عدد الابيات : 136

طباعة

سِفَارٌ بُعَيْدَ العُمْرِ لَا غَرْوَ يُقْدِمُ

وَ لَوْ طَالَ عَيْشٌ فَالممَاتُ مُحَتَّمُ

وَ لَوْ كُنْتَ فِي هَذِي الحَيَاةِ مُبَجَّلًا،

سَتَغْدُو عَلَى نَعْشٍ وَ بِالدَّارِ مَأْتَمُ

سَتَمْضِي سُنُونٌ فِي مَحَبَّةِ زَائِلٍ

كَأَنَّكَ بِالفَانِي مِنَ القَبْرِ تَسْلَمُ

لِتُصْبِحَ فِي بَعْضِ القُمَاشِ مُكَفَّنًا

وَ تُسْأَلَ: "هَلْ آمَنْتَ؟ هَلْ أَنْتَ مُسْلِمُ؟"

خُلِقْتَ مِنَ المَاءِ المَهِينِ وَ لَمْ يَكُنْ

لَدَيكَ لِسَانٌ يَغْزِلُ القَوْلَ أوْ فَمُ

خَرَجْتَ إلى الدُّنْيَا ضَعِيفًا وَ صَارِخًا

وَ قَدْ كُنْتَ لَا تَبْكِي وَ مَا كُنْتَ تَفْهَمُ

رَأَيْتَ بِعَيْنَيْكَ الحَيَاةَ وَ نُورَهَا

بُعَيْدَ شُهُورِ الحَمْلِ وَ البَطْنُ مُظْلِمُ

فَسُبْحَانَ مَنْ أَحْيَاكَ مِنْ نَفْخِ رُوحِهِ

لِيَسْرِيَ دَوْمًا فِي شَرَايِينِكَ الدَّمُ

رَوَتْكَ مَنِ الأَهْوَالُ دُسَّتْ بِصَدْرِهَا

تَخَافُ إذَا شَافَتْكَ يَوْمًا تَأَلَّمُ

حَمَاكَ هِزَبْرٌ بِالحَيَاةِ وَ كُلُّ مَا

يَذُوقُ بِذِي الدُّنْيَا مَرِيرٌ وَ عَلْقَمُ

دُعَاؤُهُمَا أَنْ صُنْهُ فِي العُمرِ رَبَّنَا

مِنَ البُؤْسِ وَ الكِبْرِ الَّذِي لَيْسَ يَرْحَمُ

وَ جَنِّبْهُ أَحْزَانَ الرَّزَايَا وَ جُرْحَهَا

فَأَنْتَ بِضُرِّ الغَيْبِ وَ السِّرِّ تَعْلَمُ

حَبَوْتَ وَ بَعْدَ الحَبْوِ قَدْ صِرْتَ رَاكِضَا

تُسَابِقُ أَتْرَابًا وَ بالفَوْزِ تَحْلُمُ

ضَحِكْتَ وَ أَسْنَانٌ بِثَغْرٍ أَبَنْتَهَا

وَ مَا كُنْتَ تَدْرِي كَيْفَ يَضْحَكُ مَبْسَمُ

لَعِبْتَ وَ سَاوَيْتَ الزُّبَيْرَ بِعَبْلَةٍ

فَمَا كُنْتَ مِنْ حُسْنِ البَرَاءَةِ تَسْأَمُ

وَ هَا أَنْتَ تُخْفِي الآنَ مَكْرًا بِطِيبَةٍ

تُعَادِي وَ تَغْتَابُ الرِّجَالَ وَ تَظْلِمُ

قَرَأْتَ وَ بَعْدَ الجَهْلِ طَاعَتْكَ أَحْرُفٌ

فَصِرْتَ تَخُطُّ القَوْلَ بِالحِبْرِ تَرْسُمُ

نَطَقْتَ بِـ(بِسْمِ اللَّهِ) مِنْ قَبْلِ مَأْكَلٍ

وَ آتَاكَ مِنْ فَضْلِ الإلَهِ المُعَلِّمُ

فَمَا قُلْتَ حَمْدًا للإلَهِ، شَكَرْتَهُ

عَلَى نِعْمَةٍ آتَاكَ فَالبَعْضُ يُحْرَمُ

وَ زَادَكَ رَبُّ الكَوْنِ بِالمَالِ رِفْعَةً

فَأَنْكَرْتَ فَضْلًا وَ الجَحُودُ سَيَسْقَمُ

بَلَغْتَ مِنَ العُمْرِ الشَّقِيِّ شَبَابَهُ

تَنَاسَيْتَ أَنَّ العَبْدَ حَتْمًا سَيَهْرَمُ

وَ رُحْتَ تُبَاهِي كُلَّ مَنْ جَارَ ضعْفُهُ

كَأَنَّكَ بِالدُّنْيَا الكَبِيرُ المُعَظَّمُ

جَعَلْتَ مِنَ الشَّيْطَانِ فِي العُمْرِ صَاحِبًا

صَدِيقًا وَ قَدْ وَاسَاكَ مَا كانَ يَزْعَمُ

سَتَصْلَى جَحِيمًا ثُمَّ تَذْرِفُ أَدْمُعًا

علَى صُحْبَةِ الخَنَّاسِ حَتْمًا سَتَنْدَمُ

قَضَيْتَ شَبَابًا فِي اللُّهِيِّ وَ لَهْوِهِ

وَ مَا مَنْ لَهَى بِاللَّهْوِ دُنْيَاهُ يَهْزِمُ

ظَنَنْتَ بِأَنْ لَا مَوْتَ يَأْتِيكَ فَجْأَةً

وَ أنْ لا بِيَوْمٍ فِي الحَيَا تَتَقَزَّمُ

بَنَيْتَ قُصُورًا لَسْتَ تَعْرِفُ عَدَّهَا

بِهَا الحُورُ أَتْرَابٌ وَ أَنْتَ المُنَعَّمُ

وَ لَكِنْ سَتَمْضِي بَعْدَ عُمْرٍ لِحُفْرَةٍ

تَضُمُّكَ كَيْ تَلْقَاكَ حُضْنًا جَهَنَّمُ

مُذِ اللَّهُ آتَاكَ الشَّبَابَ بِبَأْسِهِ

رَكَضْتَ وَرَاءَ الحُورِ مِنْهُنَّ تَغْنَمُ

فَسَمْرَاءُ عُرْبٍ أرْهَقَتْكَ بِخَانَةٍ

وَ شَقْرَاءُ غَرْبٍ تَزْدَرِيكَ وَ تُرْغِمُ

وَ أَنْتَ تَرَى فِي النَّفْسِ فَخْرًا مُزَيَّفًا

كَأَنَّكَ جَبَّارٌ وَ لَسْتَ سَتُقْصَمُ

سَتَفْقَهُ بَعْدَ المَوْتِ مَا قِيلَ سَابِقًا:

(يَمُوتُ بِدَاءِ القَلْبِ وَ العَقْلِ مُغْرَمُ)

جَمَعْتَ مِنَ المَالِ الحَرَامِ خَزَائِنًا

مُخَبَّأَةً مَا نِمْتَ وَ الكُلُّ يَحْلُمُ

تَبِيتُ عَلَى شَوْكٍ وَ خَوْفِ خَسَارَةٍ

وَ مَا قُلْتَ يَوْمًا : ذَاكَ مَالٌ مُحَرَّمُ

تَخَافُ مِنَ الحُسَّادِ حَتَّى تَسَتَّرَتْ

مَخَافَةَ أَنْ تَلْقَى عِتَابَكَ أَنْجُمُ

وَ لَكِنَّ بَعْدَ المَوْتِ مَالُكَ كُلُّهُ

أَكِيدٌ، عَلَى مَنْ خِفْتَ مِنْهُمْ يُقَسَّمُ

تَرَى الكُلَّ فِي الدُّنْيَا فُتَاتَ حِجَارَةٍ

كَأَنَّكَ فِي بُرْجٍ وَ غَيْرُكَ سُلَّمُ

عَلَوْتَ بِكِبْرٍ قُلْتَ : نَفْسِي كَرِيمَةٌ

وَ مَا الغَيْرُ فِي هَذِي الحَيَاةِ مُكَرَّمُ

وَ صَوْتُكَ مُذْ قُلْتَ الكَلَامَ مُدَثَّرٌ

إلَى حِينِ إقْبَارٍ سَتَبْقَى تُجَمْجِمُ

تَرَيَّثْ فَمَا دَامَتْ عَلَيْنَا وَ أَهْلِنَا

سَتُدْرِكُ هَذَا القَوْلَ يَوْمًا وَ تَفْهَمُ

بِعُمْرِكَ لَمْ تَسْجدْ وَ قَلْبُكَ مُؤْمِنٌ

كَأَنَّكَ مِنْ مُرِّ العَذَابِ سَتُعْصَمُ

تَظُنُّ صَلَاةً بِالرِّيَاءِ مَفَازَةً

مَكَانُكَ فِي صَفِّ الكِرَامِ مُرَقَّمُ

تُجَادِلُ فِي دِينِ الإلَهِ جَهَالَةً

وَ تُفْتِي بِلَا عِلْمٍ كَأَنَّكَ أَعْلَمُ

تُصَلِّي أَمَامَ الجَمْعِ صُبْحًا وَ مَغْرِبًا

وَ لَوْ نَابَ عَنْ حُسْنِ الوُضُوءِ التَّيَمُّمُ

أَلَا إنَّ دِينَ اللَّهِ دِينُ نَصِيحَةٍ

فَنَاصِحُ خَلْقِ اللَّهِ بِالنُّصْحِ يَسْلَمُ

وَ إسْلَامُنَا لِينٌ وَدِينُ تَعَامُلٍ

يُكَمِّلُ أَخْلاقًا وَ بِالعَدْلِ يَحْكُمُ

وَ لَكِنَّكَ اخْتَرْتَ المَظَاهِرَ مِنْهُ كَيْ

يُقَالَ : لَقَدْ فَازَ الكَرِيمُ المُكَرَّمُ

تَجَاهَلْتَ لُبَّ الدِّينِ فاظْفَرْ بِذُلِّهِ

وَ عِشْ لَاهِثًا فَالذُّلُّ لِلجَهْلِ مَحْرَمُ

دَخَلْتَ بُيُوتَ اللَّهِ وَ العَيْنُ هَمُّهَا

تَتَبُّعُ عَوْرَاتِ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا

كَأَنَّكَ فِي جَمْعِ الرِّجَالِ مُنَزَّهٌ

أَوَ أَنَّكَ لَمْ تُخْطِئ فَأَنْتَ المُكَلِّمُ

وَ أَرْهَقْتَهُمْ حَتَّى رَأَوْكَ كَبِيرَهُمْ

أُمُورَهُمُ وَلَّوْكَ عَلَّكَ تُكْرِمُ

فَأَرْهَقْتَهُمْ كِبْرًا وَ كُلُّ مُكَابِرٍ

سَيَبْقَى شَقِيًّا فِي الحَيَاةِ فَيَسْأَمُ

حَجَجْتَ بِلَا زَادٍ وَ مَا الزَّادُ صُرَّةٌ

بَلِ الزَّادُ خَيْرُ الفِعْلِ إنْ كُنتَ تَعْلَمُ

وَ طُفْتَ بِبَيْتِ اللَّهِ سَبْعًا مُبَاهِيًا

تُصَوِّرُ أَفْعَالًا وَ قَلْبُكَ مُعْتِمُ

تَقُولُ إلَهِي سَوْفَ يَغْفِرُ زَلَّتِي

وَ رُحْتَ هَدَايَا (الصِّينِ) حِينًا تُلَمْلِمُ

سرَقْتَ قنَانَ المَاءِ ثمَّ مَلَأْتَهَا

فَهَلْ يَغْسِلُ الآثَامَ يَا عَبدُ زَمْزَمُ!

تُدَثِّرُ جَهْلًا وَ الجَهَالَةٌ صُورَةٌ

عَلَى وَجْهِكَ المَطْبُوعِ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ

تُنَافِقُ قَوْمًا كَيْ تَنَالَ مَآرِبًا

فَصَحْبُكَ فِي الدُّنْيَا النَّفِيسُ العَرَمْرَمُ

تُسَلِّمُ مَا فِي العَبْدِ رُمْتَ مَصَالِحًا

وَ لَسْتَ عَلَى مَنْ قَلَّ مَالًا تُسَلِّمُ

وَ يَا لَيْتَ مَنْ حَابَيْتَ يُوتِيكَ مَالَهُ

فَشِحِّيحُ نَفْسٍ لَيْسَ مَالًا يُقَدِّمُ

أَلَا إنَّ هَذِي الدَّار دَارُ تَفَاخُرٍ

وَ كُلٌّ بِهَا رَغْمَ الشَّقَاءِ مُتَيَّمُ

بِهَا العَبْدُ خَلْفَ الجَاهِ وَ المَالِ راكِضٌ

كَأَنَّ بِهَا فَوْزُ العِبَادِ هْوَ دِرْهَمُ

تَعِيشُ لَهَا دَوْمًا كَأَنَّكَ خَالِدٌ

وَ لَسْتَ عَلَى نِسْيَانِ أُخْرَاكَ تُؤْثَمُ

سَتَفْهَمُ مَا سَاوَتْ حَيَاتُكَ حِينَمَا

سِفَارُكَ بَعْدَ العَيْشِ بِالدَّفْنِ يُخْتَمُ

تُعَانِدُ مَنْ بِالمُوبِقَاتِ تَمَسَّكُوا،

تَرُومُ العُلَا دَوْمًا كَأَنَّكَ هَيْثَمُ

وَ تَحْسَبُ أَنَّ النَّسْرَ إنْ طَارَ عَالِيًا

فَمَا صَدْرُهُ بَعْدَ العُلُوِّ سَيُرْجَمُ

بَهَذِي الحَيَا تحْيَا النُّسُورُ كَأَنَّهَا

مُلُوكٌ وَ لِكِنْ بَعْدَ كِبْرٍ سَتَسْقَمُ

فَتَهْوِي عَلَى الأَرْضِ انْتِحَارًا مُعَجَّلًا

وَ تَضْرِبُ صَخْرًا بِالرُّؤُوسِ وَ تَرْطمُ

سَتَنْكِحُ مَثْنَى أَوْ ثُلَاثًا مِنَ النِّسَا

وَ أَيْضًا رُبَاعًا ثُمَّ زَوْجَكَ تَظْلِمُ

وَ تُنْجِبُ مِنْهُنَّ البَنِينَ مَجَامِعًا

تُبَاهِي بِهِمْ قَوْمًا عَلَيْكَ تَقَدَّمُوا

تُعَلِّمُهُمْ ظُلْمَ النِّسَاءِ وَ لَا تَرَى

بِأَنَّكَ مِنْ أُمٍّ أَتَيْتَ وَ تَنْقمُ

وَ تَنْسَى بِأَنَّ العَدْلَ أَصْلُ مَفَازَةٍ

فَنَلْ مِنْ بَنِينِ الصُلْبِ مَا قَدْ تَعَلَّمُوا

سَتُنْكِرُ صَحْبًا ثُمَّ تَمْحُو خِصَالَهُ

لِتَذْكُرَ فِيهِ السُوءَ بِالقَوْلِ: (أَرْقَمُ)

فَتَغْتَابُهُ حَتَّى تَرَاهُ مُهَدَّمًا

وَ لَيْسَ غِزَارٌ صُلْبَ صَخْرٍ سَيَهْدِمُ

أَمَا كُنْتَ فِي يَوْمٍ تُرِيدُ فَنَاءَهُ؟

وَ كُنْتَ عَلَى تَقْطِيعِ جَنْبَيْهِ تُقْسِمُ؟

سَتَبْقَى وَحِيدًا تَنْدُبُ الحَظَّ بَاكِيًا

فَمَوْتٌ بِأَصْحَابٍ مِنَ العَيشِ أَرْحَمُ

سِفَارُكَ فِي الدُّنْيَا كَعَيْشِ دَقِيقَةٍ

ثَلَاثُونَ قَدْ تَمْضِي وَ لَسْتَ سَتَعْلَمُ

وَ فِي نِصْفِهَا رَكْضٌ، مَنَامٌ وَ حِيرَةٌ

فَهَلْ أَنتَ مِنْ بَاقِي الثَّوَانِي سَتَغْنَمُ؟

تَرَيَّثْ فَإنَّ النَّائِبَاتِ كَثِيرَةٌ

وَ إنَّ بَنَاتَ القَلْبِ ظَهْرَكَ تَقْصِمُ

حَنَانَيْكَ! جُدْ بِالوَصْلِ بَعْدَ قَطِيعَةٍ

لَعَلَّكَ مِنْ نَارِ العَذَابِ سَتَسْلَمُ.

بِهَذِي الحَيَا مَا دَامَ عَبْدٌ بِمَرْكَزٍ

وَ لَا دَامَ عَرْشٌ للسَلَاطِينِ أَوْ هُمُ

سَلِ الوَقْتَ وَ التَّارِيخَ عَنْهُمْ وَ جَاهِهِمْ

وَ عَنْ بَأْسِهِمْ، حَتَّى عَلَى المَوْتِ أَقْدَمُوا

أَثَاررُوا حُرُوبًا بِانتِكَاسَةِ إصْبَعٍ

وَ لَيْتَ حُرُوبَ المُلْكِ بِالنَّيْلِ تُحْسَمُ

وَ لَكِنَّهُمْ حِينَ المَنِيَّةِ أَدْرَكُوا

بِأَنَّ هِزَبْرًا لَا مَحَالَةَ يُعْدَمُ

سَلِ الدَّهْرَ عَنْ نَمْرُودِ قْوْمٍ وَ رَأْسِهِ

وَ قَارُونَ مَنْ مِنْ مَالِهِ لَيْسَ يُخْصَمُ

وَ سَلْ مِصْرَ عَنْ فِرْعَوْنَ أَوْ جَيْشِهِ الَّذِي

قَضَى نَحْبَهُ بِالبَحْرِ وَ المَوْجُ يَلْطمُ

كَذَلِكَ أَمْثَالٌ بَقُرْآنِ رَبِّنَا

تُرِيكَ رِجَالًا بَعْدَ بَأْسٍ تَأَلَّمُوا

دَوَامٌ لِحَالٍ مِنْ مُحَالٍ وَ إنَّهُ

صُخُورٌ بِأَرْضِ اللَّهِ بِالمَاءِ تُهْضَمُ

أَلَا إنَّنَا بَعْضُ التُّرَابِ وَ إنَّنَا

نَمُوتُ وَ يَبْقَى الغَيْرُ بِالمَالِ يَنْعَمُ

وَ مَهْمَا بَلَغْنَا مِنْ مَرَاتِبِ عِزَّةٍ

سَنَمْضِي وَ نُنْسَى ثُمَّ فِي الأرْضِ نُهْثَمُ

سَنَحْظَى بِشِبْرٍ بَعْدَ هِكْتَارِ تُرْبَةٍ

وَ مِنْ كُلِّ أَمْلَاكِ الدُّنَا الشِّبْرُ أَدْوَمُ

فَلَا مَالَ حِينَ المَوْتِ يَشْرِي حَيَاتَنَا

وَ إنْ قِيلَ "هَاتُوهُ" المَمَاةُ مُحَتَّمُ

أَيَا مَنْ تَرَى لَعْقَ النِّعَالِ مَفَازَةً

سَتُدْرِكُ أَنَّ الفَوْزَ بِاللَّعْقِ عَلْقَمُ

فَمَنْ كُنْتَ تَهْوَاهُ وَ تَلْعَقُ نَعْلَهُ

يَرَاكَ ذَلُولًا وَ الذَّلُولُ مُقَزَّمُ

سَتَبْدُو وَ تَعْلُو ثُمَّ تَبْلُغُ ذِي السَّمَا

فَعَنْ طِيبِ أَخْلَاقٍ بِكِبْرٍ سَتُحْجِمُ

وَ لَكِنْ سَتَبْقَى رَغْمَ عِزٍّ وَ رِفْعَةٍ

عَلَى اللَّعْقِ مَجْبُولًا لِأَنَّكَ مُجْرِمُ

تَرَى الكُلَّ مِنْ بُرْجِ التَّعَالِي وَ لَا تَرَى

سَمَاءً بِهَا شَمْسٌ وَ بَدْرٌ وَ أَنْجُمُ

تَلَظَّى كَنَارٍ فِي جِدَالِ تَفَاهَةٍ

وَ تُبْدِي كُسُورَ الغَيْرِ عَلَّكَ تَغْنَمُ

تَذُّمُّ وَ مَا ثَغْرٌ بِوَجْهِكَ مَادِحٌ

فَأَنْتَ عَلَى هَدْمِ الحُصُونِ لَمُرْغَمُ

فَإنْ بَانَ حِصْنٌ صِرْتَ أَنْتَ مُهَدَّمًا

وَ مَا عَاشَ فِي بُرْجِ النُّجُومِ المُهَدَّمُ

تَمُرُّ سُنُونُ العُمْرِ عَجْلَى كَأَنَّهَا

الرياح وتَنسَاهَا كأَنْ كُنْتَ تَحْلُمُ

كَأَنَّكَ لَمْ تَعْرِفْ خَلِيلًا وَلَا هَوًى

وَلَمْ تَكُ مِغْوارًا بِكَفِّكَ هَيْثَمُ

حُسَامُكَ لَا يَقْوَى علَى شَطْرِ نَمْلَةٍ

وَقَدْ كَانَ فِي الهَوْجَا يُبَارِي وَيَهجُمُ

وَأَنْتَ بِلَا حَوْلٍ تُعَانِدُ نَصْلَهُ

وَليسَ حُسَامٌ فِي المَشِيبِ سَيَرْحَمُ

تَرَاكَ عُيُونُ الكُلِّ صَخْرًا وَأَنْتَ لَا

تَرَاكَ كَأَنْ مَا كُنْتَ حَيًّا وَتَنْعَمُ

وَتُؤْمِنُ بِالآمَالِ رَغْمَ غِيَابِهَا

فَلَا غَرْوَ مِنْهَا بَعْدَ حُزْنٍ سَتَغْنَمُ

تُعَانِدُكَ الدُّنْيَا فَلَسْتَ تُطِيعُهَا

لِأَنَّكَ لَمْ تَفْهَمْ وَمنْ سَوْفَ يَفْهَمُ؟

لِتَمْضِيَ مَنْسِيًّا كَصَرْخَةِ شَاعِرٍ

غَرِيبًا وَيَبْقَى الشِّعْرُ إيَّاكَ يَظْلِمُ

حَنَانَيْكَ قُلْ لِي هَلْ مَلَأْتَ قُلُوبَهُمْ

بِحُبٍّ وَمِنْكَ الحُبُّ قَدْ كادَ يَسْقَمُ

أَتُبْدِي لَهُمْ صَخْرًا وَقَلْبُكَ لَمْ يَعُدْ

كَمَا كانَ فِي البَأسِ الجُيُوشَ يُعَلِّمُ

بِشِعْرِكَ لَمْ تَبْخَلْ وَزِدْتَ تَوَاضُعًا

فَمَا فَادَ إيثارٌ وَما فَادَ مُعْجَمُ

لِأَنَّهُمُ كَالنَّائِبَاتِ هَجَمْنَ إنْ

هَوَى السَّبْعُ مَصْرُوعًا وَرَبُّكَ يَرْحَمُ

أَلَا إنَّ فِي الدُّنْيَا الهِزَبْرُ مُبَجَّلٌ

وَلَكِنَّهُ بَيْنَ الضِّبَاعِ سَيُهْزَمُ

وَمَا دَامَ حِينَ البَأسِ يُبْرِزُ نَابَهُ

سَيَبْقَى زَعِيمًا وَهْوَ سَبْعٌ وَجُلْهُمُ

فَإنْ سَقَطَتْ أَنْيَابُهُ لَمْ يَعُدْ لَهُ

خَلِيلٌ وَلَا خِلٌّ يُوَاسِي وَيُلْهِمُ

وَإنْ زَأَرَ انقضَّتْ عَلَيهِ الضِّبَاعُ إذْ

أدَارَ لَهُ ظَهْرًا ذَكِيٌّ وَأَيْهَمُ

كَأُنثَى لَنَا تُبْدِي الحَيَاةُ جَمَالَهَا

جَلِيًّا وَخَلْفَ الحُسْنِ مُرٌّ وَعَلْقَمُ

نَرَاهَا بِلَا عَيْبٍ وَراءَ سِتَارِهَا

عُيُوبٌ وَلَكِنَّا حَوَانَا التَّوَهُّمُ

نُبَجِّلُهَا وَالكُلُّ للجَاهِ عَابِدٌ

عَلَى الفَوْزِ أَدْنَانَا بِعَزْمٍ مُصَمِّمُ

وَلَكِنْ سَنَمْضِي كُلُّنَا بَعْدَ رَكْضِنَا

فَمَا فَادَ رَكْضٌ طَالَ أَوْ فَادَ مَعْزَمُ

تُقَابِلُ فِي الدُّنيَا أُنَاسًا تُحِبُّهُمْ

وَتَحْسَبُ أَنْ لَا حُزْنَ يَأْتِيكَ مِنْهُمُ

تَعِيشُ لَهُمْ عُمْرًا، وَتَحْيَا لِأَجْلِهِمْ

وَتَشْقَى لدَفْعِ البُؤْسِ فِي العُمْرِ عَنْهُمُ

تَمُوتُ وَتُعْطِيهِمْ حَيَاتَكَ كُلَّهَا

وَلَوْ مِتَّ يَوْمَ الوَضْعِ حَتَّى يُنَعَّمُوا

وَلَكِنَّهُمْ يَمْضُونَ دَوْمًا وَلَنْ ترَى

مِنَ القَوْمِ مَنْ يُبْدِي الهَوَى وَ يُسَلِّمُ

تُرِيدُكَ قُطْعَانُ السَّعَادينِ قِرْدَهَا

فَأَنْتَ مِنَ السَّعْدَانِ فِي العَيْشِ أَفْهَمُ

إذَا مَدْحَهَا أَتْقَنْتَ صِرْتَ مُبَجَّلًا

وَلَكِنْ إذَا جَادَلْتَ، مَا أَنْتَ تَعْلَمُ

أَلَمْ تَدْرِ أَنَّ العَيْشَ فَنُّ تَمَلُّقٍ

وَلَمْ تَدْرِ أَنَّ الجَاهَ "ثَغْرٌ وَمَبْسَمُ"؟

يَعِشْ مَنْ يُنَافِقْ، لَيْسَ يَحْيَا مُرَابِطٌ

عَنِ الحَقٍّ فِي دُنْيَا الضِّبَاعِ، مُتَيَّمُ

سَتَبْقَى عَلَى جَمْرٍ تَقَلَّبُ دَائِمًا

وَتَحْيَا غَرِيبًا رَغْمَ أَنَّكَ مِنْهُمُ

تَقُولُ لَهُمْ شِعْرًا وَ حَتَّى وَلَوْ وَعوا

يَقُولُونَ: لَمْ نَفْهَمْ فَذَا الشِّعْرُ مُبْهَمُ

سَتَعْرِفُ أَنَّ الخَيْرَ فِي غَيرِ آلِهِ

كَورْدٍ بِلَا رِيحٍ وَمَا كُنْتَ تَعْلَمُ

وَمَهْمَا تَقُلْ لَنْ يَرْفَعُوكَ لِأَنَّهُمْ

يَخَافُونَ أَنْ تُبْدِي سَمَاءَكَ أَنْجُمُ

سَتَبْكِي حَبِيبًا كُنْتَ تَهْوَاهُ عَاشِقًا

فُؤَادُكَ لَمْ تَرْحَمْهُ وَهْوَ مُحَطَّمُ

بَقيتَ علَى العَهدِ الَّذِي قَدْ قَطَعْتَهُ

قَوَاعِدَهُ تَبْنِي وَغَيْرُكَ يَهْدِمُ

مَلَأْتَ بِحُبٍّ جَوفَ قَلْبٍ فَتَحْتَهُ

لِخِلٍّ وَلَمْ تَخْجَلْ فَمَا ذَاكَ مَأْثَمُ

فَصِرْتَ كَمَنبُوذٍ بِدَارِ الحَبِيبِ إذْ

مَنِ الحُبُّ أَرْدَاهُ بِذَا العَصْرِ مُجْرِمُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن فريد مرازقة الجزائري

فريد مرازقة الجزائري

63

قصيدة

الشاعر فريد مرازقة الجزائري شاعر عمود بالعربية الفصحى.

المزيد عن فريد مرازقة الجزائري

أضف شرح او معلومة