الديوان » عبد المجيد أيت عبو » قصة الأسد والبعوضة

عدد الابيات : 50

طباعة

حَكَى أَدِيبٌ عَاقِلٌ أَرِيبُ

فِيمَا رَوَى وَهْوَ الفَتَى اللَّبِيبُ

أَنَّ بَعُوضَةً غَدَتْ تَسِيرُ

يَوْماً بِقُرْبِ بَيْتِهَا تَطِيرُ

بَحْثاً عَلَى الْمَعَاشِ لِلأَوْلاَدِ

بِالسَّعْيِ فِي الـجِبَالِ وَالوِهَادِ

تَبْذُلُ كُلَّ الوُسْعِ فِي الإِتْيَانِ

بِقُوتِهِمْ وَالعَطْفِ بِالْحَنَانِ

تُحِبُّ فِعْلَ الْخَيْرِ لِلْجَمِيعِ

لاَ تُؤْثِرُ الأَعْلَى عَلَى الْوَضِيعِ

وَالْحُسْنُ فِي الْخُلْقِ لَهَا شِعَارُ

يُحِبُّهَا الكِبَارُ وَالصِّغَارُ

وَهْيَ بِهَذَا الْخُلُقِ الرَّزِينِ

نَشِيطَةٌ تَعْمَلُ كُلَّ حِينِ

تُلْقِي عَلَى مَنْ رَأَتِ التَّحِيَّهْ

بِنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ صَفِيَّهْ

مَرَّتْ عَلَى الأَسَدِ ذَاتَ يَوْمِ

مُعَظَّماً مُبَجَّلاً فِي الْقَوْمِ

حَيَّتْهُ بَيْنَ القَوْمِ بِالسَّلاَمِ

قَالَتْ لَهُ بِاللُّطْفِ وَالإِكْرَامِ

أَهْلاً أَبَا الْحَارِثِ كَيْفَ الْحَالُ

بِذِكْرِكُمْ تُعَطَّرُ الأَقْوَالُ

أَنَالَكَ الْمَوْلَى العَلِي إِنْعَامَهْ

وَدُمْتَ فِينَا مُكْرَماً أُسَامَهْ

وَلَمْ يَرُدَّ الأَسَدُ السَّلاَمَا

أَوْ يُبْدِ مِنْ أَخْلاَقِهِ الإِكْرَامَا

قَالَتْ لَهُ عَفْواً فَهَذَا العَمَلُ

مِنْكَ قَبِيحٌ سَيِّءٌ لاَ يُقْبَلُ

هَدْيُ الكِرَامِ الرَّدُّ لِلسَّلاَمِ

مُسْتَبْشِرِينَ طَيِّبِي الكَلاَمِ

مَالِي أَرَاكَ اليَوْمَ لَيْثاً نَكِدَا

مُقَطَّبَ الْوَجْهِ عَبُوساً مُزْبِدَا

قَالَ لَهَا عَجِبْتُ مِمَّا أُبْصِرُ

بَعُوضَةٌ حَقِيرَةٌ تُزَمْجِرُ

أَنَا العَزِيزُ الشَّهْمُ فِي العَرِينِ

وَلَيْسَ لِي فِي الْغَابِ مِنْ قَرِينِ

أَنَا الْهِزَبْرُ القَسْوَرُ الضِّرْغَامُ

غَضَنْفَرٌ وَضَيْغَمٌ مِقْدَامُ

تَسْلَمُ مِنِّي الوَحْشُ بِالنَّفِيرِ

وَتَرْهَبُ السِّبَاعُ مِنْ زَئِيرِي

وَأَنْتِ يَا أَحْقَرَ خَلْقِ اللهِ

قَابَلْتِنِي بِجُرْأَةِ الْمُبَاهِي

لَئِنْ نَطَقْتُ بِاسْمِكِي جِهَارَا

مَضْمَضْتُ بِالْمَاءِ النَّقِي اسْتِقْذَارَا

قَالَتْ لَهُ تَحَلَّ بِالْحَيَاءِ

وَلِنْ فَإِنَّ الكِبْرَ شَرُّ دَاءِ

قَالَ أَتَيْتِ حَتْفَكِ الْمُحَتَّمَا

وَمَنْ سَعَى لِحَتْفِهِ لَنْ يَنْدَمَا

كَمَنْ سَعَى لِحَتْفِهِ بِظِلْفِهِ

أَوْ جَادِعٍ لأَنْفِهِ بِكَفِّهِ

لَتَرَيِنَّ وَثْبَةَ الأُسُودِ

لأَنْسِفَنَّكِ عَنِ الوُجُودِ

قَامَ لَهَا مُجَاوِزاً عَرِينَهْ

أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالْمِسْكِينَهْ

فَأَقْبَلَتْ أَمَامَهُ تَقُولُ

مَهْلاً عَلَى رِسْلِكَ يَا جَهُولُ

لأَشْرَبَنَّ مِنْ دِمَاكَ الْجُرَعَا

وَآكُلَنْ لَحْمَكَ حَتَّى أَشْبَعَا

فَازْدَادَ غَيْظُ اللَّيْثِ قَدْ آذَاهُ

صُمُودُهَا وَالْهَمُّ قَدْ عَلاَهُ

فَانْهَالَ بِالضَّرْبِ يُرِيدُ قَتْلَهَا

ذَاتَ اليَمِينِ وَالشِّمَالِ سَفَهَا

لَكِنَّهَا تَحْذَرُ كُلَّ الْحَذَرِ

تُرَاوِغُ الضَّرْبَ بِحَزْمٍ وَافِرِ

وَتَتَّقِي شَرَّ العُدُوِّ إِذْ عَرَضْ

وَلَدَغَتْ عَيْنَ الْهِزَبْرِ فَانْتَفَضْ

وَصَاحَ مِنْ فَرْطِ الَّذِي قَدْ نَزَلاَ

وَأَفْقَأَ العَيْنَ فَأَدْمَى الْمُقَلاَ

وَهَاجَ كَالثَّوْرِ مِنَ الآلاَمِ

يَخْبِطُ كَالعَشْوَاءِ فِي الظَّلاَمِ

فَانْهَارَ إِذْ قَدْ سَقَطَتْ قُوَاهُ

سَالَتْ دِمَاهُ وَانْطَفَا سَنَاهُ

بَلْ قَدْ هَوَى الضِّرْغَامُ فِي بَعْضِ الزُّبَى

فَصَارَ لَحْماً مُسْتَسَاغاً لِلظِّبَا

قَدْ كَانَ حَتْفَهُ بِلاَ ارْتِيَابِ

فَاعْجَبْ لِهَذَا الْخَبَرِ العُجَابِ

فَلْتَقْتَنِصْ مِنْهُ الدُّرُوسَ وَالعِبَرْ

وَالأَلْمَعِيُّ مَنْ بِغَيْرِهِ اعْتَبَرْ

فَفِيهِ ذَمُّ الكِبْرِ وَالطُّغْيَانِ

وَالاِحْتِقَارِ لِبَنِي الإِنْسَانِ

فَالكِبْرُ مَا أَحَبَّهُ الرَّحْمَنُ

وَلاَ دَعَا لِمَدْحِهِ الإِيـمَانُ

وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ فِي ذِي الكِبْرِ

يُحْشَرُ فِي غَدٍ كَمِثْلِ الذَّرِّ

يَطَأُهُ العِبَادُ بِالأَقْدَامِ

جَزَاءَ مَا يَفْعَلُ بِالأَنَامِ

مَا عُدَّ فِي الأَخْلاَقِ كَالتَّوَاضُعِ

فَهْوَ لِنَيْلِ الْمَجْدِ خَيْرُ رَافِعِ

فَالْزَمْ هُدِيتَ غَرْزَهُ الْزَمَنَّهُ

دَعْ عَنْكَ الاِحْتِقَارَ وَانْبُذَنَّهُ

فَبِالتَّوَاضُعِ تَتِمُّ النِّعَمُ

وَبِالتَّكَبُّرِ تَحُلُّ النِّقَمُ

مَا ازْدَادَ عَبْدٌ فِي الوَرَى تَوَاضُعَا

إِلاَّ سَمَا بَيْنَ العِبَادِ مَوْضِعَا

وَمَا جَنَى ذُو الكِبْرِ وَالطُّغْيَانِ

إِلاَّ الْمَذَلَّةَ مَعَ الْهَوَانِ

قَدْ قَالَ أَهْلُ الْحِلْمِ وَالعِرْفَانِ

مِمَّنْ مَضَى فِي سَالِفِ الأَزْمَانِ

لاَ تَحْقِرَنْ مَهْمَا رَأَيْتَ أَحَدَا

فَرُبَّمَا أَرْدَى البَعُوضُ الأَسَدَا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عبد المجيد أيت عبو

عبد المجيد أيت عبو

3

قصيدة

عبد المجيد أيت عبو متزوج، من مواليد 1982 أستاذ مادة اللغة العربية باحث في الدراسات العربية والإسلامية حاصر على ماستر في الدرس اللغوي والخطاب القرآني حاصل على دكتوراه في الدرس اللغوي والخ

المزيد عن عبد المجيد أيت عبو

أضف شرح او معلومة