تعالَ

نُقِم مأتماً للرفاقِ...

الرفاقِ

الذين أقاموا على مَفْرَقِ الأمنِيَات طويلاً

ولم يحصُدوا غيرَ أوجاعهم

يستعيرونها في رحيل القصائد

أو هَجْعَة الكلمات

الرفاقِ الذين قضوا

قبل أن يستقيم بهم

دربُ هذي الحياة

الذين...

أرادوا الحياة

فلم يجدوا في الطريق إليها

سوى ما يغطي جثامينهم من

زهورٍ

وما قد تبقّى لهم في ابتهال الأحبّة

من صلَواتْ

 

تعالَ

نُقِم مأتماً للديارِ...

الديارِ التي أنبتتْ من جنائنها

خنجراً

ثم حين تمكّن منها

وشبّ عن الطوقْ

سقاها دماً سائغاً

ومضى ليسدّدَ طعنته في حشاها

لئلا تخبّرَ عنه العساكرَ

أو ترشدَ الخائفين عليها إليه

فيلقوه في السجن

أو يُطعِموه "كلابَ الطريق"

فترتاح من لُؤمه الكائناتْ

 

الديار...

التي لم تزل منذ بدء الخليقة

تَخْزُنُ للمارقين سنابلها

وتُعِدُّ لهم في الصباح

فطوراً شهيّا

وكلَّ مساءٍ

تَهُزّ لهم جذعها

رُطباً يتساقطُ في راحتيْهم

جنيّاً

فلا يشكرونَ

ولا يحمدونَ

وحين تجوعُ

يُديرون ظهرَ المِجنِّ لها

ويلومونها

أنها لَمْ تَذَرْ في السنابل شيئاً

يَقيهَا الوقوفَ

وقد أعجفت غيمةُ السنواتِ

على العتباتْ

 

وكانتْ تقدّمُهم كلّ حين على العالمين

وتطعمهم قوت أبنائها البائسين

وتطعمُ أبناءها

ما تناثرَ خلفَ موائدهم

من فتاتْ

 

تعالَ

نُقِمْ مأتماً للقصائدِ...

لمْ يبقَ في الحرف

متسعٌ للكلام

ولمْ يَبقَ في الحبّ

مِن فسحةٍ للغرام

ولمْ يبقَ في العُمْر

من فسحةٍ للوقوفِ

بباب الحنينِ

ولم يبق في الصبح

متسعٌ للضياء

ولم يبقَ في الليل

من فسحةٍ للأنين

ولم يبق في الشوق

من فسحةٍ لِلِّقَاءِ

فكلُّ البلادِ لأبنائها غربةٌ

وكلّ المدائن

في حزنها كربلاءْ

 

تعالَ...

نُقِمْ مأتماً للنجومِ

التي خلف غيم السنين

توارتْ

النجومِ

التي لم تَعُدْ لتنير الدروب

وتنتظرَ الغرباءْ

النجوم

التي أقسمت للمساء

بألا تَغيبَ

وغابتْ

وكم وعدتْني بألّا تَهُون عليها

رياحُ الجنوب

فهانتْ

وكم بحتُ يوماً لها

بالخفايا

وكم عاهدتني

بأن لا تبوحَ بسرّي

فباحَتْ

 

تعالَ...

نُقِمْ مأتماً للعصافيرْ

لماذا تغادرُ أعشاشَها كلَّ صُبحٍ

وتبحثُ عن وُجْهةٍ

للجنوبْ

لِماذا يظَلُّ الجنوب يَعيثُ فساداً بها

وتعودُ تفتش عنه

على أملٍ أن تعود إليه

وتعلمُ أنّ الزمان الْـ مَضى

لا يؤوبْ

 

تعالَ...

نُقِم مأتماً للشتاءْ

فإنّي تمنّيْتُ

لو يتوقفُ قلبي

قليلاً

ويمنحُني فرصةً للرثاءْ

وأن أستعيرَ عيوني قليلاً

لأمنحها فرصةً للبكاءْ

 

تعالَ...

نُقِم مأتماً لي

فإنّي ملَلْتُ الحياةْ

ومنذُ مَضَيْنا معاً لَم أزل

أستحثُّ الخطى لأواصلَ

ما ظلَّ في العُمْرِ مِن سنواتْ

وَأَطْوِي على الشوق قلباً

تَعيثُ بنَبْضَاتِهِ
الذِّكرياتْ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن حسن جلنبو

حسن جلنبو

184

قصيدة

• مواليد الأردن - عمَّان. • بكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، جامعة مؤتة 1994. • ماجستير في النقد والأدب، جامعة مؤتة 1998. • محرر إعلامي لدى شركة مياه وكهرباء الإمارات- أبوظبي. • عضو ر

المزيد عن حسن جلنبو

أضف شرح او معلومة