صُوَرٌ عَلَى الْجُدْرَانِ،
قَافِلَةٌ مِنَ الصُّوَرِ الَّتِي تَمْشِي عَلَى الْجُدْرَانِ
فِي لَيْلٍ شِتَائِيٍّ ضَنِينْ...
وَبَقِيَّةُ الْأَشْيَاءِ نَائِمَةٌ...
فَلَا الصَّحْرَاءَ تَعْرِفُ مَنْ يَكُونُ الْقَادِمِينَ
وَلَا النَّدَى يَدْرِي بِأَنَّ الْغَيْمَ مَسْكُونٌ
بِأَرْوَاحِ التَّوَارِيخِ الْبَعِيدَةِ وَالسِّنِينْ.
مَرُّوا كَأَنَّ ظِلَالَهُمْ غَابَاتُ نَخْلٍ
وَابْتِسَامَتَهُمْ حَنِينْ.
وَتَبَدَّدُوا، فِي لَحْظَةٍ، مِثْلَ السَّرَابِ!
غَابُوا.. تَوَارَوا..
لَمْ يَعُودُوا مِثْلَمَا وَعَدُوا.
فَكَأَنَّهُمْ أُفُقٌ يَطِيرُ لِيَخْتَفِي بَيْنَ التِّلَالِ وَخَلْفَ أَسْوَارِ الضَّبَابِ!
فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ كَانُوا يَسْكُنُونَ..
وَعَلَى جَنَائِنِ بَابِلَ الْأُولَى يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيَسْهَرُونَ.
كَانُوا هُنَا وَهُنَاكَ...
فِي بُسْتَانِ جَدِّي، كَانَ نَاعُورٌ يَدُورُ.
وَكُنْتَ تَجْلِسُ دُونَ أَنْ تَدْرِي بِأَنَّ حِصَانَ جَدِّكَ كَانَ يَمْشِي نَائِمًا
وَيَفُوتُهُ الزَّمَنُ الْأَخِيرُ.
ضَيَّعْتَ حُبَّكَ أَمْ أَضَاعَكَ؟
وَارَيْتَهُ أَنْتَ التُّرَابْ؟
أَمْ أَنَّهُ وَارَاكَ ثُمَّ أَتَاكَ فِي حُلْمٍ
وَطَافَ عَلَى دُمُوعِكَ؟
كَانَتْ سَمَاءُ اللَّيْلِ غَامِضَةً..
وَأَنْتَ تُعِيدُ تَرْتِيبَ السُّطُورْ
وَتُعَلِّمُ الْأَشْجَارَ حِكْمَتَنَا وَأَسْرَارَ الطُّيُورْ.
يَا صَدِيقِي.. يَا أَخِي
هَلْ أَنْجَبَتْكَ جِبَالُ بَكَّةَ
أَمْ طَوَتْكَ تِلَالُ أُورْ؟
تَسْيرُ كُلَّ الدَّهْرِ
ثُمَّ تُعِيدُ فِي نَجْوَاكَ أَنَّكَ زَائِرٌ سَتَعُودُ يَوْمًا
مُسْرِعًا مِنْ حَيْثُ جِئْتَ..
يَا أَيُّهَا الْآتِي مِنَ الْمُسْتَقْبَلِ..
اِنْتَظِرِ الْقَوَافِلَ
أَنْ تَعُودَ مِنَ السُّهُولِ...
فِيهَا الْحَرِيرُ وَعِطْرُ مَنْ أَحْبَبْتَ فِيهَا..
وَالْمَنُّ وَالسَّلْوَى وَأَبْرَاجُ الْفُصُولِ.
كَمْ كُنْتَ مَشْغُولًا بِتَعْدِيلِ النِّهَايَاتِ الْأَلِيمَةِ فِي الْحُقُولِ؟
وَلَكَمْ سَهَرْتَ لِتَحْرُسَ الْجُورِيَّ
مِنْ بَرْدِ الشِّتَاءِ.. وَمِنْ غِوَايَاتِ الرَّمَادِ
يَا ابْنَ أُمِّي وَابْنَ ذَاكِرَتِي وَزَادِي.
عَبَثًا يُحَاوِلُ مَنْ أَرَادَكَ أَنْ تَكُونَ كَمَا يُرَادُ
فَقَدْ خُلِقْتَ لِأَنْ تَكُونَ كَمَا تُرِيدُ..
يَوْمَ الْوِلَادَةِ وَالْغِيَابِ
وَيَوْمَ تُبْعَثُ مِنْ جَدِيدٍ.
هَلْ كُنْتَ تَعْرِفُ أَنَّ وَجْهَكَ لَا يَغِيبُ
وَأَنَّ وَهْجَكَ مِثْلُ صَمْتِ الْكَوْنِ بَاقٍ
لَا تُغَادِرُهُ حَيَاةٌ أَوْ يُغَيِّبُهُ مَغِيْبٌ؟
مُنْذُ اخْتِيَارِ الِاسْمِ كَانَتِ احْتِمَالَاتُ الْحَيَاةِ لَدَيْكِ وَاضِحَةً
وَأَنْتَ نَدًى وَطِيبُ.
صُوَرٌ عَلَى الْجُدْرَانِ هَادِئَةٌ تَسِيلُ
مَكْلُومَةً تُرْخِي سَتَائِرَهَا
تُحَدِّقُ فِي الظَّلَامِ
وَتَسْتَعِيدُ وُجُوهَ مَنْ غَابُوا،
لِيَرْتَفِعَ الصَّهِيلُ.
24
قصيدة