الديوان » العصر الأندلسي » ابن خفاجه » أما والتفات الروض عن أزرق النهر

عدد الابيات : 65

طباعة

أَما وَاِلتِفاتِ الرَوضِ عَن أَزرَقِ النَهرِ

وَإِشراقِ جيدِ الغُصنِ في حِليَةِ الزَهرِ

وَقَد نَسَمَت ريحُ النُعامى فَنَبَّهَت

عُيونَ النَدامى تَحتَ رَيحانَةِ الفَجرِ

وَخِدرِ فَتاةٍ قَد طَرَقتُ وَإِنَّما

أَبَحتُ بِهِ وَكرَ الحَمامَةِ لِلصَقرِ

وَقَدٍّ خَلَعتُ البُردَ عَنهُ وَإِنَّما

نَشَرتُ بِهِ طَيَّ الصَحيفَةِ عَن سَطرِ

لَقَد جُبتُ دونَ الحَيِّ كُلَّ تَنوفَةٍ

يَحومُ بِها نَسرُ السَماءِ عَلى وَكرِ

وَخُضتُ ظَلامَ اللَيلِ يَسوَدُّ فَحمُهُ

وَدُستُ عَرينَ اللَيثِ يَنظُرُ عَن جَمرِ

وَجِئتُ دِيارَ الحَيِّ وَاللَيلُ مُطرَفٌ

مُنَمنَمُ ثَوبِ الأُفقِ بِالأَنجُمِ الزُهرِ

أَشيمُ بِها بَرقَ الحَديدِ وَرُبَّما

عَثَرتُ بِأَطرافِ الرُدَينِيَّةِ السُمرِ

فَلَم أَلقَ إِلّا صَعدَةً فَوقَ لامَةٍ

فَقُلتُ قَضيبٌ قَد أَطَلَّ عَلى نَهرِ

وَلا شِمتُ إِلّا غُرَّةً فَوقَ شُقرَةٍ

فَقُلتُ حَبابٌ يَستَديرُ عَلى خَمرِ

وَدونَ طُروقِ الحَيِّ خَوضَةُ فَتكَةٍ

مُوَرَّسَةِ السِربالِ دامِيَةِ الظِفرِ

تَطَلَّعُ في فَرعٍ مِنَ النَقعِ أَسوَدٍ

وَتَسفُرُ عَن خَدٍّ مِنَ السَيفِ مُحَمَرِّ

فَسِرتُ وَقَلبُ البَرقِ يَخفُقُ غَيرَةً

هُناكَ وَعَينُ النَجمِ تَنظُرُ عَن شَزرِ

وَطارَ إِلَيها بي جَناحُ صَبابَةٍ

فَطارَ بِها عَنّي جَناحٌ مِنَ الذُعرِ

فَقُلتُ رُوَيداً لاتُراعي فَإِنَّنا

لَنَطوي ضُلوعَ اللَيلِ مِنّا عَلى سِرِّ

وَسَكَّنتُ مِن نَفسٍ تَجيشُ مَروعَةٍ

وَمَسَّحتُ عَن عِطفٍ تَمايَلَ مُزوَرِّ

وَمَزَّقتُ جَيبَ اللَيلِ عَنها وَإِنَّما

رَفَعتُ جَناحَ النَسرِ عَن بَيضَةِ الخِدرِ

وَقَبَّلتُ ما بَينَ المُحَيّا إِلى الطُلى

وَعانَقتُ ما بَينَ التَراقي إِلى الخَصرِ

وَأَطرَبَ سَجعُ الحَليِ مِن خَيزُرانَةٍ

تَميلُ بِها ريحُ الشَبيبَةِ وَالسُكرِ

غَزالِيَّةُ الأَلحاظِ ريمِيَّةُ الطُلى

مُدامِيَّةُ الأَلمى حَبابِيَّةُ الثَغرِ

تَرَجَّحُ في مَوشِيَّةٍ ذَهَبِيَّةٍ

كَما اِشتَبَكَت زُهرُ النُجومِ عَلى البَدرِ

تَلاقى نَسيبي في هَواها وَأَدمُعي

فَمِن لُؤلُؤٍ نَظمٍ وَمِن لُؤلُؤٍ نَثرِ

وَقَد خَلَعَت لَيلاً عَلَينا يَدُ الهَوى

رِداءَ عِناقٍ مَزَّقَتهُ يَدُ الفَجرِ

وَلَمّا تَجَلّى ضَوءُ صُبحٍ كَأَنَّهُ

مَشيبٌ بِفَودِ اللَيلِ طالِعَ مِن قَطرِ

وَحَطَّ رِداءَ الغَيمِ عَن مَنكِبِ الصَبا

وَنَمَّ عَلى ذَيلُِ الدُجى نَفسُ الزَهرِ

صَدَرتُ وَدونَ النَجمِ سِترُ غَمامَةٍ

يَشِفُّ كَما شَفَّ الرَمادُ عَنِ الجمرِ

وَلا لَيلَ إِلّا بِالثَوِيَّةِ أَقمَرٌ

تَنَفَّسَ في السُكرُ عَن نَفحَةِ الشُكرِ

وَلا كَفَّ إِلّا لِلأَميرِ كَريمَةٌ

تَبَسَّمَ فيها النَصلُ عَن مَبسِمِ النَصرِ

وَهَبَّ بِها يَمضي فَيَفري كَأَنَّما

شِهابٌ بِها يَنقَضُّ أَو قَدَرٌ يَجري

فَلِلَّهِ مَحمولٌ هُناكَ وَحامِلٌ

بَعيدُ مَجالِ الصَوتِ وَالصيتِ وَالذِكرِ

تَلوذُ المُنى مِنهُ بِأَصيَدَ أَمجَدٍ

صَقيلِ فِرِندِ الحَمدِ وَالمَجدِ وَالبِشرِ

وَأَبلَجَ مَنصورِ اللِواءِ إِذا سَرى

أَظَلَّت عُقابُ النَصرِ أَجنِحَةُ النَسرِ

عَلَيهِ يَمينٌ أَن تَفيضَ يَمينُهُ

وَأَن لا يَغُضَّ السَيفُ جَفناً عَلى وِترِ

يَعُبُّ عُبابَ البَحرِ في السِلمِ وَالوَغى

بِبَذلِ اليَدِ الغَرّاءِ وَالفَتكَةِ البِكرِ

لَهُ رايَةٌ لَو زاحَمَ الدَهرُ تَحتَها

لَعُدَّت بِهِ دُهمُ اللَيالي مِنَ الشُقرِ

وَعَزمٌ يُذِلُّ الطَودَ هَدّاً وَنَجدَةٌ

تَهُزُ قُدودَ السُمرِ في الحُلَلِ الحُمرِ

وَوَجهٌ وَضيءٌ شَفَّ عَنهُ لِثامَهُ

كَما شَفَّ رَقراقُ الغَمامِ عَنِ البَدرِ

إِذا كَتَمتَهُ بِالمَفاضَةِ دِرعُهُ

تَراءى هِلالٌ مِنهُ يَطلُعُ مِن بَحرِ

سَرى بَينَ نُوّارٍ لِزُرقِ أَسِنَّةٍ

حِدادٍ وَأَوراقٍ لِراياتِهِ خُضرِ

فَهَزَّت إِلَيهِ عِطفَها كُلَّ رايَةٍ

تَهُزُّ عَلَيهِ الغُصنَ في الوَرَقِ النَضرِ

وَحَنَّ إِلَيهِ كُلُّ وِردٍ مُحَجَّلٍ

كَأَنَّ لُجَيناً سالَ مِنهُ عَلى تِبرِ

يَجولُ في عَنانٍ بِهِ الصَبا

وَيَزخُرُ في لِبدٍ بِهِ البَحرُ في البَرِّ

وَأَشهَبُ وَضّاحٌ تَحَمَّلَ رُقعَةً

مِنَ الحُسنِ لَم تَعبُر بِهِ العَينُ في بَسرِ

تَحُطُّ سُطورَ الضَربِ في صَدرِهِ الظُبى

وَيَعجِمُها وَخرُ المُثَقَّفَةِ السُمرِ

وَيَدرُجُ مِنهُ السِلمُ ما تَنشُرُ الوَغى

فَطَوراً إِلى طَيٍّ وَطَوراً إِلى نَشرِ

وَأَدهَمُ لَولا أَنَّهُ راقَ صورَةً

لَما عَرَفَتهُ العَينُ مِن لَيلَةِ الهَجرِ

طَويلُ سَبيبِ العُرفِ وَالعُنقِ وَالشَوى

قَصيرُ عَسيبِ الذَيلِ وَالأُذنِ وَالنَسرِ

لَهُ غُرَّةٌ تَستَصحِبُ النَصرَ طَلقَةٌ

كَفاكَ بِها في سَورَةِ الحَشرِ مِن عَشرِ

أَما وَاِنتِشارِ النَقعِ عَنهُ صَحيفَةً

لَقَد راعَ في تِلكَ الصَحيفَةِ مِن حِبرِ

وَنالَ فَطيماً سُؤدُدَ الكَهلِ في الصِبا

فَتَمَّ تَمامَ البَدرِ في غُرَّةِ الشَهرِ

وَحَلَّت بِهِ الآمالُ وَهيَ شَريفَةٌ

مَحَلَّ لَيالي الصَومِ مِن لَيلَةِ القَدرِ

لَبيبٌ فَما نَدري أَرَأياً لِحادِثٍ

يُبَيِّتُ أَم سَهماً لِشاكِلَةٍ يَبري

تَقَسَّمَهُ جودٌ يَفيضُ وَهِمَّةٌ

فَمِن مَنهَلٍ غَمرٍ وَمِن جَبَلٍ وَعرِ

لَهُ كُلُّ نُعمى بَيَّضَت كُلَّ صَفحَةٍ

بِكُلِّ مَكانٍ فَالبَهيمُ مِنَ الغُرِّ

فَلَو مَسَحَت يُمناهُ عَن وَجهِ لَيلَةٍ

لَحَطَّت قِناعَ اللَيلِ عَن قَمَرٍ يَسري

رَمَيتُ بِآمالي إِلَيهِ وَإِنَّما

حَمَلتُ بِها المَرعى الجَديبَ إِلى القَطرِ

وَلا أَمَلٌ إِلّا كِتابُ شَفاعَةٍ

إِذا الخَطبُ أَعيا وِزرُهُ شَدَّ مِن أَزري

شَفيعٌ لَو اِستَعطَفتُ عَصرَ الصِبا بِهِ

لَعاجَ سَقَتهُ دَمعَةُ المُزنِ مِن عَصرِ

وَبي مَسُّ شَكوى لاأُطيقُ لَها السُرى

فَإِن لَم أَطَأ بابَ الأَميرِ فَعَن عُذرِ

وَلَو مُلِئَت عَينُ الدُجى لَمَلَأتُها

بِغُرَّةِ شَمسِ العَصرِ في مَطلَعِ القَصرِ

وَما المَرءُ إِلّا قَلبُهُ وَإِذا سَرى

مَعَ الرَكبِ مِن شَوقٍ فَإِنّي مَعَ السَفرِ

أَبا الطاهِرِ أَقبَلها إِلَيكَ تَحِيَّةً

أَرَقتُ بِها سَحرَةً رَونَقَ السِحرِ

خَلَعتُ قَوافيها عَلَيكَ وَإِنَّما

نَظَمتُ بِها عِقداً نَفيساً عَلى نَحرِ

فَسُد وَطَإِ التيجانَ عِزّاً وَذُد وَجُد

فَسيحَ فِناءِ المُلكِ عالي يَدِ الأَمرِ

طَليقَ لِسانِ السَيفِ وَالضَيفُ وَالنَدى

رَفيعَ مَنارِ القَدرِ وَالذِكرِ وَالفَخرِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن خفاجه

avatar

ابن خفاجه حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-abn-khafajah@

260

قصيدة

4

الاقتباسات

374

متابعين

ابن خفاجة 450 - 533 هـ / 1058 - 1138 م إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الجعواري الأندلسي. شاعر غَزِل، من الكتاب البلغاء، غلب على شعره ...

المزيد عن ابن خفاجه

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة