في سفوحِ الشّعرِ..
في أرضِ الكناياتِ أراني
قابضاً جمرَ المعاني
في زمانٍ..
ليسَ مكتوباً بأسفارِ الزّمانِ
في تخومِ الغيبِ أمشي
رَفّت الأنسامُ من حولي ورقّتْ
بوحُها عذبٌ شهيٌّ
والدّجى في الأفقِ صبحُ
ما نديمي في مساءِ البوحِ إلّا
نصفُ حُلمٍ واجفٍ أعياهُ جرحُ
2
قال لي: كنتُ بليلٍ أتمشّى وأجولُ
أنشدُ الشعرَ سعيداً ومُعافى
ذاتَ ليلٍ من لياليكَ البعيدةْ
وأوشّي لوحةً سحريةً بالضَوءِ في جفنيكَ
حتّى مرَّ بي شيءٌ رماديٌّ عجولُ
مكفهرُّ الوجهِ، مغبرٌّ، هزيلُ
يعصرُ الأيّامَ في كفّيهِ
يلقيها قشوراً في مهبِّ الليلِ
جبّارٌ، وطاغٍ، مارقٌ
مسترسلٌ في غَـيِّهِ، صلفٌ، جهولُ
لا يحبُّ الشعرَ، يُرضيهِ العويلُ
3
حلَّ كالذُّعرِ على ليلي الموشّى بالنّدى
غشّى المدى..
حتّى غدَتْ في باحةِ النومِ شظايا أغنياتي
جئـتُ لا أحملُ رسماً، وبلا لحنٍ، ولا معنى
أجرُّ الحزنَ خلفي.. لست أدري ما أقولُ
4
يا نزيَّ الجُّرحِ مهلاً لا تقل شيّا
فما أبقيتَ حرفاً من كتابِ الزّهرِ
إلا قلتَهُ بالأمسِ لمّا كنتَ تأتيني
وفي كفّيكَ ركمُ الأمنياتِ النافراتِ المستحيلةْ
ثمّ تلقيها حِبالاً وعِصيّا
تلقِفُ العتمَةَ من حولي وتسعى
فأرى أمسي جليّاً يتمشّى في صدى رسمٍ بعيدٍ
خالياً من كلِّ سوءٍ، موسِراً، حرّاً، رضيّا
وغدي يسطعُ شعراً
يحرسُ المعنى.. شغوفاً، عبقريا
خلفَ سترِ الليل تسري بي عَجولا
تمتطي الرّيحَ وتَرقى
تتخطى حاجزَ الوقتِ
ولا حدٌ بشرعِ الليلِ يبقى
كلُّ محظورٍ يزولُ
5
كم أقمتَ الشّجوَ والأحزانَ أفراحاً وسعدا
وأحَلتَ الظّلمَ إنصافا وعدلا
ورسمتَ الصّـدَّ الهجرانَ في لوحِ الهوى دَلاً ووصلا
سلسبيلاً كنتَ عذباً
في وِهادِ اللّيلِ وضّاءً يُلبّـيكَ الغليلُ
6
تحضرُ المنسِيَ من جوفِ التّمني وتُغني
في زمانٍ مقفرٍ عزّت بهِ الألحانُ
وارتدت على أعقابها الأحلامُ
وانـبتَّ السّبيلُ
يا رسولاً للغوايات التي حمّلْتَني
يا حاديَ الشعرِ ويا خِدنَ الحيارى
تنسلُ الوهمَ من اللاوعيِ تدنيهِ طُيوفاً
وكأنَّ الوهمَ في كفّـيكَ للسّاهي دليلُ
7
جئتني الليلةَ تشكو سطوةَ الحاضرِ
مهزوماً طواكَ البؤسُ
والخيباتُ تترى من حواليكَ تصولُ
وعلمتَ اليومَ والعلمُ هباءٌ بعد طولِ الجّهلِ
لا يُجدي ولا يُرجعُ أمسا
فاتّخذ يا صاحبي ليلاً بعيداً عن لياليَ لأنسى
وارتحلْ عنّي رعاكَ اللهُ وانساني.. لأنسى
جنّةً مُــدّت أمامي، ومُروجاً في مدى أرضٍ بوارٍ
ولأنسى.. عرشيَ العالي بروما
والذي بيعَ ببخسٍ في مزادٍ علنيٍّ
ولأنسى.. ربةَ الحسنِ التي صوَّرتَها لي
وانتشاءَ الرّوحِ، والحبَّ المُوشّى بلقاءٍ شاعريٍ
في مهيبِ القبلةِ العذراءِ.. حتى بدَّدَ الصبحُ سُدولا
فغَـشتْ روحي سُدولُ
8
عُــدتُ من أوهامكَ الخضراءِ صفراً في يسارِ العمرِ
لا أملكُ شيّا
عدتُ وحدي صافياً لا ظلَّ لي غضّاً بهيّا
عدتُ دون اسمي وماضيَّ المضرَّجِ بالأغاني
وأعادَ الصبحُ لي وجهي، وايماءاتِ تشكيلِ الحقيقةْ
ها أنا في لُجّةِ الدنيا تتَبَّعتُ طريقهْ
أقرأُ الحاضرَ وحدي ليسَ يَغويني البديلُ
قصيدة