الديوان » العصر الايوبي » أسامة بن منقذ » أسائقها للبين وهو عجول

عدد الابيات : 160

طباعة

أسائقَها للبينِ وهوَ عَجولُ

تَأَنَّ فَما هَذا المسيرُ قُفولُ

وقل لي فإنَّ المُستهامَ سَئُولُ

لِمَنْ طالعاتٌ في السّرابِ أُفولُ

يقوِّمُها الحادونَ وَهْيَ تَميلُ

تَجانَفْنَ عَنْ وَعْثِ الطّريقِ وسَهْلِهِ

وأَعْرَضْنَ عن خِصْبِ المَرادِ ومَحْلِهِ

فَهُنَّ على جَوْر الغَرامِ وعَدْلِهِ

نَواصلُ من جَوٍّ خَوائضُ مثلِهِ

صُعودٌ على حكمِ الطّريقِ نُزولُ

إذا أجْفَلَتْ في البيدِ جُفْلَ نَعامِها

كأنَّ أفاعي الرّمْلِ ثِنْيُ زِمامِها

ثَنَتْ لِيتَها نَحو الصَّبا وانتسامِها

هَواها وَراها والسُّرى عَن أَمامِها

فهنَّ صَحيحاتُ النَّواظر حُولُ

بِها مثلُ ما بالظاعِنينَ كآبةٌ

وصبرُهُما بعدَ الفراق خِلابةٌ

وللشّوقِ منها ما دعاها إِجابةٌ

تَضاغى وفي فَرْطِ التّضاغي صَبابةٌ

وتَرغو وفي طولِ الرُّغاءِ غَليلُ

أَهلّةُ بيدٍ والأَهِلَّةُ فَوْقَها

إذا لَمَحَتْ أجْبالَ سَلمى ورَوْقَها

كفى شوقُها شلَّ الحُداة وسَوْقَها

تُرادُ على نجدٍ ويَجْذِبُ شَوْقَها

مَظَلٌّ عِراقيُّ الثَّرى ومَقيلُ

أَلا قَلَّما تصفو مع البينِ عيشةٌ

وفي الشّوْقِ للنّائي هُمومٌ مُطيشةٌ

ولو أنّ أوطانَ المُفارِقِ بِيشَةٌ

وما جَهِلَتْ أن العراقَ معيشةٌ

وروضٌ تُربِّيهِ صَباً وقَبولُ

وفي الرَّكبِ مسلوبُ العزاءِ فقيدُهُ

يزيدُ إذا هبَّ النَّسيمُ وَقُودُهُ

وما كلُّ أسبابِ الغَرامِ تقودُهُ

ولكنَّ سِحراً بابِليّاً عُقودُهُ

تُحَلَّلُ ألبابٌ بهِ وعُقولُ

وقد حَمَلَتْ لَدْنَ القوامِ رشيقَهُ

حكى المسكُ فاهُ والمُدامةُ ريقَهُ

فأضحى بها نائِي المحلِّ سحيقَهُ

نجائبُ إنْ ضلَّ الحِمامُ طريقَهُ

إلى أَنْفُسِ العُشّاقِ فَهْيَ دَليلُ

وإنّي لأَشْكو مِنْ فراقِكَ هَزّةً

ورَوْعَةَ شَوْقٍ للحَشا مُسْتَفِزّةً

وقَدْ وَقَرَتْ في القلبِ عيسُكَ حَزّةً

حملْنَ وُجوهاً في الخدورِ أَعزَّةً

وكلُّ عزيزٍ يومَ رُحْنَ ذَليلُ

كَتَمْتُ هَوى ظَمياءَ كِتمانَ مُعْلِنِ

ونَهْنَهْتُ دمعاً عاصياً غير مُذْعِنِ

وقَدْ قالت الأظعانُ للسَّلوةِ اظعَني

قسَمْنَ العُقولَ في السُّتورِ بأعينِ

قواتلَ لا يُودى لَهُنَّ قَتيلُ

محبٌّ إذا ما اللّيلُ غارَت نجومُهُ

تأوَّبَه بثُّ الهَوى وهمومُهُ

وفي الخِدرِ بدرٌ آفِلٌ لا يَريمُهُ

وفيهنَّ حاجاتٌ ودَيْنٌ غريمُهُ

مَليٌّ ولكنَّ الملولَ مَطُولُ

لُبَانةُ نفسٍ مستمرٍّ عناؤُها

عياءٌ على مرِّ الليالي دواؤُها

قَضى حبُّها ألاّ يصابَ شِفاؤُها

يَخِفُّ على أهلِ القِبابِ قضاؤُها

لَنا وهيَ مَنٌّ في الرِّقابِ ثقيلُ

وَقَفْتُ على ربعٍ لظمياءَ أقفرا

سقتْهُ دُموعي ما أراضَ ونوَّرا

فقلتُ لخدنَيَّ الخلِيّيْنِ أَعْذِرا

أبى الرّكبُ بالبيضاءِ إلاّ تنَكُّرا

وقد تُعْرَفُ الآثارُ وهي مُحولُ

سَأَلْتُ سَيالات الحمى فَتَمايَلَت

كمُوحَدَةٍ من جيرَةٍ قد تَزايَلَتْ

ففاضَتْ دموعٌ كالغُروبِ تَساجَلَتْ

ولمَّا وقَفْنا بالدّيارِ تَشاكَلَتْ

جُسومٌ بَراهُنَّ البِلَى وطُلُولُ

دعانا الهَوى واستوقَفَتْنا المَعارِفُ

وأَدَمى الحَشا والشَّوقُ للكَلْمِ قارِفُ

حمائمُ وُرُقٍ في الغصونِ هواتفُ

فباكٍ بداءٍ بينَ جَنْبيهِ عارفُ

وباكٍ بما جرَّ الفِراقُ جَهولُ

نَعَمْ هذهِ الأطْلالُ قَفْرٌ فَأَرْبعِ

وجَدّدْ بِها عَهْدَ المَشوقِ المودِّعِ

سأَسْقي ثَراها الرِّيَّ من سُحْبِ أَدْمُعي

وأسألُ عن ظمياءَ صمَّاءَ لا تَعي

فأرضى بما قالَتْ ولَيْسَ تَقولُ

تُصَدِّقُ ظمياءَ العَذولَ إذا افْتَرى

وأُكَذِّبُ سَمْعي في هَواها وما أَرى

وأَقْنَعُ منها بالخَيالِ إذا سَرى

ويُعْجِبُني منها بُزخْرُفِها الكَرى

دُنُوٌّ إلى طولِ البِعادِ يَؤولُ

مَلِلْتِ فَما تُدْني إليكِ شَفاعَةٌ

وعندَكِ للواشينَ سمْعٌ وطاعةٌ

وحفظُ عهودِ الغادِرينَ إضاعةٌ

وما أنتِ يا ظمياءُ إلاّ يَراعَةٌ

تَميلُ مع الأَرْواحِ حيثُ تَميلُ

لأنْتِ لِنَفْسي داؤُها ودَواؤُها

وراحَتُها لَوْ نِلْتُها وشِفاؤُها

إذا بِنْتِ ضاقَتْ أرضُها وسماؤُها

فإنْ كان سؤلاً للنّفوسِ بلاؤُها

فإنّكِ للْبَلْوَى وإنَّك سُولُ

تَوَهمٌ ما أراني الدَّهرُ أمْ حُلُمُ

وصَبْوَةٌ كلُّ هذا الوجدِ أمْ لَمَمُ

أحببتُ قوماً وإفراطُ الهَوى نَدَمُ

ولَّوُا فَلَما رجوْنا عدلَهم ظلموا

فليتَهم حكموا فينا بِما علِموا

ساوَى حُضورَهُمُ عِندي مغيبهُمُ

وصنتُهم فيهما عَمّا يَعيبُهمُ

ومُنذُ قالَ الوَرى هذا حبيبُهمُ

ما مرَّ يوماً بفكري ما يَريبُهمُ

ولا سَعَتْ بي إلى ما ساءَهُمْ قَدَمُ

كَمْ رُضْتُ نفسيَ بالسُّلوانِ فامتَنَعَتْ

وكَمْ أضاعوا مواثيقَ الهَوى ورعَتْ

فما نقمتُ عليهمْ غَدَرةً فَضَعَتْ

ولا أضَعْتُ لهم عهداً ولا اطَّلَعَتْ

على وَدائِعِهِمْ في صَدْريَ التُّهَمُ

مِنْ فَرْطِ وجدي بِهمْ أحبَبْتُ غَدْرَهُمُ

واللّومُ فيهم لسَمْعي مِنهُ ذِكْرهُمُ

وصنْتُ حتّى عن الأوْهامِ سِرَّهُمُ

فليتَ شِعري بِما استَوْجَبْتُ هَجْرَهُمُ

مَلّوا فَصَدّهُمُ عن وَصْلَيَ السّأَمُ

ما صَرَّحوا لي بأسبابِ القِلى وكَنَوْا

إلاّ وَقال الهَوى مَهْلاً سواكَ عَنَوْا

وكُلّما أَهْمَلوا حِفْظَ الهَوى وَوَنَوا

حَفِظْتُ ما ضيّعوا أَغْضَيْتُ حين جنَوْا

وَفَيْتُ إذ غَدَرُوا واصَلْتُ إذ صَرَموا

كَمْ قَدْ سَعَيْتُ حريصاً في مُرادِهِمُ

وكَمْ رَعَيْتُ هَواهُمْ في بِعادِهِمُ

فَحينَ أصبَحْتُ طَوْعاً في قِيادِهمُ

حُرِمْتُ ما كنْتُ أرْجو من وِدادِهِمُ

ما الرِّزقُ إلاّ الذي تجري بهِ القِسَمُ

أوْطَنْتُهم خِلْبَ قَلبي دونَ مَوْطِنِهِم

فأحْرَجوا بِالتَجنّي رَحْبَ مَسْكَنِهِم

حَتّى لعنْد مُسيئيهِم ومُحسنهِم

مَحاسِني مُنْذُ مَلّوني بِأعيُنِهِمِ

قَذىً وذكْري في آذانِهِم صَمَمُ

هُم أباحوا الضَّنى جِسْمي وكانَ حِمى

وأمْطروا مُقْلَتِي بعدَ الدُّموعِ دَمَا

ومَا رَعَوا في الهَوى عَهْداً ولا ذِمَمَا

وبعدُ لو قيلَ لي ماذا تُحِبُّ وما

مُناكَ من زينةِ الدّنيا لَقُلْتُ هُمُ

راعُوا فُؤادي بالهِجرانِ حينَ أمِنْ

وكانَ بالوصْلِ منهُم لَوْ رَعَوْه قَمِنْ

ولَوْ تعوَّضَ عنهُم بالشّباب غُبِنْ

هُمُ مجالُ الكَرى من مُقْلَتَيَّ ومِنْ

قَلبي محلُّ المُنى جاروا أو اجْتَرَموا

لَمْ يَتْرُكِ الوَجْدُ لي في غيرِهمْ أَمَلا

ولَم أُطِعْ فيهِمْ نُصْحاً ولا عَذَلا

وبعدَ ما أشعروني في الهَوى خَبَلا

تبدّلوا بي ولا أبغي بِهم بَدَلا

حَسْبي بهم أَنصفوا في الحُكمِ أوْ ظَلَموا

فَقُلْ لساري الدُّجى تهديه ظُلْمَتُهُ

واللّيلُ كالبحرِ تعلو الأرضَ جُمّتُهُ

تُغْري الفَلا والدُّجى والهولَ عزْمَتُهُ

يا راكِباً تقطَعُ البيداءَ هِمُّتُهُ

والعيسُ تعجِزُ عمَّا تدركُ الهِممُ

إذا وصلتَ وقاكَ اللهُ مَهلكَةً

وذادَ عنكَ الرَّدى إن خُضتَ مَعركةً

فَما سلمتَ فقدْ مُلِّكْتَ مملكَةً

بلّغْ أَميري معينَ الدّين مَأْلُكَةً

منْ نازحِ الدّار لكنْ وُدُّهُ أَمَمُ

لَمّا وَليتَ الرّعايا سُرَّ كلُّ ولي

وسُسْتَهُم بالتُّقى في القولِ والعَملِ

تُمْضي القضايا بِلا حَيْفٍ ولا زَلَلِ

وأنتَ أعدلُ من يُشكى إليهِ ولي

شَكِيَّةٌ أنتَ فيها الخصْمُ والحَكَمُ

فاسمَعْ قضيّةَ مَأخوٍذ بخُلَّتِهِ

وفاؤُه لكَ أرْداهُ بغُلَّتِهِ

ولَمْ يكُن عالماً في طِبِّ عِلَّتِهِ

هَلْ في القضيّةِ يا مَنْ فضلُ دولتِهِ

وعدلُ سيرتِهِ بينَ الوَرى عَلَمُ

أمْ في كريمِ السَّجايا وهيَ قَدْ فُقِدَتْ

أمْ في العُلا وهي بالعُدوانِ قد عُدمَتْ

وساءَها فَلَحتْ من بعد ما حَمِدَتْ

تَضييعُ واجِب حقِّي بعد ما شهِدتْ

به النّصيحةُ والإخلاصُ والخِدَمُ

يا لهفَ نفسي ولهفٌ طالَما شَفَتِ

لم تُغنِ عنّي تجاريبي ومعرِفَتي

حتى اغتررْتُ بآمالٍ مزَخْرَفَةِ

وما ظننتُكَ تنسى حقَّ معرفتي

إنّ المعارِفَ في أهلِ النُّهى ذِمَمُ

يا مَنْ إذا استأذَنَ السّاعي عَلَيه أَذِنْ

إِذا الغَديرُ أقامَ الماءُ فيهِ أجِنْ

وَلَمْ يطلُ مكثُ ميثاقي فكيف أَسِنْ

ولا اعتقدتُ الذي بيني وبينَك مِنْ

وُدٍّ وإنْ أجلبَ الأعداءُ يَنْصَرِمُ

وكم رَماني العِدا بَغياً بِإفكِهِمُ

فلَمْ أَرقَّ ولم أفرَقْ لبَغْيِهِمُ

وكم سَعَوْا بي فلَمْ أحفِل بسعْيِهِمُ

لكنْ ثِقاتُكُ ما زالوا بغشِّهِمُ

حتّى استوتْ عندكَ الأنوارُ والظُّلَمُ

ما كان أبعَدَهُم فهماً وأجهَلَهُمْ

مالوا ومالَوْا عَلى من كانَ مَوَّلَهُمْ

وقبلَهُ خَوَلا كانوا فخَوَّلَهُم

باعوكَ بالبَخسِ يرجون الغنى ولَهُمْ

لو أنَّهم عَدِموكَ الويلُ والعَدَمُ

كيفَ اغتررتَ بِهِمْ فيما أَمَرْتَهُمُ

حتى كأنَّك يوماً ما خبرتَهُمُ

وغورُهمْ كان يبدو لو سَبَرتَهُمُ

واللهِ ما نصحوا لمَّا استشرتَهُمُ

وكلُّهم ذو هوىً في الرأيِ متَّهَمُ

كان التحاملُ منهمْ في إشارَتِهِم

والنّقصُ في دينِهم أو في عِبارتِهِم

وكلُّ ذلكَ نوعٌ من تجارتِهِم

كم حرَّفوا من مقالٍ في سِفارتِهم

وكم سَعَوْا بفسادٍ ضلُّ سعيُهُمُ

قالوا الأميرُ وفيٌّ بالعهودِ فلُذْ

بِذي الحميَّةِ إن خَطْبٌ ألمَ وعُذْ

والوصفُ في السمعِ قبلَ الامتحانِ يَلَذّ

أين الحميّةُ والنّفسُ الأبيّةُ إذْ

ساموكَ خُطَّةَ خسفٍ عارُها يصِمُ

لمَّا رأيتَ لصَرفِ الدّهرِ واعِظةً

للخيرِ والشَّرِّ ما تَنفكُّ حافظةً

حتى تَشيعَ سماعاً أو ملاحظَةً

هلاّ أنِفْتَ حياءً أو محافظةً

من فعلِ ما أنكرَتْهُ العُربُ والعجمُ

أتيتَ فينا وما اقتادتْكَ مَوجِدةٌ

إساءةً هي للإحسانِ مُفسِدَةٌ

أغربْتَ فيها فجاءَت وهي مُفردةٌ

أسلمتَنا وسيوفُ الهند مغمَدةٌ

ولم يُروِّ سِنانَ السمهرِيِّ دَمُ

ما شُبتُ حُسنَ ظُنوني فيكَ بالتُّهَمِ

ولم تَمُرَّ بِفِكْري خَجلةُ النَّدمِ

وأنَّ إفك الأَعادي مُخْفِرٌ ذمَمي

وكنتُ أَحسَبُ مَن والاكَ في حَرمٍ

لا يَعتريه به شَيْبٌ ولا هَرَمُ

يأوي إلى حُسن عهدٍ مِنكَ ما ابتُذِلا

ولا ابْتَغى بصديقٍ صادِقٍ بَدَلا

ولا رأَى الخِلُّ منه ساعةً مَلَلا

وأَنَّ جارَك جارٌ للسموءَلِ لا

يَخشى الأعادي ولا تَغتالُه النِّقَمُ

إساءةً جئتَها واللهُ يغفُرهَا

يُذيعُها الدَّهرُ في الدّنيا وينشُرُها

والخلقُ أجمعُ يأباها ويُنْكِرها

هبنا جَنَينا ذُنوباً لا يُكَفِّرُها

عُذْرٌ فماذا جَنى الأطفالُ والحُرُمُ

ما زلتَ في كلِّ حالٍ مُحسناً وَرِعَا

ترى الإساءةَ في وجهِ العُلا طَبَعا

لكنَّ فِعلَك فيهم جاءَ مُبتَدَعا

ألقَيتَهم في يدِ الإفرنج مُتَّبِعا

رضا عِداً يُسخِطُ الرحمنَ فِعلُهُمُ

أَخفى الهوى عَنك بعد الكشفِ أمرَهُمُ

حتّى لأنكرتَ يا مَخدوعُ مكرَهُمُ

وسوفَ تَعرِفُ بعد الفَوتِ غَدرهُمُ

همُ الأعادي وقاكَ اللهُ شرَّهُمُ

وهُم بزعمِهِمُ الأعوانُ والخدَمُ

ما أنصفوكَ أتَوْا ما لستَ تَجهلَهُ

وما استَقَلّوا بعبءٍ أنت تحمِلُهُ

وخالفوا كلَّ خيرٍ كنتَ تَفعلُهُ

إذا نهضتَ إلى مجدٍ تُؤثِّلُهُ

تَقاعدوا فإذا شيَّدتَهُ هَدَموا

صَدَّقْتَهمْ وعهودُ القومِ كاذبةٌ

وكلّ أحلامِهم في الغدرِ عازِبةٌ

لغيرِ دولتِكَ الغرّاءِ طالِبَةٌ

وإن عَرَتكَ من الأيّامِ نائبةٌ

فكلُّهم للَّذي يُبكيكَ مُبتَسِمُ

ضَلالَةٌ قد أظلّتهُم غَوايتُها

ودولَةٌ رُفعت بِالغدْرِ رايَتُها

دَنت لِكُفرانِها النُّعمى نِهايَتُها

حتى إذا ما انجلَت عَنهُمْ غَيابَتُها

بِحِدِّ عَزمكَ وهو الصَّارِمُ الخَذِمُ

وأصبحوا في نعيمٍ ما له خَطرُ

ما يعتري عَيشَهم بؤسٌ ولا ضَررُ

ولم يَرُعَ سَرحَهُم خوفٌ ولا حَذَرُ

رَشفتَ آجنَ عيشٍ كلُّه كدَرٌ

وَوِرْدُهم من نداك السلسَلُ الشَّبِمُ

أحلَتَهُمْ غَلطاً أعلى ذرى الأُفُقِ

فلم يَرَوْا حقَّ تلكَ الأنعُمِ الدُّفُقِ

وعامَلوكَ بِغِشِّ الغِلِّ والمَلَقِ

وإن أتاهُم بقَولٍ عنكَ مُختَلَقِ

واشٍ فَذاك الذي يُحبى ويُحتَرَمُ

أَخفَوْا من الغِلِّ ما أخفَوْهُ ثمَّ عَلَنْ

وأضمَروا مِحناً مِن غِشِّهم وإحَنْ

وأنكروا نِعَماً طوَّقْتَهُم ومِنَنْ

وكلُّ مَن مِلْتَ عنهُ قرَّبوهُ مَنْ

والاك فَهو الذي يُقصى ويُهْتَضَمُ

ما زلتَ في وُدِّهم تَجري على سَنَنِ

وهمْ عِداك فيا لله للغَبنِ

أعوانُ عادِيةِ الأيّامِ والزّمنِ

بغياً وكُفراً لِمَا أوليتَ من مِنَنِ

ومَرتَعُ البغيِ لولا جَهلُهم وِخِمُ

أَخفيتَ بادي مَساويهم لِتَسْتُرَهُمْ

ولو كشفتَهُمُ لم ترض مَكسِرَهُمْ

فاكشِفْ ببحثِك ما أخفَوْا لتُنكرَهُمْ

جرِّبهُمُ مثل تجريبي لتَخْبُرَهُمْ

فلِلرّجالِ إذا ما جُرّبوا قِيَمُ

ما زلتُ مُذْ كنتُ في عينِ العَدوِّ قَذى

يَرى محلِّيَ فَوق النَّجمِ مُنتَبِذا

فسلهمُ بي تَزِدهُم مِن جَوىً وأَذى

هل فيهِمُ رجلٌ يُغني غَنايَ إِذا

جلَّى الحوادِثَ حدُّ السَّيف والقَلَمُ

أم فيهِمُ من يُجلِّي حِندِسَ الشَّبَهِ

بِعَزمِ أروعَ مِدراكٍ لِمَطْلَبِهِ

ماضٍ على الهَولِ مُستوطٍ لمَركَبِهِ

أم فيهمُ مَن لَه في الخَطبِ ضاق به

ذَرعُ الرجالِ يدٌ يسطو بها وفَمُ

عرفتَ غِشَّهُمُ في السِّرِّ والعَلَنِ

وأنَّ نِيَّاتِهم ملأى مِن الدَّرَنِ

ولم تَزل عاكِفاً منهم على وَثَنِ

لكنَّ رأيَكَ أدناهُم وأبعَدني

فليتَ أَنَّا بِقدرِ الحُبِّ نَقْتَسِمُ

لمَّا خَلَطْتَ يَقينَ الوُدِّ بالشَّبَهِ

رَعيتَ عَهدي بطَرفٍ غَيرِ مُنتَبِهِ

ومِلتَ بالوُدِّ عن مَلْحوبِ مَذْهَبِهِ

وما سَخِطتُ بِعادي إذْ رضيتَ بِه

ولا لجُرحٍ إذا أرضاكُمُ أَلَمُ

لا تَحسبَنَّ الرّزايا ضَعْضَعَتْ جَلَدي

ولا النّوى عن دمشقٍ فَتَّ في عَضُدي

أنَّى ثَوى اللَّيْثُ فَهو الخِيْسُ للأسَدِ

ولستُ آسَى على التَّرحالِ عن بَلد

شُهْبُ البُزاةِ سواءٌ فيه والرَّخَمُ

أقولُ إذ فاتَ حَزمي عزَمَةُ الرّشَدِ

وقد بَدا ليَ ما لم يَجرِ في خَلَدي

لله درُّكَ لولا الغَبْنُ من بَلَدِ

تعلَّقَتْ بِحبالِ الشَمسِ مِنهُ يَدي

ثَمَّ انثَنَتْ وهي صِفرٌ مِلْؤُها نَدَمُ

كم عَزَّني أمَلي فيه وسوَّفَني

وكَم وثِقتُ بميعادٍ فأخْلَفَني

حتى تَلاشى رجائِي فيهِ ثمَّ فَنِي

لَكِنْ فِراقُكَ آسانِي وآسفَنِي

فَفي الجوانِح نارٌ منه تَضْطَرِمُ

ومثلَ وجدِي لبُعدِي عنكَ لم أَجِدِ

وكَم شَجِيتُ بتَرحَالٍ ومُفْتَقَدِ

فَما تنكّر لِي صبْرِي ولا جَلَدِي

فاسلَم فما عِشتَ لي فالدَّهرُ طَوْعُ يَدِي

وكلُّ ما نَالَنِي من بُؤسِهِ نِعَمُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أسامة بن منقذ

avatar

أسامة بن منقذ حساب موثق

العصر الايوبي

poet-usama-ibn-munqidh@

601

قصيدة

2

الاقتباسات

71

متابعين

سامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي الشيزري، أبو المظفر، مؤيد الدولة. أمير، من أكابر بني منقذ أصحاب قلعة شيزر (بقرب حماة، يسميها الصليبييون Sizarar) ...

المزيد عن أسامة بن منقذ

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة