الديوان » عبد الكريم المحمود » يا ليلة عاشوراء

يا ليلةً باتت معفّرة الجبين

ومضاءةً عشقاً يتوق الى الشهاده

وبلا هواده

عشقاً يقبّل سيفَ قاتله اللعينْ

ولذلّةٍ لا يستكينْ

يا ليلةً باتت لها تلك الرمالْ

تتبادل النجوى يؤرقها السؤال ..

ماذا سيحدث في الصباحْ ..؟!

هل يعلم القمر المسهّد بالحنينْ ..

ويكاد من أسفٍ يخرّ على البطاح ..

ماذا سيحدث في الصباح ..؟!

وتنهّدت بالهمّ أفئدةُ النجومْ

بل كلُّ ما يحوي القتامْ

كلّ الجياد تنهّدت .. كلّ الخيام

وانتابها حزنٌ تلفّع بالوجومْ

يا ليلةً باتت تُقلّ من الكلام

وتثير ما في الكون من ألمٍ دفينْ

يطوي عصوراً من دماء الأنبياءْ

سالت على درب العدالة والاباءْ

وتأوّهت بيضُ السيوف وساءلت زُرقَ السهامْ ..

أو ساءلت سُمرَ الرماحْ ..

عمّا يجئُ به الصباحْ ..

هل تشرق الشمسُ الحزينة بالضياءْ ..

أم ترتمي أبداً بأحضان الظلام ..؟!

وتظل من خجلٍ تغيب عن الأنام ..؟!

هل يلتقي وجهُ الفرات بذلك الساقي القنوعْ ..

أم يتّقيه بما أفاض من الدموعْ ..؟!

يا ليلةً باتت بها أسمى العيونْ

ترتاد هازئةً ببارقة المنونْ

لكنها تنهلّ من فرح اللقاء مع الحبيبْ

وتردّ من دمع الفراق لمن يغيبْ

يا ليلةَ العطش المرير بلا حدودْ

قد ألهبت نيرانُه خيرَ الكبودْ

والتاع من حرقاته كبدُ الرضيع ..

والأمّ في الخطب الفظيع

ما كنتَ معذوراً بجريك يا فراتْ

لوْ لم تقع في أسر أنذال الطغاة

يا ليلةً باتت تكتّم دمعَها الحوراءُ زينب

وتُطيل من نظر السماء

ترجو وترغب ..

ويكاد يُسمع بين أضلعها الدعاءْ ..

أن لا يفارق عينَها وجهُ الحسين

يا ليلة الوجع الذي بثّته ليلى والرباب

من بابه المحزون يُفتح ألفُ باب

في كل نجوى أو أنين ..

ثارت به (أبتاه) تلفظها سكينة أو رقيّه

وبلا رويّه

مَن سوف يمسح فوق رأسك يا سَكِينهْ ..

إن جاء ضوءُ الصبح بالنذُر اللعينه ..؟!

يا ليلة القيَم العظيمة للمروءة والاخاء

أمسى يُفيض نميرَها قمرُ العشيره

من بعد ما غمرت ضميره

وتجسّدت نصلاً لسيف الكبرياء

فيه المحبة والفداء

ويهزّ أستار الدجى صوتُ الحسين

وإليه تنصرف المدامعْ

من كل سامع ..

أن يا بَنيّ وإخوتي .. يا كل أصحابي الكرام ..

يا أهل بيتي بالسويّه ..

ها قد دنت للنشب أظفار المنيّه

فلتركبوا جملَ الظلام ..

وتفارقوني نحو أصقاع السلام

فدمي وقاء دمائكم ..

وأنا فداء بقائكم ..

جفلت لما سمعته أرواحُ الأباة

وهي الجبال الراسيات ..

أنظلّ بعدك يا حسينُ وأنت تُقتلْ ..؟!

فإلى الهوان حياتُنا والعيشُ حنظلْ

والله لا نرضى بغير القتل دونكْ

أبت المروءة أن نخونكْ

يا ليلة أمست تفوق بصدقها كل الليالْ

ما عاد يصدق ذلك المثلُ المُدار ..

قبلاً: كلامُ الليل يمحوه النهار

بل كل حرفٍ من كلام للرجال

صارت تصدّقه الفعالْ

يا ليلةً عظمت بحسم الاختيار

ما بين فردوس الحسين العاليه

ولَظى يزيد الطاغيه

لا بدّ فيها من قرار

يا ليلة باتت تميز الناسَ طرّا ..

مًن كان عبداً للطغاة وللدنيّه ..

أو كان حرّا ..

لا ينحني ما اشتدّ إعصارُ الرزيّه

مَن باع دين المصطفى بيع العبيد

كي يشتري دنيا يزيد

أو كان مثل إمامه السبط الحسين ..

إذ باع مهجته لربّ العالمين

فحباه مجدَ الخالدين

حين اعتلى حدّ السيوف منادياً بيقينِ ..

أقسمتُ بالله الذي ناداه تحت العرش ظلّي ..

وعزمتُ إلاّ أن أبرّ يميني ..

إن كان دين محمدٍ لا يستقيم بغير قتلي

فيا سيوف خذيني ..

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عبد الكريم المحمود

عبد الكريم المحمود

34

قصيدة

شاعر وباحث عراقي ، مواليد البصرة 1959م ، دكتوراه في الأدب والنقد الحديث من جامعة الكوفة 2009م .

المزيد عن عبد الكريم المحمود

أضف شرح او معلومة