.يُغادرُنا المكانُ .مربّعاتُ الإسمنتِ أوّلاً، ثمّ المقاعدُ في إثرها الفراغُ المباغتُ .يفرضُ تأثيثَ الأرواح 1 كانَ علينا أن نكونَ أكثرَ صلابةً و بياضًا كأنّنا الحوائطُ التي تُكَوِّنُ الزوايا .و تسندُ السقفَ و الظلال كانَ على أصابعِنا ألاّ ترتعشْ و على الوقتِ أن يمهلْنا قليلاً كي نمنحَ اللحظةَ ألوانَ لوحةٍ أخرى غيرَ البغيضةِ .غيرَ قتامةِ ملابسِنا 2 لم نكن نشعرُ بخشونةِ البردِ .أو بالخفافيشِ العالقةِ بصُوفِ معاطفِنا كُنّا نسيرُ كالتماثيل مقنّعينَ بأحجارٍ من كهوفهم .كارثةً لا تعني أحدًا سوانا حملْنا الصناديقَ و مشينا نحلمُ بخشبِ التوابيتِ يخضرُّ .يعودُ أشجارًا نتسلَّقُها بقلوبٍ صغيرةٍ خبّأناها في الجيوبِ كعُلَبِ سجائر مجهولةٍ لآبائنا بخطواتٍ متهدّجةٍ أنهكتْها الرطوبةُ في أصواتهم بالمسافةٍ حينًا و حينًا بالسعال نزحنا من وهمٍ إلى آخر .جذوعًا تركلُ تشوّهاتِها في غبارٍ من أينَ نبدأ في مثلِ هذا الخواءِ الشاسعِ؟ و إلى أيِّ هاويةٍ سيقودُنا الأسفُ؟ .العيونُ لاغيةٌٌ .الأقدامُ أمطارٌ تتساقطُ بانتظامٍ مُدْهِش 3 لأبوابٍ أغلقناها على خلافاتهم سنديرُ ظهورَنا المقوّسةَ و نمضي وحيدِينَ صوبَ اختلافِنا كشجرٍ غادرَ غابتَهُ سنقطعُ كُلَّ الجذورِ التي تَصِلُ ترابَهُمْ بقلوبِنا كأنّ الذينَ يسكنونَ الصراخَ ليسوا آباءَنا كأنّنا قادرونَ على النموِّ و الضحك بضوءٍ قليلٍ .دونَهُمْ 4 نحنُ الآنَ أكثرَ قدرةً على استيعابِ قسوتِهِمْ و على افتعالِ الحنانِ دونَ نفورٍ ،كلّما احتكَّ جلدُهُمْ بيُتْمِنا و كلّما عبرتْنا أحضانُهُمْ مُسْرِعَةً كأنّها تهابُ ظلالَنا تذكّرْنا الحانةَ التي احتوتْنا و ليلاً كانَ يُرَبِّتُ على أكتافِنا المتكلِّسةِ كلّما أحنيْنا على الخشبِ ظهورَنا مُثقلينَ بهم .أجنحةً دونَ وظيفة 5 .لا غربةَ أشدَّ من أصواتهم في النزاعِ شرودُنا إذ يزحفُ نحوَ عزلتِهِ يطمئنُ فئرانًا تقضمُ حوافَّ النومِ بأسنانٍ حادّةٍ كأصواتهم و لأنّ أعضاءَنا ناقصةٌ .سيئنُّ الخشبُ في المفاصل 6 من الدخانِ نُولَدُُ و ليسَ من أرحامِ الأمهاتِ كما أوهمتْنا العائلةُ صغارًا لكنَّ المرايا التي تعكسُ كؤوسًا متكرّرةً بينَ الأصابع ضلَّلَتْ رؤوسَنا .تلكَ المثقلة بفاكهةٍ حامضة 7 هذا الدمعُ المنسكبُ في ترابٍ غيرُ قادرٍ على إعادةِ الروحِ لخلايا الكلوروفيل الميّتةِ في أوراقٍ لم تنجُ من حريقٍ أشعلناهُ بأعقابِ السجائر بغروبٍ تركناهُ وحيدًا وراءَنا دونَ قصدٍ دونَ درايةٍ بما يعنيهِ الجحيمُ آنذاك .و لم تغفرْهُ لنا الغابةُالأمُّ و إلاّ بماذا تفسّرونَ تعثُّرَنا بجذورٍ قاتمةٍ و ظلالٍ تتمايلُ كلّما خطوْنا؟ 8 مغروسونَ في الحرمانِ حتّى أعناقِنا المتغضّنة و لا لذّةَ تحفُّ العروقَ غير َهواءٍ قليلٍ .تُسَرِّبُهُ الأجنحةُ العابرةُ لذبولِنا لم نَكْبُرْ إنّما المدرسةُ هي التي صَغُرَتْ بسياجِها المطوِّقِ لبراءتِنا و أشجارِ السَّرْوِ .و الباصّات .ِما كانَ لنا أن نتبعَ خطوَنا على النار .ما كانَ لأيدينا أن تمتدَّ لتلكَ الكؤوس 9 لن نألفَ الضغينةَ التي تجمعُنا و أقدامُنا المثبّتةُ في دائرةٍ لن تطأ هذه العتمةَ ثانيةً ربّما، بعدَ أيامٍ قليلةٍ نعودُ بلا شمسٍ إلى المقهى .بلا عصافير على الحواف 10 مُعبّأةٌ بدخانٍ يُبدِّلُ هيئتَهُ من جبلٍ إلى تمساح تحدّقُ في عزلتِنا في مللٍ يبادلُنا ورقَ الكوتشينةِ و علبةَ الكبريتِ فيما الذينَ صلبوا طاقتَنا على خشبِ النماذج يقتلعونَ الأحلامَ التي لم تنضج بمناجل تلمعُ دونَ أن يغيّروا ثيابهم يهشّمونَ حيواتِنا بمدنِها الصغيرةِ .و مقاهيها المبتلّةِ على أرصفةٍ تتآكلُ أطفالُها الذاهبونَ إلى المدرسةِ شاحبون كما لو أنّ قلوبَهُمْ تفحّمت في الليلِ .لتلائمَ البيوتَ التي يعلو بعواميدها الصراخ
سوزان عليوان شاعرة لبنانية، ورسامّة، ولدت في عام 1974 في بيروت، من أب لبناني وأم عراقية الأصل. بسبب الحرب في وطنها، قضت سنوات الطفولة والمراهقة بين الأندلس وباريس والقاهرة. تخرجت ...