الديوان » العصر المملوكي » ابن نباته المصري » صحا القلب لولا نسمة تتخطر

عدد الابيات : 91

طباعة

صحا القلب لولا نسمةٌ تتخطَّر

ولمعةُ برق بالغضا تتسعَّر

وذكر جبين البابلية إذ بدا

هلال الدجى والشيء بالشيء يذكر

سقى الله أكناف الغضا سائل الحيا

وإن كنت أسقى أدمعاً تتحدَّر

وعيشاً نضا عنه الزمانُ بياضه

وخلَّفه في الرأسِ يزهو ويزهر

تغير ذاك اللون مع من أحبه

ومن ذا الذي يا عزّ لا يتغير

وكان الصبى ليلاً وكنتُ كحالمٍ

فيا أسفي والشيبُ كالصبح يسفر

يعللني تحت العمامة كتمه

فيعتاد قلبي حسرة حين أحسر

وينكرني ليلي وما خلت أنه

إذا وضعَ المرءُ العمامةَ ينكر

ألا في سبيل الله صوم عن الصَّبى

وقلب على عهد الحسان مفطر

تذكرت أوطان الوصالِ فأشهبٌ

من الدَّمع في ميدان خدِّي وأحمر

إذا لم تفضْ عيني العقيق فلا رأت

منازله بالوصلِ تبهى وتبهر

وإن لم تواصل غادة السفح مقلتي

فلا عادها عيشٌ بمغناه أخضر

ليالي تجني الحسن في أوجه الدّمى

وتجني على أجسامِها حين تنظر

يؤثر في خدِّ المليحة لحظها

وإن كانَ في ميثاقِها لا يؤثر

رأيت الصَّبى مما يكفّر للفتى

ذنوباً إذا كانَ المشيب يكفّر

إذا حلَّ مبيضّ المشيب بعارضٍ

فما هو إلاَّ للمدامعِ ممطر

كأنيَ لم أتبع صبى وصبابةً

خليع عذارٍ حيثما همت أعذَر

ولم أطرق الحيّ الخصيب زمانه

يقابلني زهرٌ لديه ومزهر

وغيداء أما جفنها فمؤنث

كليلٌ وأما لحظها فمذكَّر

يروقُك جمعُ الحسن في لحظاتها

على أنه بالجفنِ جمعٌ مكسَّر

من الغيد تحتفّ الظبا بحجابها

ولكنها كالبدرِ في الماءِ يظهر

يشفّ وراء المشرفيَّة خدها

كما شفَّ من دون الزجاجة مسْكر

ولا عيبَ فيها غير سحر جفونها

وأحبب بها سحَّارة حين تسحر

إذا جرّدت من بردها فهي عبلةٌ

وإن جرَّدت ألحاظها فهيَ عنتر

إذا خطرت في الروض طاب كلاهما

فلم يذْرِ من أزهى وأشهى وأعطر

خليليّ كم روضٍ نزلت فناءه

وفيه ربيعٌ للنزيل وجعفر

وفارقته والطَّير صافرةٌ به

وكم مثلها فارقتها وهي تصفر

إلى أعينٍ بالماءِ نضَّاحة الصفا

إذا سدَّ منها مِنخرٌ جاش منخرُ

نداماي من خودٍ وراحٍ وقينة

ثلاث شخوصٍ كاعبات ومعصر

قضيت لبانات الشبيبة والهوى

وطوَّلت حتَّى آن أنيَ أقصر

وربَّ طموح العزم إدماء جسرة

يظل بها عزمي على البيدِ يجسر

طوت بذراعي وخدها شقَّة الفلا

وكفّ الثريا في دجى الليل يشبر

ومد جناحي ظلها آلِقُ الضحى

فشدت كما شد النعام المنفّر

بصمّ الحصى ترمي الحداة كأنما

تغارُ على محبوبها حين يُذكر

إذا ما حروف العيس خطَّت بقفرةٍ

غدت موضع العنوانِ والعيس أسطر

فلله حرفٌ لا ترام كأنها

لوشك السرى حرف لدى البيد مضمر

تخطت بنا أرض الشآم إلى حمى

به روضة ريا الجنان ومنبر

إلى حرمِ الأمن المنيع جواره

إذا ظلت الأصوات بالروعِ تجأر

إلى من هو التبر الخلاصِ لناقدٍ

غداة الثنا والصفوة المتخير

نبيٌّ أتم الله صورةَ فخرِهِ

وآدم في فخاره يتصور

نظيم العلى والأفق ما مدَّ طرسهُ

ولا الزهر إلا والكواكب تنثر

ولا لعصا الجوزاء في الشهبِ آية

مجرّ النّجى من تحتها يتفجر

نبيٌّ له مجدٌ قديمٌ وسؤددٌ

صميمٌ وأخبارٌ تجل وتخبر

تحزم جبريلٌ لخدمة وحيه

وأقبل عيسى بالبشارة يجهر

فمن ذا يضاهيه وجبريل خادمٌ

لمقدمه العالي وعيسى مبشرُ

تهاوى لمأتاه النجوم كأنها

تشافه بالخدِّ الثرى وتعفّر

وينضب طام من بحيرة ساوة

ولم لا وقد فاضت بكفيه أبحر

نبيٌّ له الحوضان هذا أصابعٌ

تفيض وهذا في القيامةِ كوثر

وعن جاهه الناران هذي بفارسٍ

تبوخ وهذي في غدٍ حين تحشر

إذا ما تشفعنا به كُفّ غيظها

وقالت عبارات الصراط لنا اعبروا

تنقل نوراً بين أصلاب سادة

فلله منه في سما الفضل نير

به أيَّد الطهر الخليليّ فانتحت

يداه على الأصنام تغزو وتكسر

ومن أجله جيء الذبيحان بالفدى

وصين دمٌ بين الدماءِ مطهَّر

ورُدَّت جيوش الفيل عن دار قومه

فلله نصلٌ قبل ما سُلَّ ينصرُ

ولما أراد الله إظهار دينه

بدا قمراً والشرك كالليل يكفر

فجلى الدجى واسْتوثق الدِّين واضحاً

وقام بنصر الله داعٍ مظفر

بخوف السطا بالرعب ينصر والظبا

وداني الحيا في اليسر والعسر يهمر

عزائم من لا يختشي يوم غزوِهِ

ردًى وعطاً من ليسَ للفقرِ يحذر

علا من محاكاة الغمام لفضله

وكيف يحاكيه الخديم المسخَّر

يظلله وقت المسير وتارةً

يشير إليه بالبنان فيمطر

ألم ترَ أنَّ القطر في الغيم فارسٌ

إذا برزت آلاؤه يتقَطَّر

هو البحر فيَّاض المواردِ للورى

ولكنه العذبُ الذي لا يكدّر

فمن لي بلفظٍ جوهريّ قصائدٍ

تنظم حتَّى يمدح البحرَ جوهر

وهيهات أن تحصى بتقدير مادحٍ

مناقبُ في الذكر الحكيم تقرّر

إذا شعراء الذكر قامت بمدحه

فما قدرُ ما تنشي الأنام وتشعر

نبيٌّ زكا أصلاً وفرعاً وأقبلت

إليه أصولٌ في الثرى تتجرَّر

وخاطبه وحشُ المهامهِ آنساً

إليه وما عن ذلك الحسن منفر

له راحةٌ فيها على البأسِ والندى

دلائلُ حتَّى في الجمادِ تؤثر

فبينا العصا فيها وريقُ قضيبها

إذا هو مشحوذُ الغرارين أبتر

كذا فليكن في شكرِها وصفاتها

يدٌ بينَ أوصاف النبيين تشكر

سخت ومحت شكوى قتادة فاغْتدت

بها العينُ تجري إذ بها العين تجبر

لعمري لقد سارتْ صفات محمدٍ

كذاك النجوم الزاهرات تسير

أرى معجز الرسل انْطوى بانْطوائِهم

ومعجزهُ حتَّى القيامة ينشر

كبير فخار الذكر في الخلقِ كلما

تلا قارئٌ أو قيلَ الله أكبرُ

هو المرتقي السبع الطباق إلى مدًى

لجبريل عنهُ موقفٌ متأخِّر

هو الثابت العليا على كلّ مرسلٍ

بحيثُ له في حضرة القدس محضر

هو المصطفى والمقتفى لا مناره

يحطّ ولا أنواره تتكوَّر

إليكَ رسولَ اللهِ مدَّت مطالبي

على أنَّها أضحت على الغور تقصر

خلقتَ شفيعاً للأنامِ مشفعاً

فرجواك في الدَّارين أجدى وأجدر

ولي حالتا دنيا وأخرى أراهما

يمرَّان بي في عيشةٍ تتمرَّر

حياةٌ ولكن بين ذلٍّ وغربةٍ

فلا العزّ يستجلى ولا البين يفتر

وعزمٌ إلى الأخرى يهمّ نهوضه

ولكنه بالذَّنبِ كالظَّهر مُوقَر

تصبرت في هذا وذاك كأنني

من العجز والبؤس قتيلٌ مصبر

وها أنا ذا أبلغت عذريَ قاصداً

وأيقنت أن النجح لا يتعذَّر

عليك صلاةُ الله في كلِّ منزلٍ

تعبر عنه سرّ الجنان وتعبرُ

وآلك والصحب الذين عليهمُ

تحلُّ حُبا مدحٍ ويعقد خنصر

بجاهك عند الله أقبلت لائِذاً

فكثرت حاجاتي وجاهك أكثر

ونظّمت شعري فيك تزهى قصيدةٌ

على كلِّ ذي بيتٍ من الشعر يعمر

معظّمة المعنى يكرَّر لفظها

فيحلو نباتيّ الكلام المكرَّر

دنت من صفات الفضل منك وإنها

لتفضل ما قالته طيُّ وبحترُ

وما ضرَّها إذ كانَ نشر نسيمها

رخاء إذا ما لم يكنْ فيهِ صرصرُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن نباته المصري

avatar

ابن نباته المصري حساب موثق

العصر المملوكي

poet-abn-nbath@

1727

قصيدة

6

الاقتباسات

101

متابعين

محمد بن محمد بن محمد بن الحسن الجذامي الفارقي المصري أبو بكر جمال الدين. شاعر عصره، وأحد الكتاب المترسلين العلماء بالأدب، أصله من ميافارقين، ومولده ووفاته في القاهرة. وهو من ...

المزيد عن ابن نباته المصري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة