الديوان » مظهر عاصف » رفاتُ بيل

سرَّحتُ شَعري
كان شَعري أسودًا
غضًّا تبعثرُهُ الحُقولْ
ونَقرتُ تابوتَ الظّلامِ
لتبزُغَ الأنوارُ فيهْ
حاولتُ أن أمضي
فلم يمضِ المضيُّ
ولا استحثَّ العجزَ في روحي الخمولْ
أنا ضدُّ أن أبقى
ولكنّي إلى ضدِّي أميلْ
قل للمسافرِ: قد خسِرتَ مقامراتِ الصّبرِ
في وكرِ العِنادْ
واستنزفَ القحلُ الحياةَ
ومصَّ وقتَيها الِبعادْ
ليلٌ يجبُّ اللّيلَ
ثم يجبُّ أمتارَ البلادْ
رجلٌ عجوزٌ يحملُ الدّنيا
يمرُّ أمامَنا
لا أمَّ لهْ
رجلٌ عجوز يَختِمُ الأوراقَ
قبلَ وداعنا
لا أمَّ لهْ
وحدي ومَن رحلوا أماطوا الحزنَ
عن حزنِ بليدْ
كلُّ المراكبِ أنكَرتكَ
فلا تسلْ أخشابَها
كلُّ الحوافلِ تَوّهتْكَ
وضيّعَتْ ركَّابَها
كلُّ القطاراتِ ال تروحُ إلى البعيدْ
لا نفعَ للتّاريخِ إن كانت بدايتُه هنا
لا نفعَ للوقتِ المُكرَّرِ
إذ يجيءُ بلا جديدْ
مَن جذَّرَ الأوطانَ في أرواحِنا
مِنها هربْ
مَن كانَ يرفضُ شعوذاتِ السّحرِ
غيبَ الطّيّبينَ
البرزخَ الكونيَّ
آمنَ بالخُرافةِ والعجبْ
حدّثتكِ عن نهدِ مَن أحبُّها
إذ شاختْ العروقُ في كرومِها
لا فضلةً في النّهدِ مِن نَبيذها
ولا عنبْ
مِن روحِها تفوحُ مُنذُ نصفِ ثورةٍ
روائحُ الحريقْ
سُعالُها المَكرورُ مثلُ نشرةِ الأخبار مرهقٌ
لها وليْ
ما خبَّأت مِن وسوساتٍ
لا يروقُ للضّجرْ
لها وليْ
عجيبةٌ ألحانُها
وحيدةٌ
لا قطّةٌ تموءُ خلفَ بابها
لا ساعةٌ تقصُّ غيمةَ الجمودِ في فضائها
عميقةُ كمِحبرةْ
أثاثُها القديمُ
والبلاطُ
والسّتائرُ المُمزّقةْ
أبوابُها المُعطّلةْ
سريرُها
تلفازُها
صحونُها
والمِنفضةْ
عميقةٌ كمِحبَرةْ
عكَّازُها القصيرُ قد يخرُّ ساجدًا
وظهرُها انحناءةٌ
ما قوَّمَتْ غصونَه الجُذورْ
«ويانسُ» الصّلاةِ شعرُها
فراشُها أثوابُها
ونعلُها أقدامُها
ويجهلُ الرّصيفُ _حينما يضجُّ بانفعالهِ
من خُطوةٍ تجرُّها في البطءِ_
سرَّ تمتماتِها
ويسقطُ السّكونْ
ويُكسرُ الجمودُ
والهدوءُ
والبرودُ خلفَ بابِها
وبابُها لديكْ
يا أنتَ حينما كسرتَ حاجزَ الفضولِ
واندفعتْ
حملتَها
قفزتَ قبلَ أن تقولَ: لا عليكْ
وضعتَها أمامَهم
:مَن هذه العجوزُ؟
مَن تكونُ؟!
قال صمتُهم
لكنَّها.. وقبلَ أن تجيبَهم
وقبلَ أن يفتّشَ الفضولُ في حقيبةِ الكلامِ
عن حياتها
تبسَّمتْ
ولملمَتْ غموضَها
وغادرتْ
وغادرتْ كما يغادرُ التّرابَ
بعد موتهِ الشّجرْ
الموتُ لا سواهُ مَن يوزِّعُ البلادَ
في مداهْ
وتقفِزُ القُرى
وتهربُ البيوتُ بعدَ وثبةٍ مُميتةٍ
مِن كوَّةِ السّفرْ
ويصعَدُ الفضاءُ بعد يأسهِ
سلَالمَ القَدَرْ
سرَّحتُ شعري
كان شَعري أشيبًا
جعدًا يميلُ إلى الحياةْ
ومسحتُ وجهي مِن دموعِ صغيرتي
فرِحًا وتعلمُ أنّني إن غبتُ
رجَّعني الطّريقُ لقبلتينِ
على الجبينْ
بعضي يغادرُني
وبعضي في عناقِ الياسمينْ
كيلا أسافرَ يسرقونَ حقيبتي
وتعلّلُ الأنثى الّتي أحببتُها:
في اللّيلِ طار قميصُكَ المبلولُ
رفضًا للفِراقْ
أتوسدُ الصّفصَافَ حين يذوبُ بيْ
وتذوبُ بيْ
حتّى كراسي الحقلِ
تعلمُ ما يخبِّئهُ العِناقْ
كم لهفةٍ صُلبتْ هناكَ
وكم صَلبتُ مواجعي؟
هم يسرقونَ تذاكري
وجواربي
وأنا الّذي في الظلِّ تضحكُني الألاعيبُ الصغيرةْ
طفلينِ كنَّا ننجبُ الأطفالَ
في حُمَّى الهَجيرةْ
طفلينِ كنّا
نعشقُ الدّنيا وهذي الأرضَ
مِن قبلِ البَنادقِ
والفيالقِ
والعيونِ البَربريّةْ
أهملتُ شَعري
كان شعري أبيضًا
هشًّا
ومهترئًا
يميلُ إلى المَماتْ
السّارقون تدافعوا للطّهرِ مِن بابِ الحَرامْ
لم يحتملْ قلبُ العذارى العشقَ
في وطنِ الغرامْ
لم يحتمل صوتُ الكَنارِ القطعَ والتّشويشَ
في بثِّ الظّلامِ
وبقيتُ وحدي
والضّريبةُ من دماءِ المتعبينِ ال لم يكونوا
ذاتَ يومٍ في الأمامْ
وبقيتُ وحدي
إنّني المشدوهُ مِن نورٍ بعيدٍ في حنايا الذكرياتْ
وحدي ومَن رحلوا تِباعًا
يحملونَ المعجزاتْ
ماذا كتبتِ عن السّرائر والحروبْ؟
ماذا كتبتِ عن الضّمائرِ
حين تدخلُ كلّما احتجنا لها
فصلَ السّكوتْ؟
من قادنا لبعيدِنا.. يدري بأنّا لن نعودْ
حدَّثتكِ عنهم وقلتُ لكِ الكثيرْ
كانوا جميعا يكتبونَ النّثرَ
تحت صفيحهِمْ
رحلَ المُجيدُ
وغادرَ الدّنيا بدنياهُ الفصيحْ
رحلا
ولكن لم تزلْ
في النّثرِ طَقطَقةُ الصّفيحْ
كم مزعجٌ نثرُ الصّفيحِ على اسطواناتٍ
يرافقُ صوتَ مَن فيها التّعبْ
كم مزعجٌ والصّمتُ يبدو مزعجًا
مثلَ المسافةِ بينَ حرفينِ استُمِدَّا مِن غضبْ
فتفرَّقا يومَ استذلَّا.. للمعاني الضّائعةْ
ليلٌ يجبُّ اللّيلَ
ثمَّ يجبُّ أمتارَ البلادْ
عيناكِ تختزلانِ ضَوءَ الحرفِ
في الوقتِ القليلْ
ويداي تمسحُ عن أكاذيبِ القصائدِ طيشَها
وتصوغُ عِقدًا للرّموشِ الباسقاتِ
 إلى جهاتِ المستحيلْ
وأقولُ عنّي ما يفجِّرُ من سكوتي ألفَ صمتٍ
في العويلْ
لو كانَ هذا الصّمتُ ليْ
لو كانَ هذا الحزنُ يصلُحُ للغناءْ
لكنّه المعنى ال يضيعُ معَ الهواءِ
ومِن شفاهي
مِن حديثٍ قالَهُ وجعي
وصدَّقهُ البكاءْ
ليلٌ يجبُّ اللّيلَ
ثم يجبُّ أمتارَ البلادْ
أأنتَ ستسألْ؟
ومِن ثمَّ تسألْ؟
وتقسِمُ أنَّكَ أنتَ
وكلّ النّوافذِ
كلُّ الشّراشفِ
تعرفُ أنَّ الّذي جاءَ أنتَ
وهذا السّريرُ لتزرعَ قمحًا
على ضفّتيهِ
وهذي الشّموسُ
 ووجهٌ حنونْ
ولستَ تبرّرُ بعدَ الرّجوعِ لها ما أعاقكَ قبلَ الجنونْ
تركتَ لها أن تدورَ بكلِّ السواقي
لضخِّ الشّكوكْ
تركتَ لها ما يريدُ الخيالُ لهُ
أن يكونْ
فكانَ الضّجيجُ الّذي في السكونْ
لذا حينَ قالت لها الأرضُ كوني.. استفاقتْ
ولمَّا أرادت لها أن تشيخَ.. استدارتْ
ومرَّت عجوزٌ تبيعُ الدّقيقَ
وبعضَ الحشائشِ
كانت تبيعُ لكلِّ الجناةِ قلوبًا رقيقةْ
ولمَّا تأخَّرتِ المعجزاتُ
وبعضُ الأماني استراحتْ بقلبٍ
شوَتهُ الحروبْ
فكيفِ لأنثى ترى نفسَها بعد خمسينَ عامًا
بأن تتحدّثْ؟
وأنتَ تشاهدُ تلكَ الفروقَ
وتلكَ النّدُوبْ؟!
رأتكَ تخونُ السّريرَ بآخرْ
تخونُ اليدينِ بأيدٍ تمدُّ لها عالمَكْ
رأتكَ بطهركَ
فسقِكَ
ما كنتَ فيهِ
وما لم تكنْ
ولم تتحدّثْ
فكيف لأنثى ترى نفسَها بعد خمسينَ عامًا
بأن تتحدّثْ؟
حفرتَ الرّجوعَ ودربَ الإيابْ
حفرتَ الخيالَ بمِسمارِ روحكْ
حفرتَ بعظمكَ قبل انتحارِ الشّبابْ
هناكَ الشّموسُ ووجهٌ حنونْ
هناكَ السّريرُ لتزرعَ قمحًا
 على ضفّتيهِ
ولا زلتَ في حفرِكَ المُستَميتِ
 لذاكَ النّفقْ
أأنتَ؟ ستسألْ
ومِن ثمّ تسألْ
ومن ثمّ تبكي
وتبكي عليكَ
أأنتَ؟
وتقسمُ أنَّكَ أنتَ
وكلُّ النّوافذِ
كلُّ الشّراشفِ
تعرفُ أنَّ الذي جاءَ أنتَ
ومرَّت عجوزٌ رأتكَ قديمًا
تبيعُ الحليبَ
وبعضَ السّرابْ
تبيعُ لمن لا يعودُ الغيابْ
كما باعت الحربُ.. كلَّ المدائنِ
كلَّ القلوبِ
بسوقِ الخَرابْ
حمَلتَ الّذي كانَ منكَ وسِرتَ
حملتَ السّنينَ وما مرَّ منها
ولم تتحدثْ
أنا ضدُّ أن أمشي
وأمشي
عشرونَ عامًا في المسيرِ ولم أزلْ
في البحثِ عن منازلٍ بعيدةٍ
لا يسكنُ الشّحوبُ في فضائها
لا تسألُ الطّرَّاقَ عن أوجاعهم
وحين يرحلونَ لا تَشي بهم
وتلوحُ الصّدفةُ
تلكَ مدينةُ أشباحٍ
لا تعرفُ أوزانَ الشِّعرِ
ولا لغةَ الوردِ
ولا أنغامَ المَطرِ على الإسفلتِ.. يَئِنُّ حنينًا
قد كانت يومًا
لا يعلمُ ما كانت إلّا
مَن مرَّ عليها
قد خَبزَت يوًما للشّعراءِ الرّيحَ
الشّمسَ
وقلبًا أنهكَهُ العشقُ
وقبلةَ عاشقةٍ خجلى
في فُرنِ قصيدةْ
حين فتحتُ البابَ
وجدتكِ جالسةً في فوضى الحُجرةِ
أنتِ؟
 
أأنتِ؟
وقرصتُ يقيني
وذهولي
وفركتُ عيوني
أنتِ تمامًا!
لا يوجدُ خلفي إلّا ما ترَكَتْ أيّامي
لا يوجدُ ما أحكي عنهُ تمامًا
ممتلىءٌ ذاكَ الأمسُ وفارغْ
ممتلئٌ في صوتِ المِذياعِ
وفي صحفِ الأزياءِ
وعُنوانِ جريدةْ
ممتلئٌ منّي
إذ يسقطُ منّي.. منّي مِن بين يديّ
إذ لا يوجدُ خلفي
ما دلَّ عليّ
فالقمحُ النّابتُ في صوتي
ما دلَّ عليّ
والبحرُ الجالسُ في عيني
ما دلَّ عليّ
كلُّ هذا اليأسِ يأخذُني
ويدفعُني إليّ
كلُّ هذا الحزنِ يذبحُني
ولا يَقضي عليّ
حينَ يسقطُ منّي.. منّي
مِن بين يديّ
إنَّه قلبي كمَا حظّي شقيّ
ماذا كتبتِ عن السّرائر والحروبْ؟
ماذا كتبتِ عن الضّمائرِ
حين تدخلُ كلّما احتجنا لها
فصلَ السّكوتْ؟
ليلٌ يجبُّ اللّيلَ
ثمَّ يجبُّ أمتارَ البلادْ
خلفي المدائنُ حين لم يبقَ هناكَ
 سوى الجمادْ
أنا ضدُّ أن أمشي
وأمشي
عشرونَ عامًا أحملُ الدّنيا على ظهري
وأمشي
أحملُ الجبلَ المسمّى الشِّعرَ في صدري
وأمشي
أقلعُ الشّوكاتِ مِن صوتي
ومِن ظلِّي
وأمشي
عشرونَ عامًا
والطّريقُ إليَّ يبدأ بانتهائي
أنا ضدُّ أن أمضي
ولكنِّي.. إلى ضدّي أسيرْ
قلتُ اتبعيني كي أراني ضاحكًا
وأدرتُ ظهري ضاربًا حدَسي بشكِّ الموجِعاتْ
فَلتطعَنيهِ كما طُعِنتُ مِن القلوبِ الصادقاتْ
إنَّا امتلكنا كلَّ أسبابِ القطيعةِ
والملامةْ
لم تبتسمْ في مسرحِ التّهريجِ
والتّمثيلِ رغمِ أدائنا
منّا ابتسامةْ
إنّي حملتُ لكِ الورودَ
كما حملتُ سنابلي
قد خِفتُ مِن حملي لقلبي
ليسَ لُغمًا
كي تفجِّرَهُ الشّرايينُ ال تكدسُّها المصائبْ
ليسَ قبرًا
كي أنبِّشَ عن عظامِ الميّتينِ
ولا شواهدْ
ليسَ صُندوقَ العجائبْ
في دوائرهِ الزّوايا المُغلَقاتْ
كلُّ الغصونِ بلا ثمارٍ
أو جُذورٍ
أو ورقْ
وأسمِّدُ المعنى بيأسِ الحالمينَ اللا يرونَ غدًا
لحاضرِهم وليْ
معجونةٌ روحي بخوف المُرهقينَ مِن الأرقْ
مدموجةٌ باللّيلِ
لا قمرٌ يُطلُّ على النّوافذِ
إن فتحتُ نوافذي
أنا عكسُ ما أمضي إليه
أنا ضدُّ هرولتي
لأقبضَ ما أردتْ
تتنافرُ النّقطُ السّريعةُ
والمحطّاتُ الّتي
ولدَت مِن الأشباهِ أشباهًا معي
روحي بعكسِ توجُّهي
لا ردةٌ للفعلِ في هذا الفضاء
ليلٌ يجبُّ اللّيلَ
ثمَّ يجبُّ أمتارَ البلادْ
إن الشّواطئ والقواربَ
لا تُشابِهُ ما رأينا مِن مُحيطْ
مَن قادَنا لبعيدِنا يدري بأنَّا لن نعودْ
تمضي بنا
رجلٌ عجوزٌ يحمِلُ الدّنيا
يمرُّ أمامَنا
لا أمَّ لهْ
رجلٌ عجوزٌ يختِمُ الأوراقَ قبلَ وداعِنا
لا أمّ لهْ
رجلٌ عجوزٌ يُشبهُ الوطنَ الّذي
تركَ العجائزَ ذاتِ يومِ في الرّحيل
لا أمَّ لهْ
قالوا بأنَّ القبرَ رغمَ طفولةِ الأزهارِ
رغمَ الشّاهدِ المَخطوطِ في خطٍّ أنيقْ
ما داسَ تربتَه أحدْ
تمضي بنا
تمضي وتتركُ كلَّ قلبٍ كان فيها
كي تعودْ
كلُّ الأمام _وما مشَتْ تغتالهُ في الرّيحِ_ خلفي
إنَّ خلفي صوتهَا
ما تمتمتهُ وأرّخَتهُ على لسانِ الفجرِ دومًا
قصّةَ الذّئبِ الذي
ما تابَ عن غاباتِ ليلى
إنَّ خلفي ما سيأكلهُ أمامي
ما معي
ما ليسَ في هذي الحقائبِ
إنّه وجهي وظهري
قبلَ أن ينصاعَ للدّنيا
كما ذاكَ العجوزْ
إنّها الأختَامُ ما قبلَ الدّخولِ
أو الخُروجْ
تمضي بنا
أنا ضدُّ أن تمضي
ولكنِّي إلى ضدّي أسيرْ
كلُّ المحطّاتِ الأخيرةِ
والمطاراتِ البعيدةِ
والقطاراتِ السّريعةِ لا تُحدّثُني
ولا تبكي معي
أنا لستُ أحملُ في الحقيبةِ غيرَ قبري
مثلما حملَ العجوزْ
وجهان ينتظرانِ خَتمًا
إنّهُ وجهٌ هنالكَ بانتظاري
إنّه وجهٌ تخضَّبَ بالضّياعْ
قال مبتسمًا: أتيتْ؟
أخرجتُ عمري من جوازي في مطاراتِ الوداعْ
:خذ ما نَسيتَ مِن الحقائبِ إن رجعتَ
ففي الحقائبِ نخلتانِ
ولوزتانِ ووزّتانِ
وضفّتانِ تجرُّها الأيامُ نحوَ اللّا لقاءْ
خذها ففيها صورةُ الطّفلِ البريءِ
صراخُ أمِّكَ
راحتاها تَعجِنُ الشّمسَ النَّحيلةَ
مع نشيجِ الوَسوسَاتْ
قل للمسافرِ: إن للأشجارِ موسيقا
تعلِّمُها البلابلُ للغروبْ
مَن قادنا لبعيدنا
يدري بأنّا لن نعودْ
لا يعلمُ الإنسانُ إلّا ما يَرى
حتّى إذا عصَفت بعينيهِ الرّياحُ
أتى الهدوءْ
في الكونِ يختلطُ الوجودُ مع البقاءِ
فلا هروبْ
خذها ففيها شَهقتانِ
وزَفرتانِ
وغُصَّتانِ
وبسمتانِ تراودانِ اليأسَ عن حقِّ السّقوطْ
خذ ما نَسيتَ
ففي مطاراتِ الوداعِ.. حقيبتانِ يتيمتانِ
كنبضتينِ تعلَّقَتْ بهما خطاطيفُ الفِراقْ
وفي الحقائبِ صرختانِ على القبائلِ
حين مالَ الخيلُ
يَصهَلُ في الشّرودْ
كلُّ المراكبِ أنكرتكَ
فلا تسل أخشابَها
كلُّ الحوافلِ توّهتكَ
وضيّعَتْ ركّابَها
كلُّ القطاراتِ ال تروحُ إلى البعيدْ
كلُّ المطاراتِ الّتي رَدَهاتُها
تُفضي لمِا بعدَ الحدودْ
أمَّا أنا لا زلتُ أحترفُ البقاءَ
فلا فضاءَ
ولا بحورَ
ولا يُخوتْ
قلبي الحقيبةُ إن أردتُ حقيبتي
وقصيدتي سفري إليَّ
ورحلتي
وقصيدتي الإقلاعُ منّي
والهبوطْ
ليلٌ يجبُّ اللّيلَ
ثمَّ يجبُّ أمتار البلادْ
إنَّ الشواطئَ والقواربَ لا تشابِهُ ما رأينا
مِن محيطْ
ماذا كتبتِ عن السّؤالاتِ الّتي بقيَتْ هناكَ
بلا ردودْ؟
ماذا كتبتِ عن الحواجزِ والموانعِ والحدودْ؟
ماذا كتبتِ عن العجوزينِ اللّذينِ تبخَّرا
بعدَ الحروبِ مِن الوجودْ؟
مَن قادنا لبعيدِنا
يدري بأنَّا لن نعودْ.
 

 

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن مظهر عاصف

مظهر عاصف

101

قصيدة

" مظهر عاصف" أحمد علي عودة. - شاعر أردني مِن أصول فلسطينية. - من مواليد مدينة (عمان) 31/10/1980 - أعمال مطبوعة: فلسفات جنازة (شعر) هناك (شعر) السّادسة صباحًا (شعر) ما لم يقله أحمد عود

المزيد عن مظهر عاصف

أضف شرح او معلومة