لماذا يذكّرني صوتك بتلك اللحظة المسحورة اللامنسية، لحظة ألصقت صدفة على أذني، وسمعت للمرة الأولى صوت الأسرار وحكايا الريح والأمواج؟ لماذا يذكّرني حبك، بشهقاتي يوم شاهدت البحر للمرة الأولى وكنت طفلة؟ لماذا يذكّرني حبك، بأول تفاحة قطفتها خلسة عن شجرة، والتهمتها سراً دون أن أغسلها؟ لماذا تذكّرني حكايتنا، بأول أرجوحة ارتعش جسد طفولتي لهبوبها، وفرح بتحليقها وسقوطها؟ لماذا تذكّرني حروفك، بجموح فتوّتي، وظلمات مراهقتي؟ لماذا يذكّرني حبك، بأول شجرة لوز تسلقتها، وأول سقطة موجعة عن غصنها؟ لماذا يذكّرني حبرك الأخضر، بالصباغ الداكن للجوز الأخضر على أصابعي، بعد ساعة من الشراهة الطفولية الشهوانية ومحاولات تكسيره بالحجر على طرف الصخرة واستخراج قلبه الأبيض لالتهامه؟ لماذا تذكّرني شفتاك، بطعم الطباشير في المدرسة، يوم ذقتها خلسة عن المعلمة وكتبت على اللوح سراً كلمة : "الحرية"؟ لماذا يذكّرني دفء حضورك، بمعطفي المخملي الأول، والياسمين في ضفائري؟ لماذا يذكّرني حبك بطفولتي ، ومدينتي، ويعيدني إلى جذوري؟ لماذا يذكّرني خصب أصابعك بالغوطة، وقامتك بقاسيون؟ ولماذا، حين استلمت اليوم جواز سفري، كتبت إلى جانب عبارة "العلامة الفارقة"، عبارة: عاشقة؟... ولماذا قرعتْ القبيلةُ طبول الغضب حين ضبطتني كجدّتي الأندلسية "ولادة" متلبسة بالحب؟
غادة أحمد السمان كاتبة وأديبة سورية.ولدت سنة 1942م، في دمشق،ضمن عائلة شامية عريقة. والدها أحمد السمان الذي كان رئيس جامعة دمشق كما استلم منصب وزير التعليم السوري لفترة قصيرة، ووالدتها ...