الديوان » مظاهر ريسان » رقمٌ في زمرة النرد

سنعود...
بعد أن كنا نغرس في صدور الأرض جذراً،
وبين أضلع الريح راية،
نقاوم الظل الذي لا يتعب،
ونطارد في كل درب
وهْماً صار وطناً،
وقبضة غبارٍ ظنناها سماء. 
 
لكننا عدنا صفراً،
رقمًا في زمرة النرد،
نتأرجح بين وجعٍ وستة،
وحظٍ وخسارة،
تتلاشى التضحيات
حين يهوى الكعب الأخير
على ظهر طاولة مائلة. 
 
تهلهل النساء في صلواتهن،
يعصرن الوجع في الدعاء،
أن يحفظ الله الرقم خمسة
في لعبة تسرق الأبناء من أرواحهن،
وتتركهن يرضعن الغياب. 
 
وفي ذلك الرقم،
تنهار الأماني كجسر عتيق،
وتجري الدبابة على عظام من قالوا:
"سنبني صباحاً جديداً،
ولو من بقايا الليل." 
 
وفي زمرة النرد،
تتكشف الوجوه التي أُلقيت للقدر،
وجوه بلا أسماء،
أرقامٌ تساقطت على طاولة الحرب،
كل رقم فيها يروي حكاية موتٍ
وعبثيةً لا تنتهي. 
 
النرد لا يرحم،
يقذفنا في أتون معركة
لا تعرف العدالة،
ستةٌ تُدحرج الدبابة فوق الصدور،
وخمسةٌ تُسقط البيوت فوق أحلام الأطفال،
وأربعةٌ تُغرق الطرقات بالدماء
حتى يصير الشارع نفسه قبراً. 
 
ثلاثةٌ تُبقي الأرامل في عزاء،
واثنان تُشعل صراعاً
لا يترك للحياة سوى رماد.
أما الواحد،
فهو وطنٌ وحيدٌ،
ينتحب في العتمة
بين أنقاض نفسه. 
 
يا وطن النرد،
أصبحنا أرقاماً متناثرةً،
كل رقم فينا خيانة،
كل وجهٍ فينا شهادة موت
تُوقعها أصابع الغريب.
نلعب،
لكننا لا نفوز.
نُقتل،
لكننا لا نموت كامليْن. 
 
النرد وطنٌ كاذب،
وكل مرة يُلقى فيها،
تُكتب خسارة جديدة،
وتُمحى ملامحنا
في ركام المدن التي صارت
مجرد أرقامٍ أخرى
على خرائط الزمن. 
 
سنعود...
لكن حين نعود،
لن نجد سوى صدى أرواحنا
يصرخ في الفراغ،
ووطنٌ يشبه كفناً يغطي
جثث أحلامنا التي
لم تُدفن بعد،
سنعود...
ونجد النرد مُلقى فوق عظامنا،
يرقص على أشلاء أحلامنا،
ووطناً يصفق للموت في كل زاوية،
سنعود لكن النرد سيظل يُلقي أحكامه علينا،
رقماً خاسراً في لعبة لا نهاية لها.
 
 

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن مظاهر ريسان

مظاهر ريسان

15

قصيدة

مظاهر ريسان، كاتب وباحث وشاعر، لدي العديد من القصائد ومن ابرزها: الذكرى الأخيرة، وحيدٌ انت ايها المنسي، الخ...

المزيد عن مظاهر ريسان

أضف شرح او معلومة