الديوان » العصر الأندلسي » ابن حمديس » من كان يعذب عندها تعذيبي

عدد الابيات : 69

طباعة

مَن كانَ يعذُبُ عندها تعذيبي

أَنّى تَرقّ لِعبرتي ونَحيبي

مِن أَين يَعلَمُ من ينام مسلَّماً

حُمَةً تؤرِّق مُقلةَ الملسوبِ

أَتَدبُّ في جَفنَيه طائِفة الكرى

وعقاربُ الأصداغ ذاتُ دبيبِ

وتَنامُ في وَردِ الخُدودِ ولَدغها

متسرّب من أعينٍ لِقُلوبِ

وكأنّما سَمٌّ مُذيبٌ مسكُها

أَيُذيبُني والمِسكُ غَير مُذيبِ

كيفَ السّبيلُ إِلى لِقاءِ غَريرة

تَلقى ابتِسامَ الشّيبِ بالتَقطيبِ

مِن أَينَ أرجو أَن أَفوزَ بِسَلمِها

والحَربُ بين شَبابِها وَمَشيبي

ما حبّ شَمس عَنكَ تَغرِبُ في الفَلا

مِن أَنجُمٍ طلعَت بِغَيرِ غروبِ

قالَت لمنشدها نسيبي ما لهُ

ليس النّسيب لمثله بنسيبِ

فإلام ينشدني تغزّلَ شاعرٍ

ما كان أولاه بوعظِ خطيبِ

يا هذه أصَدىً دعَوت مُرَدّداً

ليجيب منكَ فكان غير مجيبِ

ليتَ التفاتي في القَريض أعرتهِ

حُسْنَ التفاتك رحمةً لكئيبِ

وذكرت من ضربِ المرفّل صيغةً

بمرفّل من ذلكَ المسحوبِ

وعسى وعيدُك لا يضير فلم أجِدْ

في البحر ضرباً مؤلمَ المضروبِ

إنّ الزمانَ أصابني بزمانةٍ

أبلت بتجديدِ الحَياة قَشيبي

ففنيتُ إلّا ما تطالع فكرتي

بالحذق من حِكَمي ومن تجريبي

ووجدتُ علم الشعر أخفى من هوىً

لم تفشِهِ عينٌ لعين رقيبِ

ومدائحُ الحسنِ المبخّرَة التي

فغمتْ بِطيبِ الفخر أَنفَ الطيبِ

ذو همَّةٍ بَذَلَ الندى وحمى الهدى

بمهنّدٍ ذَرِبٍ بكفِّ ضروبِ

حامي الحقيقة عادلٌ لا تتّقي

في أرضه شاةٌ عداوةَ ذيبِ

ملكٌ غدا للعيد عيداً مُبْهجاً

هُمُعُ العلى حوليه ذات ضروبِ

وَرَدَ المصلّى في جلال مُعَظّمٍ

ووَقارِ مُختَشِع وسمتِ منيبِ

بعرَمرَم رَكبت لإِرجالِ العِدى

عقبانُ جوٍّ فيه أُسْدَ حروبِ

عُقِدَ اللواءُ به على ذي هيبةٍ

حالي المناسبِ بالكرامِ حسيبِ

والبُزلُ تجنحُ بالقبابِ تهادياً

عَوْمَ السفينِ بشمألٍ وجنوبِ

من كلّ رهوٍ في المقادة مشيُهُ

نَقلَ الخطى منه على ترتيبِ

وكأنّما تعلو غواربها رُبى

روضٍ بثجّاج الحيا مَهْضوبِ

ونَجائبٍ مثل القِسيِّ ضوامرٍ

وَصَلَت بقطعِ سَباسِبٍ وسهوبِ

من كلّ مختصرِ الفلاةِ بمُعجلٍ

فكأنها إيجازُ لفظِ أديبِ

يرعى الفلا بفمٍ وترعى نحضَهُ

من منْسَمٍ للمَروِ ذي تشذيبِ

ومطلةٍ في الخافقين خوافقٍ

كقلوب أعداءٍ ذَواتِ وجيبِ

من كلّ منشورٍ على أفق الوَغى

مسطورُهُ كالمُهْرَقِ المكتوبِ

جاءَتْ تتَرّبُهُ العتاقُ بنقعها

والريح تنفضه منَ التَتريبِ

أو كلّ ثعبانٍ يُناطُ بقَسْوَرٍ

بين البنود كمُحْنَقٍ وغَضُوبِ

صُوَر خُلِعْنَ على المَواتِ فخيلت

فيها الحياة بسورةٍ ووثوبِ

وفغرنَ أفواهاً رحاباً عُطّلَتْ

أشداقها من ألْسُنٍ ونيوبِ

من كلّ شخصٍ يحتسي من ريحِهِ

روحاً يحرّك جسمَه بهبوبِ

وترى بها العنقاءَ تنفضُ سِقْطَها

في نَفْنَفٍ للحائماتِ رحيبِ

وَصلتْ ذُرى المَهدِيّتين وهاجرَتْ

وكراً لها بالهِند غيرَ قريبِ

وصواهلٍ مثل العواسل عَدْوُهَا

أبداً لحربِ عدوّك المحروبِ

من كلّ وردٍ ما يشاكلُ لونَهُ

إلا تورّدُ وجنةِ المحبوبِ

وكأنّما كَنَزَتْ ذخيرةُ عِتْقِهِ

مِنهُ عبابَ البحر في يَعبوبِ

أَو أَدهمٍ داجي الإِهابِ كَأنّما

صَبَغَ الغرابَ بِلَونِهِ الغربيبِ

أرساغُهُ دُرَرٌ على فيروزجٍ

لان الصفا من وقعهِ لصليبِ

يعدو ولا ظلٌّ له فكأنّهُ

بَرق فَيا لِلبرقِ مِن مركوبِ

أَو أَشهبٍ مثل الشهابِ ورَجمهِ

شخصَ المريدِ بِمُحرقٍ مشبوبِ

لا فرقَ ما بين الصباحَ وبينه

إلّا بِعَدْوٍ منه أو تقريبِ

أو أصفرٍ مثل البهار مغيّر

بسواد عَرْفٍ عَن سَوادِ عسيبِ

أو أشعلٍ للون فيه شُعْلَةٌ

تُذْكى بريحٍ منه ذاتُ هبوبِ

وكأنّه مرداة صخرٍ حَطّهُ

من عَلْوَ سيلٌ ماجَ في تَصويبِ

وكأنّما سَكِرَ الكميتُ بلونه

فلَهُ بمشيتِهِ اختيالُ طروبِ

وكأنّ حدّة طرفه وفؤادِه

من خَلْقِهِ في الأذنِ والعرقوبِ

وجَلَتْ سروجُ الحَلْيِ فوق متونها

سُرُجاً تألّقُ وهي ذاتُ لهيبِ

صَدَرَتْ منَ الذَهَب الثَقيلِ خِفافُها

ونشاطها متخثّرٌ بلغوبِ

وكأنّما من كلّ شمسٍ حلية

صيغتْ لكلّ مُسَوّمٍ مَجْنوبِ

صلّيتَ ثم قفوتَ مِلّةَ أحْمَدٍ

في نَحْرِ كلّ نجيبةٍ ونَجيبِ

مِن كُلّ مُرتَفِعِ السنام تَحمّلتْ

فيه المُدَى بالفرْيِ والتّرغيبِ

حيثُ الندى بعفاتِه مُتبرحٌ

تُسْديه كفّ متوَّج محجوبِ

يا من قوافينا مخافةَ نَقْدِهِ

خَلُصَتْ منَ التَنقيحِ وَالتَهذيبِ

لَم يَبقَ في الدنيا مَكان غَير ذا

يُجْري المديحَ به ذوو التأويبِ

خُذها عَروسَ مَحافل لا تجتلى

إلا بحلي علاك فَوقَ تَريبِ

لَم يَخرج الدرُّ الَّذي زينت به

إلّا بغوصٍ في البُحورِ قَريبِ

أَما بَناتي المفرداتِ فإنَّها

في الحُسنِ أَشهر من بناتِ حبيبِ

لا ينكحُ العذراءَ إلا ماجدٌ

تَبقَى بِعصمَتِه بقاءَ عسيبِ

وأنا أبو الحسناءِ والغرّاءِ إنْ

أُغْرِبْ فما الإغرابُ لي بغريبِ

يَدعو لكَ الحجّاجُ عند عجيجهم

وصِياحِهِمْ بالبيتِ في ترجيبِ

من كلّ أشعثَ مُحْرِمٍ بلغ المُنَى

بِمِنىً وأدركَ غايةَ المطلوبِ

يبكي بمكّة والحجونِ مُرَدّداً

وبيثربٍ يدعو بلا تَثريبِ

فَبَقيتَ في العليا لتدميرِ العِدَى

وغِنى الفَقير وفرجةِ المَكروبِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن حمديس

avatar

ابن حمديس حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-ibn-hamdis@

366

قصيدة

1

الاقتباسات

145

متابعين

عبد الجبار بن أبي بكر بن محمد بن حمديس الأزدي الصقلي، أبو محمد. شاعر مبدع. ولد وتعلم في جزيرة صقلية، ورحل إلى الأندلس سنة 471هـ، فمدح المعتمد بن عباد، فأجزل له ...

المزيد عن ابن حمديس

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة