الديوان » احمد علي سليمان عبد الرحيم » المقابر تتكلم 9 ميت يعزي نفسه!

عدد الابيات : 41

طباعة

زوانيَ الموتُ عن أهلي وعن وطني

  وزجَّ بي الوَجْدُ في مَرثيَّة الوَهنِ

  واشحَوحَبَ الجسدُ البالي على عَجَل

  فرْداً يواسِي زوالَ المَنظر الحَسن

يبكي على نضرة الأحوال جندلها

  حتفٌ مُبيرٌ دهى محاسنَ البدن

ينعِي رحيلي وحيداً عن بُلهنيةٍ

  ما كان قلبي بها يوماً بمُفتتن

يأسى أسيفاً لِما أودَى بعَزمته

  يشكو أسى عاثر البلواء والمِحن

ما قصَّرَ الأهلُ في تغسيل ميِّتهم

  بالدمع قبل طهور الماء يُنْظِفني

حتى إذا فرغوا جاؤوا بمنشفةٍ

  فجففوا الماء مشفوعاً به دَرَني

ومدَّدوا الجسمَ لدْناً لا حِراك بهِ

  وبعدُ لفوه في لفائف الكفن

وأخرجوني من الدار التي احتفلتْ

  بالمُكث في أمِّها ردحاً من الزمن

والأهل قد حملوا الجثمانَ عن رغب

  ما عاد للمَيْت مِن أهل ولا وطن

وللجنازة معناها ومَحفلها

  إذا أقيمتْ على شرائط السَّنن

وجُلُّ مَن حضروا حقاً ذوو عمل

  مِن البوادي أتوا ، أو شاطن المدن

ألغوا مواعدَهم ، وأقبلوا قدُماً

  وفي الوجوه تعابيرٌ من الحَزَن

الناصحون أتوا ، والهازلون أتوا

  وشارك البعضُ مِن شام ومِن يمن

وعند قبري انتهتْ آثارُ مِحنتهم

  فلم يَعُدْ أحدٌ منهم بممتحن

والبعضُ أعلنَ في الشجوى تكلفه

  ونالني منه أطيافٌ من الشجن

حتى إذا غيَّبَ اللحَّادُ جثتهُ

  وردَّ (كُوفرتة) والشالَ ذا الشطن

حلا الدعاءُ لقوم كنتُ رائدَهم

  دعَوا لعبدٍ بلطف الله مرتهن

والبعضُ صافحَ مَن جاؤوا يُشاطرُهم

  بمنطق لبق مِن مُفصِح لسن

وعاد كلٌّ إلى أهليه ملتهياً

  كأنه لم يعِشْ شيئاً من الإحن

وعِشْتُ وحدي بقبري مؤنسي عملي

  ما كنتُ أصنعُه في السر والعلن

كم اشتريتُ ، وما باليتُ عاقبة

  واليوم أدفعُ جَبراً غاليَ الثمن

وكم تجَرَّأتُ مُغترَّاً بمَغفرةٍ

  وكم عصيتُ ، وربُّ الناس يرقبني

وكم بذلتُ خيوراً لستُ أعلمُها

  وكم رحِمتُ لعل الله يرحمني

وكم تحمَّلتُ أعباءً مُتلتلة

  كالبحر لم تُضنِه حُمولة السفن

واليوم أمتِعتي حِيزتْ لمَن ورثوا

  يقول كلٌ: هُدى الإسلام ورَّثني

أين المفاتيحُ لم تفتح لصاحبها

  باباً فعنها نأى في مَدفن شطن؟

أين الحقائبُ لم تحمل ملابسَه

  لها عليه كبيرُ الفضل والمِنن؟

أين الديارُ نأى بالموت ساكنُها

  لمَّا تعُدْ للذي قد مات بالسكن؟

فلن يعود لها ، ولن تعود له

  ذي سُنة ، كلنا نحيا على السُّنن

وأين أحذية تزهو بلابسها؟

  اليوم لمَّا يَعُد للبس بالقمِن

أين الملابسُ؟ مَن بعدي سيلبسُها؟

  اليوم ذا كَفني بالطوع يلبسني

وعِيشة الناس من بعدي فما وقفتْ

  عليَّ لمَّا يكنْ فردٌ بمرتكن

والمالُ أضحى حلالاً للألى خلفوا

  وعنه ربُّ الورى في الحشر يسألني

وسوف أنسى كما نسِيتُ مَن سبقوا

  فمَن مِن الأهل بعد اليوم يذكرُني؟

عَزيتُ نفسي بنفسي غيرَ مكترثٍ

  كالطير غرَّدَ محبوراً على فنن

لم تُنسني متعُ الدنيا نهايتها

  لأنني لم أعشْ فيها على دَخَن

إني أصارحُ أقواماً بها فتنوا

  لن تستفيدوا من الفوضى ولا الفتن

والقول أطلقه بلا مُواربةٍ

  كالقول أطلقه بنصه المرن

عُودوا إلى الله واحتاطوا لمِيتتكم

  والموتُ في غربةٍ كالموت في الوطن

 

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن احمد علي سليمان عبد الرحيم

احمد علي سليمان عبد الرحيم

1919

قصيدة

احمد علي سليمان عبد الرحيم ولد سنة 1963 في بورسعيد لاسانس اداب لغة انجليزية يقوم بتدريس اللغة الانجليزيه لجيمع المراحل هاوي للشعر العربي من 40 سنة له دواوين 24

المزيد عن احمد علي سليمان عبد الرحيم

أضف شرح او معلومة