الديوان » إبراهيم بن عبد الرحمن الدميجي » جمال تشربه العيون صِرْفًا!

أيا صاحبي!

 

هلّا أَقَلْتَ العثَار

 

أو هل نسأت الخيار

 

فلي فؤادٌ جريح

 

بل بالمآسي ذبيح

 

يرى بمقلتيه شؤونًا

 

سَحَّتْ شؤونًا لديه

 

تمسي الكُماةُ وتُصبح

 

تروي قناها وتنضح

 

كيما ضُباها تُطوّح

 

فقد ملكت فأسْجِحْ

 

...

 

فسلام الله عليكما..

 

يا من لنجدٍ سريتما..

 

ولجرحِ سالٍ نكأتُما

 

فانفرط عقده المنظوم!

 

...

 

أصاحبي: وليغفر لك الله:

 

قد علمتَ ما قلمي إلا ابن لبون..

 

فعلامَ تُقْحِمهُ سبْقَ البُزْلِ القَنَاعِيسِ؟!

 

وتصرعه بالجنادل والعنابس

 

ثم لم تقنعْ حتى أتيته بفحلِ البيان ابن مسعود!

 

ويحك يا بن الأكرمين! دعني..

 

مالَكَ ولواعج فؤادٍ قد قَضَى؟!

 

دعني..

 

ففي الأحشاء من وجع السنين ما يكفي..

 

مات بالحبِّ قيسٌ ونَبِيهٌ

 

والمرقّشُ ومَن عرفتَ وعروةُ

 

بعد أن شرب الحب نَقِيِّ عظامهم..

 

فأشحطتهم نيوبُ الأماني..

 

وأسلَمَهُم لنائبات المنايا..

 

...

 

لك الله..

 

دع السَّالي يمرُّ رويدًا..

 

يركب الطيف بأحلام الزمن.

 

أما علمتَ أن خيرًا للمُدنِفِ أن يسلو..

 

ففي السلوان عن ذكر المنازل نصفُ راحة..

 

أم "هل أرأيتَ عينًا للبكاء تُعارُ"؟!

 

...

 

لك الله!

 

لا تعد لمثلها.. فقد أوجعتني..

 

فكلما قصدت لذيّاك السبيل:

 

تهيج في صدري أمورٌ لا أطيقُ لها دفعًا..

 

تضطرم وتفور..

 

كالقدر استجمعت غليانًا..

 

فتمور بي المشاعر كأني قاربُ صيّادٍ غشيته أمواجٌ كالجبال..

 

قد درّتِ عليه السماء ُكأفواهِ القرب برعود واجفة..

 

وبروق قاصفة..

 

فلا يملك رُبَّانُهُ حينها إلا الدعاء بالسلامة..

 

وانتظار الفرج..

 

هذا مع شوبٍ من نصولٍ وقَنًا وأَسَلٍ..

 

تدقُّ معاليق الفؤاد..

 

وتهشم عُوجَ الحنايا..

 

فتثور من ذلك المحتدم سحابةٌ قمراء..

 

خالط بياضَ نداها سوادٌ..

 

تُعْتِمُ البصر والبصيرة..

 

فلا تنجلي الغمامة حتى تنبجسَ المقطوعةُ أيًّا كانت..

 

بعد أن تطرح أباها صريعًا!..

 

وكلُّ نابضٍ له سكونٌ

 

و"كلُّ حيٍّ هالك"!

 

...

 

أيا صاحبَيَّ:

 

إن في رقيق الأدب شعرًا ونثرًا أيًّا تَوَجَّهت ركائبه خيطَ إبرَيْسم..

 

أَرَقُّ من شُعاعٍ في عينِ طفلٍ فرح بقدوم والده من غربة..

 

وأصفى من دمعة عاشقٍ على جَدَثِ صاحبته..

 

بيد أن ذلك الخيط يجرُّ معه عُجَرَ الذكرى..

 

وبُجَرَ الآهات الماضيات..

 

وقد ظنَّ الملوّعُ وكَذَبَ الظنُّ طَمَّهنَّ في قعر الأطلسي..

 

فإذ بها تعود شابّةً لعوبًا ضحوكًا..

 

غادرة!

 

بينا يسير القلبُ في ستارةً من تيسير..

 

قَنِعًا بخفقةٍ من فؤادٍ رغيبٍ..

 

قد تجلّد للغِيَر..

 

وتلفّع بالرِّضا..

 

وهجَرَ الكواعبَ رقيقاتِ الحواشي..

 

من ربات حجال الأدب..

 

أَعْنِي بهنَّ الخواطرَ شعرًا ونثرًا..

 

اللاتي يشغلكَ جمالُ نثرِهِنَّ عن حسن نظْمِهِنَّ..

 

ويُنسيك لطف شِعْرِهن عن شهد نثرهن..

 

فتُمسي من شُغْلٍ بهنّ ونسيانٍ لغيرهن خارجَ المعقول!

 

غِيَابًا لا كالجنون..

 

ونشوةً لا من قهوة ابن كلثوم..

 

فتغيب عما حولك زمانًا ومكانًا..

 

يودُّ خليلُك لو رآك حينها:

 

فناءَ العاذِلِ, وبُعْدَ الكاشح..

 

كيما يسرقُ معك رقيقةً من رقائق أحلام أهل الهناء..

 

وأويقاتِ خلّان الصفاء

 

...

 

أيها الخاطِر الخَطِر..

 

ما دهاك حتى تَحُلَّ عِقَالَ عقلي؟!

 

بينا فؤادي قد سَلَا عن رُعودِ خفْقِ الأفئدةِ..

 

إذ بك يا غفر الله لك ترمي..

 

سويداءه بسهم يُغنّي!

 

قد عَجَمَ عودَهُ بيانُ الصاحبِ وابنِ العميد..

 

وراشَ نبلَهُ ابنُ معمرٍ ولبيد..

 

وَحَدَّ نصلَهُ المسعود..

 

فرميتني وقصدت نابِضَ الخفَّاقِ..

 

فليهنك صيدك، ولك العزاء

 

فقد استسمنتَ ذا وَرَمٍ يا هذا

 

ولو وفّرت سهمَك لغيرِ فؤادي..

 

لأوشكت أن تحظى بِفَرَا..

 

ولكن هيهات أيها المحزون هيهات!

 

فقد نفذ نصلُكَ الفتَّاك لقلب المُضنى العليل..

 

وسبق سيفُك عَذْلي..

 

وصولُك هَرَبي..

 

فمرحبًا بكما على شطء الأدب..

 

وحياكما في بستان المحبين..

 

وخُذَاهَا تحفة النزول:

 

‏لهفي على شدوٍ قديمٍ قد أفلْ

 

يحكي بِلُبِّي سهمَ ناعِسَةِ المُقَلْ

 

هلّا تَرَفَّقَ فالجوى بلغ المحلْ

 

بُح أو فَمُتْ متشحّطًا والدمّ طَلْ

 

...

 

خذاني معكما لنركب زورق الأمل..

 

تسوقنا أطراف أنامل هبّات الصَّبَا..

 

فلها أسرارٌ لا تبوحها لسوى أهلِ ذيَّاك السبيل..

 

أعني النسيبَ الرقيق المحتشم..

 

والأدبَ العالي المحتدم..

 

أحيانًا كرموز الأحباب..

 

لا يفهمها سوى من تجرّعَ العذابَ العذْبَ من المِقَةِ..

 

أو مَلَكَ "شيفرة" البديع تذوقًا أو إنشاءً..

 

وأخرى نراها جزْلَةً سهلةً ممتنعة..

 

يرومُ بَدْعَها من شاء..

 

حتى إذا مَدَّ يمينَه لتناول كَفِّها..

 

ابتعدت كهالة البدر في ليلة إضحيان..

 

تتماوجُ بين عينيه كمُحَيا صبيّةٍ جذْلَى

 

تنظر في غديرٍ أترعَهُ صوبُ غادية..

 

وثالثةً كغرامِ رسائل كنفاني لغادة..

 

أو ابن زيدون لولّادة..

 

بل كأبي الطيب لخولة..

 

صادقةً باكيةً..

 

وبالشوق آسيةً

 

...

 

يا صاحباي:

 

ألا يُذِيبنَّ بالجَوَى فؤاديكما مشهدُ ذاك القمريُّ الجَزِل..

 

ينوحُ لقمريّته وهي ترنو اليه بخَجَلٍ وجَذَل..

 

وتُسارِقُ مقلتيه بعينين كادتا أن تذبُلا حنانًا وحبًّا ومِقَةً ولهفًا..

 

ويكأنَّه ينشدها وهو يهتزّ لنشوة الذكرى الرغيبة:

 

عيناكِ شاهدتان ألا فاشهدي

 

ذابحتان إلا فاسمعي

 

...

 

وَلِمَنْ يفتلِ عند ذكر الأدب شِدقه..

 

ويلوي عن محاسنه كشحه:

 

دعْ قارب أفئدتنا يُبحر رخاءً ويسير هوناً..

 

كمشوق إلى لقاء مشوقة..

 

وأنثارُ وبل إلى كبد يبابٍ صادي..

 

...

 

ألا وإن بعض من بَسَطَ المداد في تيك السابلة اللطيفة..

 

قد جاوز الغاية في التّهتّك وخلع العِذار

 

والتعرّضِ لهوىً مدرار..

 

لكني يا هناه من ذلك على حذر..

 

فإن لم يكن الأدب رافدَ عفاف

 

وموقد شرف

 

فلا كان..

 

وجملة الكلام:

 

لعل قُصارى هذه الكلمات أن:

 

"تُذهب عن نفس المُعَنَّى قتامَهَا"..

 

...

 

وهل تسير قوافل الأدب إلّا على رواحل الخيال؟

 

وخلف سجف الحقيقة يكمن أبداع الذائقة..

 

فدعني أُعْنِقُ في خيالي بلا طِوَلٍ..

 

فما استروحَ أهلُ النبل والرهافة إلا بعد أن كرعوا في ذلك المشرب؟

 

ومن رام رقَّة الطبع فليأخذ بسبيل ذلك المرتع..

 

وليتجول بخاطره في ذلك المنتجع..

 

فما لذة اللبانات إلا وصل ما هنالك..

 

"إن طيف الخيال يا عبل يَشفي"..

 

...

 

أيا صاحباه:

 

ثَمَّ مستوى من الكَلِمِ

 

يحوي شرايين يتدفَّقُ فيها نوعٌ عزيزٌ من متعةِ الأنْفُسِ..

 

لا يُشَمُّ ولا يُمَسُّ ولا يُرَى..

 

لكن يسمو بعطفيك للأعلى

 

برفقٍ يَبُزُّ الوالدةَ الحنون..

 

وشذىً يحكى أرجَ الربيع..

 

ولطفٍ يربو على رَخْصِ كَفِّ الرضيع..

 

ونعومةِ نهدِ المُعْصِر..

 

تقرأها ويقرؤونها في "زمكان" متّحد..

 

ولكن..

 

ويكأنك تقرأ من بينهم لغةً أخرى!

 

فتهتف بنفسك الظمأى:

 

أنِ اجرَعي راح البيان المُترع بمعاني السحر الحلال..

 

قد نُسجت من سندس اللفظ البليغ..

 

فانبجسَ من عين صفائها سلسللُ نثرٍ برَّاق..

 

وانفجر من معدن حكمتها جلجلُ نظمٍ دفّاق..

 

فغدا مزيجُها لونٌ لا نظير في عين الأديب لجماله..

 

وَدَّ هنيهةً لو اسطاعَ حبسَ الزمن..

 

أو فليكُنْ بسجنهما دهرًا يرتشفُ حلاوته

 

شيئًا بعد شيءٍ،

 

ومعنًى بعد لفظٍ،

 

وصورةً تلو نبضٍ..

 

وأَجْمِلْ بأبكار الزمان!

 

إن توافقا أمست بناظره وأذنه كألذّ ما سجعت به بلابل الأقلام..

 

وصدحت خلاله خرائدُ الأفهام..

 

فترتشِفُهُ رقائق الأسماع..

 

وتطربُ لرحيقِ سُلَافِهِ هشاشاتُ القلوب..

 

إذا جرت نفثاته في الأفهام؛ قالت:

 

أهذه بنت فكرة فأجْلُوها..

 

أم بنت كرْمة فتُجلِيني!

 

كيف إن كانت من شفتَيْ من هجم خيالها على قلبك الآن..

 

"أيدري الدمعُ أي دمٍ أراقا"؟!

 

...

 

آهٍ من دبيبِ راحِ الفِكَرِ في تجاويف الفؤاد..

 

ليهنِكَ يا من تذوّقت الجمال..

 

قد ذاب شهدُهُ في حرارة جوى الصَّبِّ الملهوفِ لعناق أبكار المعاني..

 

وضمِّ خرائد المباني..

 

ونجوى خودِ الأَخيلَةِ..

 

فاستوى أمامه السطرُ النوراني..

 

على سابلةِ العاشق المتيّم..

 

يهديه قصدًا للثمِ الشفةِ العطشى له..

 

قد ذبلت لترويه..

 

وازدانت لتسقيه..

 

ولا تذهب بعيدًا يا رفيق فؤادي..

 

فما ثَمَّ منها سوى طاهرات المعاني!

 

أما الحقائق فدونها "ضرب يُدمي النواصيا"!

 

...

 

ألا ما أشدّ ما يقاسيه القلم إن هفَتْ رئته لنوع من المعاني..

 

لا يتأتّى إلا كمجيء نوعٍ نادر من طيرٍ مهاجرٍ..

 

كأن ريشه من نسج شمسِ الأصيل..

 

وصدرَهُ كندف غيمِ الصباح..

 

وعينَهُ كطلِّ قطرات النَّدى على وجنةِ زهرةِ خزامى على كثيب الدهناء..

 

إن المعاني تارة تكون أقرب لأَسَلَةِ اليراعِ من قطرةِ مِدَاده..

 

وأخرى تكون أبعدَ من السِّمَاكِ الرَّامح..

 

...

 

وثمّة نفوسٌ رهيفة..

 

إن استقبلت روحك ملأتها انشراحًا وبِشرًا..

 

ووجوهٌ جميلةٌ..

 

إن تذكَّرْتَ قسماتها ارتمت ذاكرة الجمال خجْلَى على أهدابها..

 

وأحاديث حِبٍّ يجتني التذكار منها ما تمنّى..

 

ويا من مَرَّ على روضتنا ولم يفهم المعنى..

 

يا من لم يمضغ الشيح والقيصوم, إليك عنّا..

 

جُزْ بخيرٍ..

 

جُدْ بسترٍ..

 

وامض لشأنك عنّا..

 

لا تلمنا إن خلعنا جبة القاضي وبحنا..

 

بعفافٍ قد سَمَرْنا..

 

وصيانٍ قد حَرَسْنا..

 

يا كثيف الطبع عنا..

 

عن جَنَانَا لا تسلنا..

 

أحسن الظن ودعنا..

 

ليس هذا يا مُنانا نوحُ باك في يتامى..

 

تلق أرجًا يجتنيه.. ضوع أزهار الخزاما..

 

...

 

يا نديمَ الشعر آهٍ.. أيّها الصَّبّ المُعنّى:

 

من قديم الأمر فاهُوا.. وحديثِ الأمر إصْرًا

 

برموزٍ وحزوزٍ وبروز وشَتَّى..

 

لِلَبَانَاتِ نفوسٍ واختلاجات وحتى..

 

لمصيف وخريف وربيع ومَشتَى..

 

رَاهبًا أو راغبًا

 

في ذهن ذاك المنسجم..

 

تأمل نشرهم في العراء على حبل اللسان..

 

أعنى لسان الحيوان.. "كَليلة ودِمْنَة"

 

وفي التلميح المليح غِنًى..

 

عن التصريح الجريح!

 

...

 

لا تقل: كلا.. لا

 

ولا تقل: لم هذا, وكيف؟!

 

فالقصور يلحقه التقصير عن إدراك ما تتكلّس المعاني بجوهَرِهِ!

 

فيضربها بمعول الفكر وكرّ النظر..

 

فلا تسمع لماء عين المعاني رِكزًا!..

 

فمثلُ تيِك المعاني تحتاج لقهوة سوداء كالحٌ لونها,

 

مُرّةٍ كالحنظل,

 

عذبةٍ كَسَحِّ الدِّيَمِ,

 

في مكان خال من الإنس والجانّ..

 

...

 

فما هي إلا هنيهات..

 

حتى يصْفُوَ الذهن بانقشاع سحائب شُعَبِ الهموم..

 

ويعفو الخاطر بجودٍ غزير..

 

فينحدر إليها سيلٌ جرّارٌ من مشاعر الفؤاد المُضْنَى بأثقال الأشباح..

 

المفعم بطيب أرواح الإصباح..

 

قد صَرَعَ خيالاتها بشبيبةِ روحه,

 

وكهولة تجاربه..

 

يمدُّهُ هاطلٌ مدرارٌ.. وغيث صدوقٌ

 

من دموعٍ كانت حبيسة الأجفان!

 

قد أَبَتْ عِزَّةُ أنفِهِ قبلها إلا تيك القَسوةِ الممضَّةَ بخنجر الأسر العذب المعذب..

 

هذا حينًا..

 

...

 

وحينًا آخر تطول تلك الزفرات..

 

لَهَبًا وبركانًا وجليدًا وجمرا!

 

فتسري في اللجَّةِ ليلةً بتمامها..

 

بعدها تجري الرياح اللقاح بفكرِهِ مع الغيوم السابحات..

 

حتى يأذن الله بأمره..

 

فبينا ذهنه يسبَحُ في بحر ساكن..

 

إلا ورنت مقلته لضياء أدفأَ جوانحه التي لحقها بردٌ من نسيم السَّحَرِ..

 

إنه برد له خصوصية لدى أهيلِ الأدب..

 

لا يحس بلذيذ لذعه أهلُ الكثافة..

 

فإن صادفوا مثله انقلب جليدًا مُحْرِقًا..

 

أما هنا فهو لذع يدب رويدًا على أطراف الجوانح..

 

ثم يفيض شذًى وعبقًا حتى يُرى ثَمِلٌ وما ثمّ شرابُ جسد..

 

لكنه شراب نفس لم تملك أن غرقت في لجة نشوتِهِ..

 

فنطقت بعد عِيِّها بحروفٍ لم يزُرْهَا سحبانُ وائل..

 

ولم يحملها فؤادُ ابن الملوّح..

 

...

 

إيهٍ يا بن مسعود..

 

يا سليل البديع يا باسق البيان:

 

إني مُنبيك عن عينٍ..

 

ماؤُها أحلى من عذب المطر..

 

وشذاها أرقُّ من فتيت المسك والعنبر..

 

تنساب بنعومةٍ على رَضْرَاضٍ كياقوت عُمَان..

 

قد حفّتها أزاهير الأقحوان..

 

وخلطتها ورود العرار وشقائق النعمان..

 

تجري بجوارِ كثيبٍ كأنّه خَدُّ عذراء..

 

قد جرَفَ الماء أسفله فنحت على ذراعه خَتْمَ الحسن..

 

وضَوَّعَ من عَذِيِّ رَمْلِهِ عَبَقَ النقاء..

 

ثم جرى ماء الحياة حتى هوى من عليائه بوهج شلالِ نورٍ..

 

يشعُّ جمالًا وبهاءً وألقًا..

 

وقد كاد من فرط جماله..

 

أن تشربه العيون صِرْفًا!

 

...

 

لِصوتِه نَغمات

 

يتصاغر لجرسها بيتهوفن وموزار..

 

وقَسَماتٍ وألوانٍ

 

تمنَّى لو رآها دافنشي وأنجلو..

 

...

 

إن رمت ذيّاك المكان فأرعني فؤادك

 

أفتّش لك في زواياه عن مكان لتلك الرغيبة التي لا تُرى..

 

سوى بعينِ أديبٍ..

 

وما أُراكَ إلا هو..

 

فلقد تذوّقت من عذب تغريدِ يراعتك ما قد علمتُ

 

أنك من أهل ذيّاك المنزل الرغيب..

 

...

 

فلِقُطّانِهِ لغة لا يتناولُ عقيقها وزمردها من لم يذق من نِيلِها وفُراتها..

 

يَرِدُ الجُموعُ حوضَها فيصدُرون رُواءً لحظة شربهم منها..

 

لكنّ مَنْ أَعْمَقَ دلوَهُ حتّى لامَسَ عينَها..

 

فإنه يصدُرُ منها أشدّ عطشًا منه قبل الورود..

 

فيعودُ كيما يكرعُ فيزداد لها ومنها وبها ولعًا..

 

فلا يسلو عن حبها..

 

ولا يروى من رشفها..

 

حتى يُسلِمَ الروح..

 

وواهًا ثم واهًا لغربة الأديب في صحراء الجفاء!

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن إبراهيم بن عبد الرحمن الدميجي

إبراهيم بن عبد الرحمن الدميجي

62

قصيدة

إبراهيم بن عبد الرحمن الدميجي التميمي، ولد في الخرمة سنة 1396 ودرس بها حتى أتم الثانوية، ثم التحق بجامعة أم القرى وتخرج من كلية أصول الدين قسم العقيدة، وتتلمذ على العديد من العلماء في مكة وال

المزيد عن إبراهيم بن عبد الرحمن الدميجي

أضف شرح او معلومة