الديوان » باسل الحجاج » رحلت سعاد

لم التوهج يا شقيقات الثريا؟ يا سبعاً أوقدن قناديل السهاد!

رحلت سعاد عن البلاد! ما ودعتني حِنثًا بالوعدِ والميعاد

هجرت حمائم شرفتها واستوطنت أرض الغروب والبعاد

ولو كان حبل الوصل من مسد لما أجدى ولما أفاد!

جفت عيون الماء العذبِ وشحَّ الصبحُ حتى بقطرات الندى

والغرباءُ عادوا إلى أوطانهم بما سرقوا من رجعِ الصدى

وتساقطت بتلات عمري، مثل ذرات الغبارِ، على درب المدى

تجمعها مكانسُ الساحراتِ جراراً؛ ما أعدت لجنائزِ الحداد!

ومرت السنونُ قطاراتٍ أتخلَّفُ عن ركبها رغم تثاؤبِ الآماد

تاللهِ إن العشق أبرحني، أذاب سنين عمري... أذابني،

وليس ببارح عني؛ وما همّني، ألا إنَّ كلَّ الأعمار سدى!

وما جدوى الحياة لو كفّ كسير الفؤاد، عن انتظاركِ يا سعاد!

قمر تآكل في عيون الليل وماتت أمام المقلِ أمواجٌ من العباد

القرية الصغيرة أمست مدينة تغرّبني، وما آبت للحيّ سعاد!

وتدفقت من خلف أسوار الصين البضائع مثل أسراب الجراد  

واستيقظت جثث الحكايا تذرع الأرض لتحكي عن قوم عاد

 

ولبثتُ وحدي وفيَّا للهوى والتشيؤُ يغزو من الأزقةِ كلَّ فؤاد

والحالمون تخلَّوا عن براءة أحلامهم ليسكنوا إرم ذات العماد!

والكائنات المجنحة جزَّت قوادم ريشها مرتضيةً رحم الوهاد

قد قيل لي عجبا أوّما برئت من طول النوى؛ أيا ذبيح السهاد؟!

شهيدٌ وقاتلي عشقٌ ذوى، تحلل جثمانهُ على رؤوس الأشهاد

ما من أغنيةٍ سوى أصداء أغنيتي، عن فتاةٍ اسمها سعاد

تنسلُّ مثل لحن قديم، لمن أصاخ السمع ملياً ساعة الميلاد

تذروها الريحُ على نوافذ النيام، همساً حزيناً مائي الإنشاد

***

"يا قمر الليل رحلت حبيبتي؛ أمست سراباً كان اسمهُ سعاد!

كَنزت القلبَ في حقائب السفر، وما اكترثت بأنَّ الوزن زاد!

سافرت بعيداً، لست أدري أين أناخت رحلها من أديم المِهَاد

على أيّ أرضٍ حلت وفي أي وادٍ أقامت، وأين تلك البلاد؟!

يا قمر الليل رحلت درّاقتي في إبَّان الصبا واغتم نبض الفؤاد، 

ولن تعود إلى خرائب قصتي العجوزة، رغم إصراري والعناد

لقد أضعتها للأبد، وتلاشى صوتها وراء ما في الكون من امتداد

هل يا ترى اكتشفت ممالك الجنّ وأمست أميرةً عصفورتي سعاد؟!

يا قمر الليل رحلت فراشتي؛ لن تنثر عطرها على قطن المخادّ؟!

تجوب الفيافي والبحار حالمةً بسراب الانعتاقِ كأنها شبح السندباد  

وإذا برجلٍ مريبٍ يحصد حبها؛ يحتسي رحيقها على خير زاد

يسقى من عصارة نهدها خمرًا في حانة الليل على انفراد!

يا قمر الليل رحلت فتاتي تبحث عن نفسها في عالم موبوء بالفساد 

هجرت سعادُ العين دهرا، حتى ابيضت من الدمع وانمحى منها السواد

وإني لأرثيها وقد كسرت ضميري تدوسه ُ بأحصنة التجافي والحياد؟! 

لا تضمر رجعة ومن طول غيبتها، خطت لها المراثي أعين الحساد!

يا قمر الليل رحلت حبيبتي؛ حملت بين يديها ظلال الأعياد

قد كان حزني عميقاً ينافي سعادة قلبها ولا يجتمع الأضداد

سعاد؛ اسمها الأسطوري محفورٌ على الروح مثل الأصفاد

من ينقش على جدار العشقِ من بعدي قلباً بطانتهُ: سعاد!"

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن باسل الحجاج

باسل الحجاج

62

قصيدة

شاعر من المملكة العربية السعودية. صدرت له مجموعة شعرية بعنوان "النهر والغريب ومرثية الأقمار المتساقطة"

المزيد عن باسل الحجاج

أضف شرح او معلومة