبواب رحمتهِ

وقل حنانيك ربي تبت عن إثمي

أتيت مولاي باب العفو طارقهُ

وهاك حبل رجائي غير منصرمِ

خلعت ثوب التصابي أسفاً ورعا

وقمت متشحاً بالزهد والندمِ

تركت هنداً ودعداًَ والربابَ كذا

ذات الوشاح وذات البند والعلمِ

السافرات وجوهاً كالبدور لنا

الجالبات عنا السافكات دمي

المسبلاتِ شعور أمثل ليل دجىً

كادت تقبل منها موطئ القدمِ

وكل خودٍ بدت خرسٌ أساورها

وسائر الحلي يبدي أعذب النغمِ

وخالها من فتات المسك جوهرة

والجيد كافور فجر غير ملتثمِ

أظبية الأنس كفي عن مداعبتي

قد أصبحت همتي لحماً على وضمِ

نعم نعم كنت بالعشاق أولهم

أمتاز بالأمتين العرب والعجمِ

أهيم أن يذكروا الأحباب من طرب

كأنني شارب كاسات خمرهمِ

أميل مع قامة الهيفاء أن خطرت

حمالة الورد والرمان والعنمِ

وأقصد الشهد من مصرٍ إلى حلب

ولا أخاف للدغ النحل من ألمِ

والآن لا ناقتي فيها ولا جملي

والذئب أمنا غدا يرعى مع الغنمِ

راح الشباب ووافى الشيب مبتسماً

ففاز منا بوجهٍ غير مبتسمِ

قابلتهُ وعلى فوديَّ نائحةٌ

من فعلهِ داعيات الهم والهرمِ

أهلاً بهِ منذراً قد جاءَ يرشدنا

لنصلح النفس بالإرهاب والندمِ

منادياً صوت صور في مسامعنا

لم يبق للموت خطوات سوى قدمِ

يا أيها السائرون أصحوا لغفلتكم

وزودوا النفس إثماراً من النعمِ

قل لي أتضمن باقي عمرنا لغدٍ

فربما اليوم قد تضحي مع الرممِ

عمر الفتى وهب الأقدار تسعده

خيطٌ من القطن تحت المرهف القضمِ

هي المنية لا تبقى على أحد

يعم سيف قناها سائر الأممِ

يا ويلتي أن دنت والجسم في قلق

والروح في زهق والنطق في بكمِ

والأذن في صممِ والعين في ظلمٍ

والفكر في غممِ والقلب في ضرمِ

واللون في كمدٍ والعقل في خمدٍ

والرأس في ألمٍ والأهل في وجمِ

فكيف تبنى بذاك الوقت ما هدمت

يداك كالسلب والأضرار والتهمِ

أصلح إذا استطعت سيظاً أنت متلفهُ

وأردد إذا استطعت مال السحت والحُرمِ

مريضةٌ توبة المرضى كما زعمت

أولوا النصائح فاسترشد بنصحهمِ

ولا تحاول فليس اللّه مهزأةً

من يزرع الشر يجني شدة النقمِ

وكيفما مالت الأشجار قد سقطت

قول الإله العزيز الصادق الكلمِ

أن رمت إصلاح ما قد فات أنَّ لنا

حياتنا الآن فاغنمها بلا ندمِ

إلى متى أيها الكسلان معتنقاً

خبث التواني ولا تصغي إلى الحكمِ

يا نفس ذوقي اليم العتب وارتجعي

واستمسكي بجبال اللّه واعتصمي

هو الإله الذي أبداك من عدمٍ

إلى الوجود بحسن العقل والفهمِ

وقد حباكي من الإحسان منزلةً

تكاد تعلو على الأملاك بالنعمِ

وها إلى الآن بسط اليد فائحها

يدعو البغاة وكم يصبوا لعودهمِ

حتى إذا التقى من ضل عانقهُ

وصاح يا نعجتي عودي إلى غنمي

هيا تعالوا إليَّ واطرحوا تعباً

عن نفسكم واخلصوا من رقبة اللممِ

كلوا هنيئاً مريئاً خبز مائدتي

ثم اشربوا خمرتي إذ فيهما نعمي

حملي خفيفٌ لطيفٌ لا كما زعمت

أعداؤكم فاحملوا نيري بلا سأمِ

إرادتي أن تكون النفس خالصةً

لكنما أن أبت تهوي إلى النقمِ

يا رب نفسي ببحر الإثم غارقةٌ

فألطف بها راحماً يا بارئ النسمِ

ولي ذنوبٌ إذا ما زنتها رجحت

على الجبال وفاقت عدة النُجُمِ

حتى غدوت مع الأعداء لي نسبٌ

واشرب الإثم ماءً من كؤوسهمِ

أتلفتُ صورة نفسي واعتديت على

جمالها فغدت من أقبح الرممِ

وأخجلني أن تقل لي يوم محشرنا

أهكذا صنعة النقاش ذي القلمِ

أبقت عن طاعة المولى وخدمتهُ

حتى نشرت لوا العصيان كالعلمِ

أنَّى النجاة وقد أضحيت وأسفي

أكاد أقطع آمالي من النعمِ

أغثنِ ربي وألطف بي وخذ بيدي

يامن تنزهت عن لاءٍ ولن ولمِ

يا غوث يا عون يا منانُ يا عضدي

يا خالقي يا إلهي يا قوى هممي

يا أرحم الراحمين اللّه يا مددي

أرحمْ عبيداًَ أتى في غاية الندمِ

ارحمْ عبيداً لقد ألقى السلاح وقد

وافى مطيعاً لبحر العفو والكرمِ

يا نفس لا تقنطي سيري لرحمتهِ

لا تجزعي أن ربي زائد الحلمِ

فلو تقاس ذنوب الخلق أجمعها

بعفوه لغدت صفراً ورا رقمِ

أو قطرةً من خفايا الشح قد سقطت

يلج بحر بموج الحلمِ

بلا غلوٍ لو الشيطان تاب لهُ

لجاد عفواً ونجاه من الضرمِ

عودي إليه بعزمٍ غير منقلب

واستوثقي بعرى الإيمان واعتصمي

عودي بقلب على ما فات منسحقٍ

ومكنى القصد وأجري الدمع كالديمِ

ما خاب عبدٌ يكون اللّه ناصره

وهكذا من يثق باللّه لم يضمِ

أنت الشريفة في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ

ثمينةٌ بالفدا والأرث للنعمِ

قومي أخلعي عنك ثوب الذل واتشحي

بحلة المجد وأيدي أعظم الهممِ

خذي الأمانة ترساً غير منصرمٍ

وخوذةً من رجاءِ غير منثلمِ

واستقبلي الحرب في عزم يؤيده

نصرٌ قريبٌ وكوني ربة العلمِ

خوضي غبار الوغى من فوق صافنة

من الإرادة واجلي عثير الدُهُمِ

وألقي الأعادي كالأحرار ثابتةً

أكلة المجد تعطى عقب نصرهمِ

حاشاك أن تغلبي أو تنثني همماً

ومريمٌ في الوغى كشَّافة الغممِ

هي القديرة لا حدٌّ لقدرتها

هي الشفيعة والملجأ من الضرمِ

كل الكمال كمال الكل طلعتها

يا ويل من عن سنا ذاك الكمال عمي

جودي أيا مريم البكر البتول بما

عودتني وارحمي يا ملجاءَ الأممِ

أن تشفعي بي فأني خالصٌ أبداً

وقد كفى أن تقولي أنت في ذممي

لذاك أنهيت نظمي فيك ممتدحاً

أرجو الشفاعة في بدئي ومختمي

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن نقولا النقاش

avatar

نقولا النقاش حساب موثق

العصر العثماني

poet-niqula-al-niqash@

80

قصيدة

19

متابعين

نقولا إلياس نقاش ,أديب وصحافي لبناني، ولد سنة 1825م، في بيروت ويعتبر من رجال القانون في العهد العثماني، عمل بالتجارة بين عامي 1859-1868. ثم انتدبته الدولة موظّفًا في ...

المزيد عن نقولا النقاش

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة