أشِبْتَ فتىً وقبْلَ ضُحى المشِيْبِ

بياضُ الفجْرِ آتٍ أمْ مَغيبي؟!

وما كُرْهًا سعيْتُ لِذي خِصامٍ

وما كَرْهًا بَدا حِلْمًا وَجِيبي

فطيْرٌ طارَ في عالي سَماءٍ

كقَلْبي حينَ يخْفِقُ في السُّهُوبِ

كرَيْحانٍ تُداعِبُهُ رياحٌ

فيُهْدي ريحَهُ وقْتَ الغُروبِ

كقَطْرَةِ ماءِ نبْعٍ في مُروجٍ

تَطيرُ نَدًى بصوْتِ العنْدليبِ

كموْجِ البحْرِ يَعْلو مِنْ بَعيدٍ

أمامَ رمالِ بيْداءٍ قريبِ

كليْلٍ صامتٍ يُلْقي سُكونًا

يُنيرُ نجومَ أكْوانٍ رَحيبِ

وما كُلُّ السُّكوتِ جَهالَةً قدْ

يكونُ الصَّمْتُ أفْصحَ مِنْ أديبِ

ولمْ أعْجبْ كظنِّ الناسِ حِينًا

خِصالَ السابقينَ مِن العُيوبِ !

أديمُ الأرضِ تصْفَعُهُ المنَايا

وفيهِ أُمَّتي أثَرُ النُّدوبِ

وقدْ كانتْ كعذْراءٍ صَبوحٍ

لعمرُ أبيكَ ليْستْ بالمعيبِ

ألا يا "أخْتَ هارون" الّتي ما

بدَتْ مِن بدْئِها بكْرَ الخُطوب

أجالتْ في اللَيالي عادياتٌ

لتغْتَسلي على ماءِ الغريبِ!؟

مآسِينا كعنْقاءٍ تَباهتْ

بأنَّ رمادَها عَجْبُ الحروبِ

وترْشِفُ مِن غَضيضِ دمٍ شَذانا

تُحلِّقُ فوقَ خضْراءِ الدُّروبِ

تُلوّنُ ريشَها حِيْنًا بماءٍ

أسالتْهُ دياجيرُ الشُّحوبِ

فلا تُرني جَمالًا في وجوهٍ

لحُسنٍ لا يَبينُ معَ القلوبِ

طواحينُ الحياةِ تَفيضُ ناسًا

وريحُ الأرضِ دارتْ بالحُبوبِ

وهمْسُ الليْلِ أنَّ الحقَّ دُرٌّ

تَناثرَ شاهِدًا بدمٍ رَطيبِ

ألا لا تَلْحَقي دمْعي بعيْنٍ

لقدْ تاهتْ دُموعي في الجُنُوبِ

تَهُزُّ بجِذْعِ أحْشائي هُمومي

ومؤقُ العينِ دائِمةُ السُّكوبِ

ولمْ أجْزعْ على الأيَّامِ لكنْ

رأيتُ الرَّحْلَ تقْطُرُ من ذُنوبي

وسرْتُ مع الدُّجى مُتأمِّلًا في

ذُرى هَوَسي لشَمْسٍ في غُيُوبِ

هل الدُّنيا ستَكْشِفُ لي حِجابًا

وكُنْهًا سالفَ الأرضِ اللَّغُوبِ؟

أرَى ناسًا رَدىً يبْكونَ نفْسًا

كأنَّ الدَّمْعَ يأتي مِنْ ضَريبِ

فكَمْ أحْيا إلهِي مِنْ رميمٍ

وكمْ أفْنى إلهِي مِنْ طبيبِ

هَديلُ حَمامةٍ وزئيرُ أُسْدٍ

كَمالُ الغابِ في جوٍّ عَجيبِ