عدد الابيات : 55

طباعة

رسمُ دارٍ في رمالٍ دارساتِ

حيثُ جرداء الصحارى القاحلاتِ

رسمُ دارٍ ما تبقَّى منهُ شيءٌ

غير ذكرى في نفوسٍ حائراتِ

كلُّما مرَّ نسيمٌ في صباحٍ

زادها فوق الليالي الحالكاتِ

كلمَّا قد طالها ريحُ شمالٍ

تَمَّحي الآثار في تلك الفلاةِ

وكأنَّ الدار ما كانت بيومٍ

دفئَ مأوى للعذارى الفاتناتِ

وكأنَّ الربع فيها ليس ربعاً

بل ربوعٌ للظِباء السارحاتِ

تشرح الصدر وتسترعي اهتماماً

عندما كانت ملاذ الغانياتِ

أمستِ اليوم خراباً ليس إلَّا

من طلولٍ وبقايا ذكرياتِ

قبل أن تلقى من البين مصيراً

ذلَّها ذلَّ الليالي الغابراتِ

هل تراها مثلما عيني تراها

تلفظُ الأنفاس عن تلك الحياةِ

وبها برقٌ تجلَّى عن بصيصٍ

يبعثُ الآمالَ من بعد المماتِ

ذاك مصداقٌ لقولي إنَّ قومي

فيهمُ أعتى أسود الفلواتِ

فيهمُ السعدُ وألطافُ وجوهِ

لو تراها قد حَوَت أبهى الصفاتِ

فيهمُ الإِخلاصُ عنوانُ معانٍ

من جزيلِ الباقياتِ الصالحاتِ

ساد فيهمْ كلُّ حزمٍ من رجالٍ

مثلهمْ مثل الأسود الضارياتِ

أهلُ جودٍ لن ترى في الجود إلَّا

دجلةَ الخير  وخيرات الفراتِ

تلك بغداد التي لله تُعزى

عندما يُعزى صنيعُ الحاضراتِ

من رجالٍ في سبيل الله تفنى

لِنساءٍ مُحصناتٍ غافلاتِ

أذ رأيتَ الخير في الدنيا شحيحاً

فإلى تلكَ الديار الفائضاتِ

دوحة الزوراء  تلك الأَرض أرضي

أجمل الدنيا  و أحلى السنواتِ

دوحة الزوراء أرضٌ عشتُ فيها

فـي نعيـمٍ و أمـانٍ وسباتِ

زانها مجدٌ على مرِّ سنينٍ

ثُمَّ وافاها جيوشُ الغازياتِ

ثُمَّ وافاها لفيفٌ من أُناسٍ

أسفل الدنيا وأدنى الدرجاتِ

لم يراعوا حُرمةً لله فيها

لا ولا استثنوا خدور المحصناتِ

هُمْ أهانوا كُلَّ حُرٍّ في بلادي

واستهانوا بالدماءِ الزاكياتِ

واستباحوا عزَّةَ الإنسانِ فيها

حيث كانوا وأقاموا الفاجعاتِ

فسلاماً أيّها الأرض سلاماً

رحمةُ الله على عهد الأباةِ

رحمة الله على شعبٍ كريمٍ

كان من أسمى الشعوب السامياتِ

كان إنساناً وفيهِ عزُّ نفسٍ

وشموخٌ من نخيلٍ باسقاتِ

إنَّه اليومَ كعصفٍ من أثيثٍ

يابس الساق بريحٍ عاصفاتِ

تأكلُ الإحزابُ من خيرات أرضي

ثُمَّ تعطينا قليـلاً من فُتاتِ

ذلك الفقر الذي في الناس يشري

إنَّهُ جـرَّاء أفعـال الطغـاةِ

ليس معقولاً بأنَّ الناس تبقى

بين فاقاتِ الزمانِ الموبقاتِ

أين ما ولَّيتُ وجهي صرتُ ألقى

نسوةً تشحذُ عند الطرقاتِ

وكذا شاهدتُ أطفالاً صغاراً

يسألون الناسَ بعض الصدقاتِ

وكذا شاهدتُ في الليل سكارى

عند بزْغ الفجر  هَمُّوا للصلاةِ

وكذا شاهدتُ منحطًّ يغني

حولهُ ألف فتاةٍ وفتاةِ

وكذا شاهدتُ ما يُدمي فؤادي

من أمورٍ مُشكلاتٍ مُعضلاتِ

في بلادٍ ليس للتعليم حظٌّ

في قضاءٍ ليس فيه من قضاةِ

ليس للإنسان حقٌّ واحترامٌ

ليس للدستور غير الكلماتِ

قسماً باللهِ يا بغــداد أنَّـي

ضقتُ ذرعاً من وجوهٍ كالحاتِ

ضقتُ ذرعاً من أساليبٍ لقومٍ

داهياتٍ  ووعودٍ  كاذباتِ

ذلك الشعر الذي ينسابُ منَّي

حال ما بيني وما بين الوفاةِ

ثُمَّ أنَّي كلُّما ضاقت سبيلاً

صرتُ أرثيها بشعرِ الباكياتِ

في سؤالٍ يبعثُ الحزنَ بنفسي

هل بقى في العيشِ معنىً للحياةِ

هل بقى في الناس للأرضِ انتماءٌ

أم جميعُ الناسِ في غير التفاتِ

حقبةٌ تمضي علينا ثُمَّ تأتي

حقبةٌ سوداءُ مثل الظلماتِ

وتفائلنا كثيراً عندما قد

جاءنا الشيطانُ في زيِّ التقاةِ

وتموتُ الناسُ لاشيءٌ كأنَّ

الناسَ أصفارٌ شمال الطاغياتِ

تأسفُ النفسُ على وضعٍ معيبٍ

بين حالات اضطرابٍ وانفلاتِ

ويح أمِّي إن بقى في العمر يومٌ

فيه لم أبكِ السنينَ الذاهباتِ

ما بقى في الأَرضِ خيرٌ بعد بغدادَ

وما خيرٌ سوى أرض الكماةِ

ما بقى في الأَرضِ خيرٌ بعدما قد

سقطت بغدادُ في أيدي الغزاةِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمَّد سند الشمَّري

محمَّد سند الشمَّري

19

قصيدة

شاعر عربي من بغداد اكتب الشعر منذ نعومة أظافري..

المزيد عن محمَّد سند الشمَّري

أضف شرح او معلومة