الديوان » حسين عبروس » موت على أسوار بغداد

مــارسُ ... يــا مارسْ
يــا شهـر أحزانـيّ َ
يــا طعـم حبـّيَ اليابـسْ
الوَاقـفُ فيك َ مَكـْسُــورٌ
والعَاصـفُ فيك َ مَقــْصُـوفٌ
بالوجـع ِ الخامـسْ
مـارسُ يـا شهـر أ َوْجَــاعِـي
يا فَــصْلَ أَ َفْــرَاحِي المغدُورةِ
في عَــيْن ِ الزارع ِ والغـارسْ
يــا يـومَ العشريـنَ
في الثَالـثِ في الألفيـنْ
يــا غَضَـبَ الأرض ِ
في وجه ِ ما بينَ النهرينْ
المأساةُ فــيكَ تَــبدأ ُ
في رفـّـة ِ عينْ
والحزنُ يبدأ في القلب ِ
أشجارَ شَــوْكٍ
طـَـعْـنــَـة غــَدْرةِ سكينْ.
حُـرقة ُ دَمْع ِ العينْ .
مارسُ يا هــَـوْسَ الحزن ِ
إنّي رَأيتُ فيك َ الفجرَ يَــغربُ
وفيكَ رأيتُ الرمل يهربُ
ورأيتُ هَــوْلاً غَــزْلاً
مَنْكـُوثـا ما بيـن النهريـن
ِوالنخْلُ رأيتُ قَــَامات
تـَشْمـخ ُ في المـوتِ
ورأيتُ الصوتَ يمرّ ُ
عبر مَــســَام ِ الجــُرْح ِيَمـُرّ ُ
يـَحمرّ ُ في العمق ِ في الدَمْع
في الأرض ِ يَــخضـرّ ُ
أيّ ُ الجهـات كـان الصـوتُ ِ
عُصفـورًا يغنـّي ِ ؟
في (بابل َ) أَمْ في ( الطف ِّ ) ؟
في الزحـفِ القــادم ِ
أمْ في الخلفِ
في الرمل ِ العاصف ِ
أمْ في (النَجْـفْ)؟
فتقدّمـوا ... تقدّمـوا
يا أيّــُهــا الغــزاةْ
يا أيّها الغيلانُ و الغلاةُ
لا وَرْدَ عندنـــا نــُهْديـهِ
لا بِرّ َ لا بحر لكمْ نــُهْديهِ
لا جبلا شامخًـا لا سَهْـلا َ
لا هُــدْبًا في العينين لا كُحلا َ
فلكــُمْ أعددنا الموت طــَعْــمًـا
و شرابًـــا أحْــلــَى
فأهْــلا ً يا أحفـاد ( هولاكو)
أهـــلا ً .. أهـــْلا َ
نمـوت ولا نلعـق ذ ُلاّ َ.
(2)
كالعـادة كـان المـوتُ يتدلــّى
مِنْ راجمـةِ الفــَوقْ
كالطوفـان ِ يُغـري
رمـال البحر شوقْ
مـرّ ٌ طعمـهُ
في هـذا الـذ َوق
مـرّ هـذا الطعـمُ
في طلقـــةِ دَمْ
في قصفــةِ دَمْ
في غَفلـةِ من لا يهتـمْ
في مـوج هـذا اليـَــمْْ
في غـدر هـذا الليـل ِ
في ليـل هـذا الظُلـمْ
مرّ هـذا اليــوم ُ
يا أحفــادَ (هولاكو)
فإنّيَ للنصْـر ِ القادم
في المــوت نأ ْتــَم
نمــوت ولا نهتــم ُ
فليكتـب التاريـــخ
أنّ رُبى بغــــدادَ
تــزدان بالأحمــرْ
ولها تُصَلّي السنابـل
الخضراءُ والأسْطُــرْ
ولها تُغَنّي البَلاَبـــِلُ
في (بَــابِـلْ)
فمرحى بخُــضْر ِ السنابـِل ِ
و مَرْحَــى بِـسُـمْر ِ الجبـاهِ
بالقوافــل ْ
ومـَرْحَــى يا بغـدادُ
بالبطـل المقـاوم والمقاتـلْ
(3)
كالعـادة تأتـي الأخبـار
مُشَوَّهَـة َ الوجـه ِ
مَبْتُـورَةَُ السيقـان ْ
مَفْقـُودة العينيـنْ
مبـْقـورة الأسمـاعِ
في نشراتِ الجبـانْ
في قنـوات الأكفـانْ
تقـول إنـّا تقدمنـا قليــلا
وحَصَدْنَا صَبَاحًا جَمِيلا
وأ َسِرْنَا أَلْفَ قَتِيلٍ و قَتيلهْ
وَ دَمّرْنَـا مِيـَاهَ (البَصْـرَةِ)
وأَلْقَيْنَـا القــَبْضَ على هـاربٍ
يُدْعــَى (أَبُو الخَصِيبْ)
سَنَعْرِضُـهُ للنـاس
في وَقْـتٍ لاحـقْ
سَنَشْــرحُ للنّـاس
أَسْـرارَ (المَشْـرَحْ)
بكـلّ أ َمـَانْ
بأنّ الثائـرة ( أمُّ القصـر ِ)
قاصـرة ُ الطـَرْفْ
وهـذي جنودُنـا
تدخل خدرها بسلام ٍلتنامْ
وبين يديها نصر ٌ مُؤزّرْ
وأمّ القصـر
هـذي عُـشّ ُ حَمـَامْ.
كالعَادَةِ تَأْتِي الأَخْبَارُ
ضَـلاَلٌ و ظِـلال ْ
والقاتـلُ كلـبٌ مَسْعـُورٌ
خِنْزيـرٌ غَـدّ َارٌ مَغْـرُورْ
والمَقْتُـولُ في العُـشِّ
مَحْـضُ عُصفورْ
والطــّلَقَاتُ ثَلاَثُونَ قـَذِيفـَهْ
سَقـَط َ عشرون َ طِفْلا
عشـرونَ طيـرا
ثلاثـُونَ يَعْنِي خمسونَ
بل تسعـونَ في يـَوْمٍ واحـد ْ
وهـذا العِطـْرُ
والرِّيـشُ و الـدمُ شاهـد ْ
هـذي (ميسـون)
في (مِيســانْ)
تــَرْوي نخيل بساتينها
وتُغَنـِّـي .
هـي في الصـورة(مُوصـلْ)
سَمْـرَاءٌ (كَدَقــْلَةِ نُـورْ)
والشَّعْرُ لحَافُ الخصْرِ الممْهُورْ
والقَـدُّ مـَدٌّ مَقــْدَودٌ
غُصْـنُ بـان ْ
بُسْتــَانُ رُمّــَانْ
بــِرُّ أَمَانْ
هِيَ كنخيل ِ (دجلة َ)
و (الفــُراتْ)
منها الشمس
كلّ صباح ٍ تــَقـْتـَاتْ
والعَيْنُ العربيّة ُ تَمْرَحُ
في الكُحْل ِ بالغُنْج
تَسْرَحُ في كُلّ فـَجّ ْ
مأسورٌ من رأى الفجّ َ يَمِيلْ
والهُدْبُ نخِيلْ
فَمَلْعُونٌ مَنْ جَزّ َ
حُقــُولَ جدائلها
وأَحَالَ طَعْمَ جَدَاوِلـَها
مِلْحًا يَرْتــَدّ ُ
في خفــْقــَة عَيْنْ
في نبْضَةِ قَلْبْ
في وَصْــلةِ نايْ
مَلْعُونٌ هذا المُتَأ َمْرِكُ
المُتــَهَالِكُ في المَوْتِ مَلْعُونْ
(4)
الآن سأُغْلِقُ بابَ الرَمْزِ
يا سادهْ
و أُوقِظُ هذا النومَ
من كفِّ وِسادَه
وأقول لكم ْ أنّي سأفْضَحُ
قاتلَ أشواقي الحُبْلَـى
وقَــاتِلَ أفـْرَاحِيَ الجَذ ْلـَى
وسارقَ نَبْضَ أَطـْفـَالي
في ( دجلهْ )
فلا يُذهلكم ْ الموتُ
من كـُثرةِ القاتلينَ
والقـَتـْلـَى
لا تعجبوا من مَوْتٍ
يأتينا مَدْعُومًا بالحِقـْدِ
مَشْكـُومًـا بالجُمْلـَهْ .
سأفْضَحُ صَمْتَ من صَمَتـُوا
وغـَزْلَ مَنْ غـَزَلـُوا الموتَ
أنّ الغـُول (هولاكو)
إنْ يقـْتـِلُ طِفـْلا َ
إنْ يَقـْتـُلْ طِفـْلَهْ
لا يقتـلُ في (القـَرْنَةِ )
الفـرات ودَجــْلـَهْ
لا يقـتل ُ أرضا تُنْجِـبُ نَخْـلاَ
َلايَقتـل ُشطـّا يَحْضِـنُ رَمـْلا َ
لا يقتــلُ في التاريـخ
شعبــا ... وطنــا
احتـَمى بحُـبّ الله
و تـَجَلـّـَـى
(5)
(عَيْــبٌ أوّلْ
في الشِّعـرِ تـُطــَوِّلْ)
وتكتـبَ بالزحافـاتِ
رَمْـلا ً مُتـَرَمِـّلْ
وتـُنْـظِمَ في الأسفارِ
بالدماء ما تـَخـَضّــَلْ
عيــبٌ أوّلْ
أنْ تُخْـلـِي سَـاحتــَك
مِنَ الجُنـْـدِ في وَجْـهِ الغاراتِ
وتبـرِّر القتـْلَ بمـا تـَقـَوَّلْ
عيــبٌ أوَّلْ
أن تـَخـْطـُو إلى حتـْفـِكَ
بلا قـَدَمَيـْن ِ
وعلى الشَـوْكِ تُواصِـلْ
و على الحـزْن ِ تـُعَـوِّلْ
وتصْـرُخ بلا شفتيــن ِ
أن حُبّـكَ في التاريـخ (بَابـِلْ)
عيــبٌ أوّل ْ
بالخـوف ِأن تـَــتـَزَمّـَلْ
في الموت ِأن تـُمضـي
ولا تـَــتـَجَمّـلْ
عيــبٌ أوّلْ
أن تظـلّ (البصــرة)
في السّــاح ِ تـُقاتـلْ
وتـُصَفـِّـق َ في الصمـت
للقـَتيـل والقـَاتـِلْ
عيــبٌ أوّلْ
يا شعـب بـلادي
أَنْ يُتـْقـِـنَ الواحـد
فينـا شِعَـارا
ولا يُتقـِنُ حِرْفــَةِ
مَنْ في ( المُثــَنّـَى) يـُقـَاتـِلْ
ولا يَعْـرِفُ أيَّ طريـق
تـُوصِلـُهُ ( للمُوصـلْ)
ولا يَعْرف غـَيْرَ لـَيْلٍ مَحْزُون ٍ
غـَيْـرَ خُرفـاتَ (هولاكو)
حيـن تــُفـزعـُنــَا
حيـنَ تـُفـْجـِعُنـــَا
في عَتـَمـاتِ الأماسـي
والمَرَاحِــلْ
عيــبٌ أوَّلْ
في القــَوْل ِ تُقــَلْقِــلْ
وعلى الحُزن ِ تُعَـوِّلْ .
(6)
بغداد تحـتَ القـَصـفْ
أعِـدْ إنّي مـا سمعـتُ
بغـداد تحت القصــف
ما أبْشَعَ هذا الوصفْ
ما ألعـن َ هـذا الجـرِّ
هـذا العَطْـفْ
ما أبْشَـعَ هـذا الخـوفْ
حيــن يصيـرُ المـرءُ
أجْبَـنَ مَخْلــُوق ٍ
والمُرْعِـبُ في المعنـى ذ ُبابـهْ
ما أعْظَـمَ حيـن يصيرُ
هذا السُقوطُ وُقــُوفا ً
والموتُ في سماء الحقّ سَحابهْ
تــُمْطِـرُ أوْ لا َ تــُمْطِـرْ
لا غـَرَابَـهْ
إن يَـروي الـدّم عمـق الأَرْض ِ
فـَيَغْـدُو النـَبـْتُ
في سُطُـورِ الجُـرْح ِ كِتـَابـَهْ
و يَغـْدُو العمــر
على وَتــَرِ الفـَجْـرِ
صَـوْتُ رَبَابَـهْ
لا غَرابــهْ
فالمـوتُ في سمـاء الحـق صَبَابَهْ .
(7)
في شـَارعِ الحزن ِ العَرَبي ِ
غـَنّيتُ كلّ أحزاني
وطـُفـْتُ في أوْرِدَةِ الشـَوْق ِ
كـُلّ أوطانـي
وَ بَنـَيْـتُ مِنَ الحُلـمِ
كـلَّ أفْراحِي و أشْجانـِي
وَ سِـرْتُ في جَنائـِزَ وَقـْتـِي
أُغنّـي مـع السائريـنَ
كـان الصَـوْتُ يأتينـي تِبَاعًـا
مِـنْ قاهـرةِ المُعِـزِّ
مِنْ أَرْضِ الكِنْزِ الأَخْضَرْ
من فيحـاء (حلـبْ)
من صنعـاء مِنْ (حَضـْرَمَوْتْ)
من تـُفـاح ِ لبنـان ْ
من شمـس ( وهرانْ)
من خَرْطُـومَ سودانْ
من نهـار ٍ يُؤْنـِسُ في (تـُونسْ)
مِنْ رِبَـاط (محمـد الخامـسْ)
من كـُلّ بقـاع الدنيـا
من كـُل ِّ مكان
الكـلُّ يُغنِّي
"بالـرُّوح .. بالـدَّمْ
نـُفـْدِيكَ يا عِـرَاقْ"
هل كان الصَـوْتُ حقيقـهْ ؟
أمْ كان الصـوتُ نِفــَاقْ
هـل كـان الصـوتُ
يصنـعُ في شـطِ ّ العـُرْبِ
وَهْـجَ بَرِيـق ٍ؟
لـَسْـتُ أدري أَنـِّي بكيـتُ
غَيْـرَ أَنّـي أَدْرِي
أَنَّ المـَوْتَ سِبـَاقْ
المـوتُ سبـاقْ
المـوتُ سبـاقْ .
والجَبَـانُ مُسَـاق



















 

 





 











































 



 

En ligne








حسين عبروس

30 min  · 
Partagé avec Moi uniqueme

 








 










 

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن حسين عبروس

حسين عبروس

59

قصيدة

شاعر جزائري يكتب القصيد العمودية والقصيدة الحرة ويكتب المقالة النقدية ويكتب أدب الطفب شعرا وقصة. وله عدة أعمال شعرية منشورة منها ألف نافذة وجدار-النخلة أنت والطلع أنا- طرق على حديد القلب- ما

المزيد عن حسين عبروس

أضف شرح او معلومة