نحن ممثلون على مسرحٍ ضائع بلا كاتبٍ ولا مخرج، نرتجل أدوارنا تحت أضواءٍ شاحبة، تبهت كلما اقتربنا من أسرار النهاية. نهرب من كلماتٍ تتعثر فينا، كأنها جرحٌ خفي يحمل شظايا أرواحنا، ننطق بما لم يُقال، ونغني ألحاناً لا يسمعها سوى الصمت، نضحك، نبكي، نثور، بينما الستار يرقبنا كعينٍ باردة، كأننا وهمٌ في ذاكرة الريح. لا تصفيق ولا جمهور، نحن وحدنا، وجوهٌ تبحث عن ملامحها في ظلالٍ عابرة، تُصارع خُطىً ضائعة على خشبةٍ تبتلع صدى أحلامنا، نصرخ بصمت، نتحاشى المرايا كي لا نرى أنفسنا متشظيةً في أعين الآخرين. لم يبقَ منا سوى همساتٍ تتردّد في الفراغ، نبضاتٌ تخدش جدران الصمت، في محاولةٍ يائسة للتشبث بظلٍّ يتلاشى من بين أصابعنا. كنا نبحث عن ذواتنا في عيون بعضنا، نسعى للخلود في لحظةٍ تشهد أننا عبرنا، لكن الأدوار تهرب، والكلمات تنفلت، كحلمٍ لم يُكتب له الاكتمال. كل ما بقي منا آثارٌ باهتة، خطىً تُطوّقها الحيرة، وأحلامٌ تُركت هامدةً على حوافّ الخشبة. نحن نركض على شفير الهاوية، كأننا أبطالٌ في مسرحيةٍ لم تكتب نهايتها، لكن الشهداء هم وحدهم من يسجلون آخر الكلمات. تلك الأرواح التي صعدت من رماد الألم، نورها لا ينطفئ، تُخلف وراءها صدىً يخترق ذاكرة الزمن. ينزل الستار، ببطءٍ ثقيل، يلفنا بظلالٍ كثيفة، ثم يبتلع ضجيجنا، كأننا خيالٌ أفل قبل أن يُولد، كأننا لم نكن يوماً على هذه الخشبة.