يا سامري!.. أوقدتُ ناري

وجلستُ بين خراب داري

في ظلمةٍ.. لا أعرف

الليلَ البهيمَ من النهارِ

البرد قعقع في ضلوعي

واستحلَّ عُرى إزاري

والجوعُ أنحلَ جسميَ الواهي

وأعدمني قراري

لا قوتَ لي.. غيرَ الهمومِ

وفيضِ أدمعيَ الغِزارِ

فِكَرٌ وماءٌ.. غيرَ أنهما

أحرُّ من الجمارِ

يا سامري!.. أين الذين

عهدتم أنس الديارِ؟

يا سامري!.. مَن لِي إذا

في وحشتي هاجوا ادّكاري؟

وبقيتُ منتظراً إيابهمُ

وأفناني انتظاري

أطيافهم في النار تلمح

بين أجنحةِ الشرارِ

تعلو وتسطعُ ثم تخمد

بين حفنات الغبارِ

أشتاق أهلي.. والزمانَ

زمانَ عزِّي واقتداري

أيام أمي لم تزل

أنفاسُها حِرزَ الديارِ

ودموعُها إن تنهمرْ

ردَّت يدَ القدرِ المُدارِ

وأبي الذي قسماته

الغرَّاءُ سيماء الوقارِ

كفَّاه أمنع مستجارٍ

في الملمَّات الكبارِ

أيام سلمى أين تمشِ

تخطَّ دربَ الجلنارِ

وأنا أراقبها على

بعدٍ وقلبيَ في سُعارِ              

والطُّرْقُ تعرفني.. وتعرف

ما أشيعُ وما أواري

والصَّحْبُ والصخبُ الجميلُ

وصوت إخواني.. وجاري

رحلوا... وأُبدِل باللقاء

صدى السوافي والقفارِ

ما للمصائب.. لا تمرُّ

ولا تطوف بغير داري؟

ما ذنب عيني.. لا ترى

غيرَ الخرائب والدمارِ

ما جرم قلبي.. ما أحسَّ

بغير ذلٍّ وانكسارِ

أليَ المواجع والبكا

قدرٌ عليَّ الدهرَ ساري؟

لا والذي فطرَ السماء

وسيَّر السبعَ الدراري

لن يستقيمَ العدل فوق

الأرض منتصبَ المنارِ

حتى تذوقوا ما أُذِقتُ

وتصطلوا بجحيم ناري

ما العدلُ أن ترِثوا النعيمَ

مرفَّهين أولي يَسارِ

فوق الأسرَّة والأرائك

والمُلاءات الوِثارِ

وأنا على كِسَر الصخور

أبيت وحديَ نصف عاري

ما العدل أن تتنعموا

برغيد عيشٍ وازدهارِ

ما بين أهليكم تخوضون

الحياةَ بلا صَغارِ

وأنا هنا لا قلب يعطف

لي ولا كفٌّ تداري

يا سامري!.. كم أستغيث

بكُربتي؟ عيلَ اصطباري!

الجَور أطبق والزمانُ

طغى وجاوز في احتقاري

أفنى وتفنى بعديَ الدنيا

وليس يزولُ ثاري!

لو أن فوق الأرض فرداً

حافظاً حقَّ الجوارِ

أو راحماً أو سامعاً

لأنين شجوي واحتضاري

ما بتُّ مخلوع الفؤاد

رهين حزني وانكساري

أهذي وحيداً في الديار

وسامري؟.. صممُ الجدارِ