أشتاقُكَ لو...لو تجني شوقي بالحرمانِ
كما يجني الرُّوحَ الغرقُ
حُبُّكَ مَوْتٌ مجنونٌ و رحيمٌ
كالدَّمعِ يسيلُ و ينهارُ الحدقُ
كانَ الحُبُّ يذوبُ بهِ في جسدي الرَّمقُ[1]
كلُّ الأعذارِ لقتلي تُخلتقُ
من يهوى ليسَ له غير الأعذارِ
فلولا العذر سيَحترقُ
لولا الأشواقُ بأدمعنا
لولاها قد...قد نفترقُ !
أشتاقُكَ يا غرقي
يا مَنْ علَّمْتَ فؤادي كيفَ يموتُ
و كَيفَ يذوقُ بكَ الغرقَا
أنا موسى في يمِّ حبيبي
أتصاحبُ بالأمواجِ و سحرُ الشوقِ
يفوحُ بنا عبقَا
و العرقُ السَّاري منكَ عطورٌ ، جنَّاتُ طيوبِ
يا مَنْ أدمنتُ بهِ الكُفْرَا
و عرفتُ على يدِهِ السِّحرَا
حُبُّكَ سحرٌ علَّمَ الشَّجرا
كَيف الحُبّ معَ الأمطارِ
و سحَرتَ فؤادي هاج بنفسي إعصاري
و زرعتَ حقولًا من نارِ
كحُفاةٍ فوقَ المسمارِ
يا من علَّمتَ الدُّنيا كيف تُحبُّكَ بعدي
داوِ فؤادي أمْ ما للمُلحدِ تَوْبَهْ ؟
مزِّقْ عيني و ضياءًا يغزلُ من حزني ثوْبَهْ
مزِّقْ وصلًا ليس لهُ تمزيقُ
أدرِكْني من غرقي يا وحي الأسرارِ
هل يدرُكِ شهدَ الأشواقِ غريقُ ؟
كلَّا ، كلَّا ، كلَّا
لو تعلمُ ما تعلمُ رُوحي
لقضَيْتَ هوانا تمشي بينَ الأمواجِ ليالٍ
تهذي بالتَّسبيحِ
يا أغلى ملكوتٍ يا أطهرَ من علَّمني الحُبَّ
و في أشواقي حصدَ الأمجادَا
و ذبحتَ جروحي و جدَّدتَ جروحي
و جرحتَ الأبعادَا
و خلقتَ من الرَّيحانِ لنا و الوردةِ ميعادَا
يا من إذْ يضحكُ تُسقطُ أمطارٌ من ياقوتِ
تكبتُ روحي موتًا
أمَّا حُبُّكَ غير مكْبُوتِ
يا ليتَكَ أغرقتَ شجوني بدمائي
يا قاتلُ أحيَيَتَ قتيلةَ عشقٍ في
دمِها يَسْري
أنتَ المركبُ و فمي البحرُ
لو كنتُ عرفتُ مُكابدتي
أحببتُكَ من قبل لقاكِ حبيبي
لكنَّ لنا قدرًا و الموتُ هو القدرُ
أرقص في خُصْلاتِي
بعثر فوق جبيني آلافَ النَّجماتِ
قُل ( يا أمِّي )
لم يجمعْنا الحُبُّ سوى أمٍّ و وليدِ
لو...لو... أنَّ الموتَ جميلٌ
كيفَ إذا في أحضانِكَ أنتحرُ ؟
قد علَّمتَ الأحزانَ بأن تغدو أنثى
إنِّي بغرامِكَ قد أمسيتُ هوًى أنثى
يا رجُلًا في هيئةِ أنثى
يا مُلهِمَ رُوحي التَّسْهِيدُ
خجلي الكَرمُ و وجَناتي العنقُودُ
يا من يغزلُ من رمشِهِ أثوابي
و يراني عاريَةً حينَ فؤادي
يتَجرَّدُ من ثوبِ عَذابي
خصري شمسٌ
هل أبصرتَ الشَّمسَ على خصرِ مُدلَّلةٍ
و صبابةِ عاشقةٍ ؟
هل أبصرتَ الشَّمسَ تميلُ عليْكَ دلالَا ؟
جاوبْ....أو لا ، لا ، لا
يكفي زندُكِ بالهمسِ يُطوِّقني
بمنامٍ يا...يا مَنْ إذْ لم أرَهُ صحوًا
ألقاهُ في نومي طيْفَا
يا مَنْ أغرقُ فيهِ و يجري في شرياني نزفَا
كُنْ سيفًا في جسدي
جسدي الغِمْدُ !!
رُوحي الوَجدُ !!
كُنْ يا قدري في الحُبِّ أبي
كُنْ شيئًا يا مَنْ يدعُوني
للكُفرِ و للتَّوْحيدْ
حُبُّكَ خارطةٌ مِنْ تينِ
تتناقضُ بها طُرقاتُ الأحزانِ
و دروب الوُديانِ
و عيوني و خطُوط بناني
كُنْ أوْ لا تكُ يا أشيائي
يا غرقًا يُفْني صحراءَ العُشَّاقِ
و يُفْنيني بالطُّوفانِ
ينبعُ من نيرانِي
حُبُّكَ مُعجزةٌ لا تأتي دومًا
آهٍ مِنْ روعةِ أقداري
حُبُّكَ لم يكُ في حُسباني
جئتَ فعرفتُ هواكَ حنانًا
يا حَبَّ الرُّمَّانِ
يا نُعمى الأزمانِ
يا غرقًا جاءَ بهيئةِ إنسانِ
يا مَنْ ذابَ عقيقُ الفجرِ على شفَّتِهِ سُكَّرْ
إنِّي من دُونِ لقاكَ أحبُّكَ يا جاهلَ موتي
كَمْ...كَمْ حينَ أراكَ أذُوبُ بحُبِّكَ أكثرْ
عنِّفْني لا حُبَّ بدونِ عتابٍ أو تعنيفِ
لطِّفْني لا حُبَّ بدونِ دلالٍ أو تلطيفِ
كُلُّ الأشياءِ بحبِّكَ جائزةٌ
فالوجدُ أنا و العطرُ أنا
و الرُّوحُ أنا و الجُسمُ أنا
و الصبحُ أنا و الليلُ أنا
و الحضنُ أنا و النومُ أنا
و العيشُ أنا و الموتُ أنا
و الأمُّ أنا و الطِّفلُ حبيبي
الحُبُّ لنا
كيفَ إذن يا طفلي
لا نضعُ بهذا الحُبِّ شريعتَنا
يا من يغفو في ليلِ ضفيرةِ شَعري كفراشَهْ
و النَّجمُ السَّاري يترُكُ في الغيمِ فِراشَهْ
كيْ يغفو في كَفِّي أو في مُقلي
نعشقُ من دُونَ الموتِ و نحترقُ
ما العشقُ إذا لم يحلُ به الغرقُ ؟؟
[1] الرمق : ما تبقى من الروح
79
قصيدة