بصوت :
عدد الابيات : 47
1
أَلَا إنَّ لِلْبُعْدِ عُذْرٌ وَمَا أَحْلَى اللَّقَاءَ
وَتَبَّتْ يَدُ الْعُذْرِ إِنَّ الدَّهْرَ غَدَّارُ
زُيِّنَتْ فِي الْعُيُونِ غُرْبَةٌ فَخَرَّتْ
بِهَا الْعِظَامُ وَضَعُفَتْ كَأَنَّهَا أَحْجَارُ
لَعِبَ الزَّمَانُ بِجَمْعِنَا وَرَمَى بِنَا
سُرِقَتْ مِنَّا الْأَجْسَادُ وَالأَعْمَارُ
فِي الدَّهْرِ يَوْمَانِ: يَوْمٌ فِيهِ السَّعْدُ
وَآخَرٌ فِيهِ ضَنْكٌ وَآلامُهُ أَكْدَارُ
وَلِلْإِنْسَانِ عُمْرَانِ: زَهْوُ الشَّبَابِ
وَأَرْذَلُ الْعُمُرِ فِيهِ السَّيْفُ بَتَّارُ
مَسْلُولٌ سَيْفُ الزَّمَانِ عَلَى ابْنِ آدَمَ
لَا يُفْلِتُ مِنْ حَدِّهِ أَخْيَارٌ وَلَا أَشْرَارُ
إنْ جَاءَ يَلْمَعُ نَصْلُهُ فَالْكُلُّ صَرْعَى
فِي هَشَيْمِ نَارٍ أَوْقَدَهَا إِعْصَارُ
يَا مُفْتِيَ الْعُشَّاقِ إِنِّي سَائلٌ:
مَا الْفَتْوَى لِمَا يَفْعَلُ الْفُجَّارُ؟
أَتُفْتِي بِلَهْوِ الْحَدِيثِ وَجَوَازِهِ
أَيْنَ أَنْتَ مِمَّا قَالَهُ الْمُخْتَارُ؟
يُفْتُونَ فِي العِشْقِ بِغَيْرِ فَضِيلَةٍ
أَلَا إِنَّهُمْ فِي قَوْلِ الْغِوَايَةِ تُجَّارُ
أَلَا أَنِّي لَا أَرَى فِي العُشَّاقِ خَيْرًا
كَأَنَّ أَعْيُنَهُمْ فَيْضٌ يَسِيلُ مِدْرَارُ
يَلْهَثُونَ وَرَاءَ الْأَوْهَامِ بِاضْطِرَابٍ
فِي كُلِّ وَادٍ يَهْذِي اللِّسَانُ مِهْذَارُ
أُرْدُوُا فيه كَالكُمَاةِ فَكَانُوا هَبَاءً
أَلَا إِنَّهُمْ فِي دُجًى دَاهِمٍ أَغْرَارُ!
صُقِعَ الْعُشَّاقُ فَأَصْبَحَتْ أَحْلَامُهُمْ
كَدَقِيقِ جَمَّاعٍ فَوْقَ شَوْكٍ عَافَهُ بَزَّارُ
فُؤَادُ العَاشِقِ كُلٌّ وَالْعَقْلُ غَائبٌ
وَفِي غِيَابِهِ ضَاعَتْ الْأَسْرَارُ
وَمَا بَيْنَ عَقْلٍ مَغَيَّبٍ وَفُؤَادٍ
تَائِهٍ مَاتَتْ هَيْبَةُ المُحَيَّا وَالْأَنْوَارُ
مَنْ رَامَ الْمَجْدَ الْأَثِيلَ سَعَى لَهُ
كَأَنَّ الْعُلَا لَهُ سَاحَةٌ وَمِضْمَارُ
وَمَنْ آثَرَ الْعَيْشَ فِي الْقَيِعَانِ
كَأَنَّهَا لَهُ مَرْتَعٌ وَسَكَنٌ وَجِوَارُ
بَقِيَ فِي ذَيْلِ الْقَافِلَةِ مُتَخَلِّفًا
عَنْ سَيْرِ أَقْرَانِه أَيْنَمَا سَارُوا
نُدْرٌ هُمْ مَنْ يُحَافِظُونَ عَلَى الْوِدَادِ
عِطْفٌ هُمْ إِنْ تَقَلَّبَتْ الْأَيَّامُ أَخْيَارُ
إِنْ جُنَّ لَيْلٌ رَوَوْا للأَطَايِبِ أَسْرَارًا
وَفِي حُلْكَةِ اللَّيْلِ حَيَاةً تَرْوِيهَا أَقْمَارُ
لَا يُغَيِّرُهُمْ بَأْسٌ وَلَا يُغَيِّرُهُمْ
حَالٌ وَبَيْنَ النَّاسِ هُمْ الْأَطْهَارُ
وَإِنْ عَزَفَ
النَّايُ أَلْحَانَهُ شَوْقًا غَرَّدَ
الْقَلْبُ: أَيْنَ الْأَهْلُ وَأَيْنَ هي الدَّارُ؟
45
قصيدة