يا أمّة الإسلام كنتم خيرَ مَن ملك الخطابْ
الله أخرجكم شهوداً في الهداية للصواب
فأقامكم وسَطاً بمنهاجٍ وشرعٍ مستطابْ
بعقيدة الإسلام كنتم في الخليقة كالشهاب
ينقضّ ساطعُ نوره وسْطَ الدياجي لا يهابْ
فبدينكم زال الظلامُ عن البريّة والضَبابْ
وعلى رُباها أشرقتْ شمسُ النبوّة والكتابْ
فجرى السرورُ الى نفوس الناس من بعد اكتئابْ
وتنفّسوا الصعَداءَ من بعد اختناقٍ وارتعابْ
وبدينكم في عدلهِ للكادحين العيشُ طابْ
وبه أضاءت للعقول مسالكُ الجهل الصعابْ
وبه أقام الأوّلون حضارة العجَب العُجابْ
فبه تحقق مجدُهم وتناولوا أرقى الطِلابْ
وبهِ أقاموا دولةً للحقّ عالية الجنابْ
وبهِ تهاوتْ للطغاة عروشُ بغيٍ واستلابْ
بجلاله ذلّ الأكاسرُ والقياصرةُ الصِّلابْ
بعَلائهِ حظيَ العبيدُ بعزّة الحرّ المُهابْ
بجَمالهِ شغف القلوبَ بفيضِ حبٍّ وانجذابْ
وبعدلهِ عمّ السلامُ ربوعَ غزوٍ واحترابْ
يا أمّة الإسلام كيف علاؤكم أودى وذابْ
كيف استحال العزُّ ذلّاً لا يريم الى ذهابْ
كيف استباحتْ أرضَكم زُمرُ الثعالب والكلابْ
وتقاسمتْ أشلاءَكم شرُّ الكواسرِ والذئابْ
وتملّكتْ أسماعَكم أصواتُ بومٍ أو غرابْ
فلها ضجيجٌ بينكم فيه النعيقُ أو النُّعابْ
للفحش والإفساد والالحاد تدعو لا تُعابْ
وغدا نداءُ الصالحين الى الفضيلة لا يُجابْ
يا أمّة الإسلام كيف المجدُ خانتْه الحِرابْ
وتهزّم النصرُ الذي ما فرّ يوماً في الغِلابْ
وهوتْ شريعةً أحمدٍ والشرعُ أمسى شرعَ غابْ
وعلى منابركمْ يتيه الكاذبون بلا عتابْ
في بحر جهلٍ طمّكمْ بالفقر والسقم العُبابْ
حتى غدوتمْ في التخلّف غارقين وفي الخرابْ
وتهدّمتْ للحقّ أركانُ المآذن والقبابْ
وعلَتْ عمائرُ باطلٍ وقصورُ بغيٍ واضطرابْ
بالقمع تخنق كلّ صوتٍ صاح من هول المُصابْ
وتُعيدكم لعبادة الأصنام باسم الانقلابْ
فإذا تساءل ناقدٌ فمن السجون له جوابْ
وإذا تحرّك ثائرٌ فمن الرصاص له انصبابْ
وإذا تكلّم عالمٌ فله المشانقُ في ارتقابْ
من تركِ معروفٍ وصولة منكَرٍ جاء التبابْ
فتسلّط الأشرار فيكم مسفرين بلا نقابْ
وتخطّفوا منكم أعزّ الصالحين من الصحابْ
وسعَوا لطمر عيون دينكم المصفّاة العِذابْ
وجرَوا لنشر الفسق فيكم فاتحين لكلّ بابْ
وتناهبوا خيراتكمْ متصارعين على النِّهابْ
ما إن يروا من مَوردٍ إلا وسال له اللعابْ
لجيوبهم أرباحُكم من بعد كدٍّ في اجتلابْ
حتى غدتْ أوطانُكم في الفقر كالأرض اليبابْ
وجثا على أرواحكم همٌّ ثقيلٌ كالهضابْ
يحدو بكم يأسٌ الى موتٍ كما تُحدى الرِّكابْ
لا تهتدون لمَخرجٍ من هوّةٍ فيها العذابْ
ويسوقكم طاغون نحو مجاهلٍ بين الشِّعابْ
يُملون من أهوائهم دستورَ ظلمٍ واغتصابْ
فيه البلاءُ موزّعٌ فالكلّ منه له نِصابْ
والشعبُ فيه حلوبةٌ للمولَعين بالاحتلابْ
ما فيه للاسلام ألا ذِكر إسمٍ باقتضابْ
أو كالقشورِ تخادع الرائي عن المحض اللبابْ
هذي دساتير الذي قد شبّ في زيغٍ وشابْ
لا يهتدي للحقّ مَن عن ربّه ولّى وسابْ
ولدينهِ قلب المجنّ فزاغ في قلبٍ وخابْ
بل في العَداء له على أتباعهِ ظُفُرٌ ونابْ
هذي دساتيرُ السقام المختفي تحت الإهابْ
قد لُفّقتْ أفكارُها بتشرّقٍ أو باغترابْ
لا دينَ فيها خالصاً إلا بإشراكٍ يُشابْ
يا أمّة الإسلام هل عنكم حصيفُ الرأي غابْ
حكَم الإلهُ بظلم مَن عن حكْمه وضع الحجابْ
وبفسقهِ وبكفرهِ وله جهنّمُ في المآب
يا أمّة الإسلام هل ترجون ماءً من سرابْ
عودوا لساحة دينكم وتسابقوا نحو المتابْ
أُصحوا وهبّوا رهبةً من قبل أن يأتي العقابْ
ها قد بدتْ سيماؤه كالبرق يومض في السحابْ
هيّا أفيقوا واهرعوا نحو الهدى دون ارتيابْ
لله صلّوا واركعوا وضعوا الجباه على الترابْ
واستغفروا لذنوبكم وادعوه عتقاً للرقابْ
وأخَصُّ مَن يدعو بكم، ألبالغون من الشبابْ
فبهم تُنزّل رحمةٌ ولهم دعاءٌ مستجابْ
فلتهتفوا بشبابكم: لله جِدّوا في الإيابْ
ودعوا التجادلَ بينكم ودَعوا التخاصمَ والسبابْ
وذروا الخنا في منطقٍ وطِباعَ مذموم الدّوابْ
ودَعوا معازفَ ضجّةٍ وغناءَ فحشٍ واصطخابْ
ودَعوا المراقصَ والملاهي والمخدّرَ والشرابْ
لا تقطعوا ما بينكم صلةَ الإخاء بالاغتيابْ
وتعاونوا في البِرّ والتقوى بإخلاص التحابْ
لجهاد أنفسكم عن الآثام كونوا في انتدابْ
ولصدِّ أعداء الفضيلة لا تَوانوا عن ضِرابْ
ولغير حكم الله لا تُدلوا بصوتٍ في انتخابْ
وتنافسوا في العلم طلّاباً بودٍّ واصطحابْ
والى المزارع والمصانع شمّروا في الاكتسابْ
وابنوا بلاداً لا تعاني في المصاعب من سَغابْ
بل للتقدّم سيرُكم بصدور أبطالٍ رِحابْ
وشعارُكم إعملْ بإخلاصٍ تنل حسْنَ الثوابْ
لا تطلبوا إلّا رضاءَ الله في يوم الحسابْ
وبذا سيرجع مجدُكم ويعود عزٌّ من غيابْ
34
قصيدة