الديوان » احمد علي سليمان عبد الرحيم » بائعة الخبز التونسية!

عدد الابيات : 66

طباعة

لمياءُ أقصوصة تستلفتُ القاري

وتستحِقُ – وربي – مَنحَ أوسكارِ

يا قِصة ثبتتْ في كل مُصطدم

وأثبتتْ أنها تُزري بأوعار

يا قِصة ذكَّرتْ قوماً لينتبهوا

وأصبحتْ في المعالي خيرَ تِذكار

يا قِصة (تونسُ الخضراءُ) تغبطها

على الشجاعة لم تعبأ بأخطار

يا قِصة كُتِبتْ بالفخر أسطرُها

فاستأثرتْ في الدنا بكل إكبار

يا غادة لم تُعَرقلها أنوثتُها

برغم ما لقِيتْ من شر إحصار

وما استكانتْ لِمَا في الدار من إحَن

فلم يكنْ همُّها عِبئاً على الدار

في (باجةٍ) الحُسن لم ْيَزغ لها بصرٌ

وإنْ يَزغ حولها كثيرُ أبصار

هذي اليتيمة قضَّ اليُتمُ مَضجعَها

ولم يُصِبْ عزمَها بأي إضرار

والخالُ والعمُّ لا حِسٌ ولا خبرٌ

ولا قلوبٌ لهم ، بل صُمُّ أحجار

لم يَكفلوا أسرة (لمياءُ) عائلها

وما لها مَددٌ من أي أجوار

هذي العِصامية المَضاءُ طابَعُها

وفي مَسيرتها وَفيرُ آثار

لها شقيقاتٌ الحياةُ ما رحمَتْ

لهن يُتماً ، وتبقى رحمة الباري

يَصغرْنها أربعٌ ، والأم بائسة

يَحْيين في كُرَب تكوي وأكدار

ماذا عليها ، وقد طمَّتْ بليتُها؟

وكم يلوكُ اليتامي ذلُ أمرار

خَلتْ دِراستَها في باح مدرسةٍ

وآثرتْ سعيَها بكل إصرار

تبيعُ خبزاً ، ولا تحيا تمُدُّ يداً

مَدُّ الأيادي يُصِيبُ النفسَ بالعار

وعينُها ترقبُ الدروسَ عن كثب

والأذنُ تُنصِتُ للمقروء والقاري

نوافذ الصف لم تغلقْ لتمنعَها

مِن التصنت بين الجار والجار

وكان درس حساب تستلذ به

وللمعلم شرحٌ يبلغ الساري

وراحَ يسألُ طلاباً له حضروا

فلم يُجيبوا ، فنادى: أين حُضاري؟

فزاد: عندي لمن يُجيبُ جائزة

فحاوِلوا ، وأنا أدلي بأفكاري

واستأذنتْ خارج الشباك طالبة

لمَّا تعُدْ بينهم لبعض إعسار

فصاح: قولي وهذي بعدُ جائزتي

هذي الخيارات يا (لمياءُ) فاختاري

حتى أجابتْ فنالتْ خيرَ جائزةٍ

ورُحتُ أسألُ في شوق وإنكار

ما سِر هذي أجيبوني بلا كذب؟

يُزري بعالمنا غموضُ أسرار

قالوا: المصاريفُ غولٌ ليس يَصرَعُه

إلا الذي ماله دُرٌ بقِنطار

قال: النقودُ أنا لكم سأدفعُها

خَصَصتُ (لمياءَ) يا قومي بإيثاري

وعادتِ الغادة العصماءُ يَسبقها

حَنينُ عزم له شديدُ إقرار

أن تبذل الجهدَ في سِر وفي عَلن

وأنْ تُفاجئنا بخير أخبار

حتى إذا انتظمَتْ في الدرس وانطلقتْ

وأخلصَتْ دِينها وقولَ أذكار

كانت نتيجتُها الأولى بلا حسدٍ

في مركز أول في عامها الحالي

حتى إذا وصلتْ لثانويتها

غادرتُ قريتها ، أنهيتُ مشواري

وجئتُ (سُوسَة) يَحدُوني الحنينُ لها

تضمُّ أهلي وخِلاني وأصهاري

مكثتُ عشرين عاماً لا أتابعُها

وعاقني بُعدُ بُلدان وأمصار

ما بين (سُوسَتنا) و(باجةٍ) أمَدٌ

ولم يكنْ لي إليها أي أسفار

أخبارُ (لمياء) عني هكذا انقطعتْ

لو باعَ أخبارَها فردٌ أنا الشاري

وجاءني ابني ، وأغراني بمُقترح

فقال: تصحَبني بدون أعذار

 كُليَّة الطب تأتيها تُنوِّرُها

حتى أفاجئهم بسر أنواري

فقلتُ: أذهبُ هذي (تونسٌ) ، وكفى

عَلّي ألاقي بها عَتيقَ سُمَّاري

جلستُ في (الكافتريا) أستعيدُ صَدَىً

لخير طور مضى مِن جُل أطواري

وحَملقتْ فيَّ – يا للخجلة امرأة

إليَّ قد لفتتْ عجيبَ إنظار

وقد عجبتُ لها تُطِيلُ نظرتها

هل أخطأتْ نظراً؟ أم سُوءُ إضمار؟

هنا تساءلتُ: مَن هذي؟ أنا حَذِرٌ

فهل تُفيدُ فؤاي بعضُ أحذاري؟

فقِيل: هذي؟ أجَلْ ، إنا لنعرفها

مشهورة شُهرة زيدتْ بإشهار

 بروفيسورتُنا نارٌ على علم

كما يقولون هل علمت بالنار؟

في الطب عالمة لا يُستهانُ بها

والطبُ (كارٌ) ، وذي مليكة الكار

وأقبلتْ تحمِلُ البُشرى ، وتسألني

ألست تذكرُني يا خيرَ أقماري؟

فقلتُ: لا ، وأنا في الرُّزء مُنجدلٌ

وفوق رأسي رسا ثقيلُ أوقار

مَن أنت؟ قالت: أنا حُطامُ ضائعةٍ

وأنتَ أنقذتها مِن شر أوضار

والدمعُ يغمرُ عينيها وراحتها

يَسيلُ منحدراً يُزري بأنهار

وأكملتْ زبدة التعريف قائلة:

أنا التي عُلتُها في عمر أزهار

أنا التي بعتُ خبزي أستعينُ به

على بلاءٍ غزا في محنةٍ داري

سخرت مالك طوعاً كي تُعلمني

أنا المَدينة من رأسي لأظفاري

واليوم في الطب لي مكانة عظمتْ

والسعي سعيٌ عظيمٌ مُجهدٌ ضاري

 لمياءُ ما نسِيَتْ بانيْ شرافتها

وللتصدُّق أجرٌ ثابت جاري

لو كنتُ شاعرة نظمتُ ماضيَنا

قصيدة نظمُها مِن خير أشعار

أو كنتُ كاتبة كتبتُ قِصتنا

نثراً يفوقُ بها جميع أنثار

حتى إذا فرغتْ مِن حُرِّ خطبتها

بكيتُ مُسترجعاً لطيفَ أقداري

وجهزتْ دعوة طابتْ وليمتها

بدون سابق إعلام وإنذار

دعتْ إليها لفيفاً عَز مَعشرُهم

وأعلمَتْ قومَها بكل إكبار

وناولتْني مِن التقدير أشرفه

ومِن تحايا لأهلي نصفَ قِنطار

وقلتُ ساعتها قولاً أتِيهُ به

وسوف يُذكرُ بعدي بضعَ أدهار

أنا المعلمُ ، والتعليمُ يشهدُ لي

أقول ذلك عن وعي وإقدار

رَعاكِ ربُّك يا (لمياءُ) ما سطعتْ

شمسٌ بضوءٍ ، وعمَّتْنا بأنوار

 

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن احمد علي سليمان عبد الرحيم

احمد علي سليمان عبد الرحيم

1954

قصيدة

احمد علي سليمان عبد الرحيم ولد سنة 1963 في بورسعيد لاسانس اداب لغة انجليزية يقوم بتدريس اللغة الانجليزيه لجيمع المراحل هاوي للشعر العربي من 40 سنة له دواوين 24

المزيد عن احمد علي سليمان عبد الرحيم

أضف شرح او معلومة