ومن الهشاشةِ
أن تحاول الابتسامَ
وأنت محترقُ الضلوع.
فتكون نهب الذكرياتِ
تفيق تسلبك المسافةُ
كلّ أعواد الوصالِ
فلا يكونُ
بوسع عينك غير أن
تطوي الجمار على الدموعِ
وتستعدَّ لخوض حربك
دون أسلحةٍ تعينك
أو حروفٍ
تكتب اسمكَ
في سجلّ الثائرينْ.
هي أمنياتُك
أن تكون فلا تكونْ
هي رحلةٌ كَتبتْ عليكَ بأن تظلّ
على مرافئك البعيدة باحثا
عن مركبٍ
يرسو إذا اشتعل الحنين.
*****
ومن الهشاشة
أن تحاور موجةً ألقت إليك شراعها
فتحطمت فوق الشواطئ كي تظلّ
على مسافة دمعتينْ.
وتلوذَ بالأوراق
تبحث عن قصائدك العتيقة
ثم تدرك أنّ ثمّة رحلةً صوب الأنا
ما زلتَ تجهل وُجهةً تبقيك
قيدَ الانتظارِ
فلا القصائد قد تعينك في الطريق
ولا الحروفُ
ولا القوافي المرهقاتُ
ولا الليالي الغارقاتُ بأدمعٍ
أخفيتَها كي لا تبينْ.
"هذا زمان الشدّ"
فاحمل أمنياتِك وارتحلْ
ستظلّ قابَ حكايتين:
أسىً تناهبَ نصفَ عمرك أو يزيدُ
ونظرةٍ للقادم المجهولِ
لستَ ترى سوى
خيطٍ يلوّح بالمزيد من الفراقِ،
والانكسار،
والاحتضارْ
ومن الجوى الممجوج بالشوقِ
المُراق على طريق العمرِ
دون السائرينْ
أن ترى حُلما تغلغل فيكَ
ثم تراه يذبل
كالزهور المهملاتِ
على شبابيك الرفاق الراحلينْ
أو أن تفتشَ فيك
عن طفلٍ صغيرٍ لم يزل يشتاقُ
أن يلهو بأحلامٍ
تناثر طيفُها
وغدت خيالا
في متاهات السنين.
يا طائر الرخّ الذي قصّوا جناحيه،
استفقْ
خذني لأعلُوَ
فوقَ فوقِ الكونِ
أبحث عن "أناي" المشتهاةِ
وعن فتىً
ما زال يحلمُ بالنهارِ
يضيء عتمةَ دربهِ
ويعيدُه طفلا على عتباتهِ
يصحو قُبيلَ الشمسِ
يقطفُ حبّة التوت التي
علقت بها أنسامُ شجرة ياسمين.
فمن الهشاشة
أن تعود لبابِ بيتكَ
ثم لا تلقاه منتظرا
قُدومكَ
لا ينام سوى على كتفيك حينَ
تُدير مفتاحَ المساء
وتغلق الأشواقَ
خلفك حيث تغفو
مثلَ عصفورٍ على
غصنٍ حزينْ.
خذني إلى بيتي الصغيرِ
وذكرياتيْ
وارفع معي
طيارةَ الورقِ التي
كانت ترفرف في المدىْ
وأنا أرفرف في مدايَ
مع الحساسينِ التي هربت
من القفص الصغيرْ
خذني إلى صحبي الذين تناثروا
في رحلة التفتيش عن وجع الحياةِ
بما تبقّى من خلاصٍ
كانَ أشبهَ ما يكونُ
بكل أوجاع الحياة.
عُد بي قليلا للجنوبِ
فإنني ما زلت يسكنني الحنينُ
إلى الجنوبْ
ما زلت حين يضيقُ بي صدري
أسافرُ في حروفي
للجنوبْ
خذني إلى كتبي القديمةِ
والمقاعد والقصائدْ
ومسائلِ الإعرابِ
في كتبِ الغريبِ من الشواهدْ
وإلى لقاءٍ
كان يوما في الجنوبْ.
وإلى عيونٍ لم تزل
تطوي المسافة بين بيني
والطريقِ
مع الرفاق المنهكينْ
من الجنوبْ
خذني إليّ أنا...
إلى ما كنتُه يوما....
فإنّي لم أزل طفلا بعمر
الأربعينْ.
184
قصيدة