الديوان » العصر العباسي » ابن دراج القسطلي » قل للربيع اسحب ملاء سحائب

عدد الابيات : 80

طباعة

قُلْ للرَّبِيعِ اسْحَبْ مُلاءَ سحائِبِ

فَاجْرُرْ ذُيُولَكَ فِي مَجَرِّ ذَوائِبي

لا تُكْدِيَنَّ ومن ورائِكَ أَدْمُعِي

مَدَداً إِلَيْكَ بفَيْضِ دَمْعٍ ساكِبِ

وصبابَةٌ أَنفاسُها لَكَ أُسْوَةٌ

إِنْ ضاقَ ذَرْعُكَ بالغَمامِ الصَّائِبِ

وامزِجْ بِطيبِ تَحِيَّتِي غَدِقَ الحَيَا

فاجْعَلْهُ سَقْيَ أَحِبَّتِي وحَبائِبي

عهداً كَعَهْدِكَ من عِهادٍ طالما

كَسَتِ البُرُودَ معاهِدِي ومَلاعِبي

واجْنَحْ لِقُرْطُبَةٍ فَعانِقْ تُرْبَها

عَنِّي بِمِثْلِ جَوانِحي وتَرَائِبي

حَيْثُ اسْتَكانَتْ للعَفاءِ منازلي

وَهَوَتْ بأَفلاذِ الفؤادِ نَجَائِبي

ذُلُلاً تَعَسَّفْنَ الدُّجى بِأَذِلَّةٍ

ولواغِباً جُبْنَ الفَلا بِلَوَاغِبِ

وكواكِبٌ ناءَتْ بِقرْبَتِها النَّوى

فَقَضَتْ مدامِعُهَا بِنَوءِ الغارِبِ

من كُلِّ مَفْجُوعٍ بتَرْحَةِ راحِلٍ

لَمْ يُسْلِهِ طَمَعٌ بفَرْحَةِ آيبِ

كَذَبَتْهُ بارِقَةُ المُنى عن صادِقٍ

من ظَنِّهِ وصَدَقْتَهُ عن كاذبِ

ظُعُنٌ سَرَيْنَ الليلَ ضَرْبَةَ لازِمٍ

وسَرى إِليها الهَمُّ ضَرْبَةَ لازِبِ

جَمُدَتْ عَلَيْهِنَّ القُلوبُ فَأَسْبَلَتْ

فَوْقَ المحاجِرِ كُلَّ قَلْبٍ ذائِبِ

وتَخازَرتْ عنها العُيُونُ فأَبْرَزَتْ

عن أَعْيُنٍ بِدِمائِهِنَّ سَوَاكِبِ

وتَقَطَّعَتْ أَسبابُهُنَّ لِطِيَّةٍ

وَصَلَتْ بِهِنَّ سباسِباً بسباسِبِ

يَطْلُبْنَ شَأْوَ غرائبٍ ليَ كُلَّمَا

نَأَتِ البلادُ حَلَلْنَ غَيْرَ غَرَائِبِ

لَحِقَتْ بأَسْبابِ السَّمَاءِ فَأُعطِيَتْ

فِيهَا خُلُودَ أَهِلَّةٍ وكَواكِبِ

وَأَعَدَّتِ الأَزْمانُ مَاءَ شَبابِها

لِحُنُوِّ ظَهْرٍ أَوْ لِرَأْسٍ شائِبِ

وعَقَدْنَ بالأَبَدِ الأَبيدِ وإِنْ نَأَى

حِلْفَيْنِ حِلْفَ مُسَايِرٍ ومُعَاقِبِ

مَا بَلَّ بَحْرٌ صُوفَةً وتقاذَفَتْ

أَمْواجُهُ بشَمَائِلٍ وجَنَائِبِ

هَدَماً إِلَى هَدَمٍ وَحِفْظَ دَمٍ دَماً

حَدَبٌ بعَطْفِ مُشاكِهٍ ومُنَاسِبِ

زُهْرٌ طوالِعُها لِكُلِّ غَدٍ غَدٌ

وَجَزَاؤُها رَهْنٌ بأَمْسِ الذَّاهِبِ

تَشْدُو بِهَا خُضْرُ الحَمَامِ وَحَظُّها

عَنْقَاءُ رِيعَتْ بالغُرَابِ النَّاعِبِ

حَلَّيْتُها الأَرْضَ الَّتِي هِيَ فارِكِي

وكَسَوْتُها الدَّهْرَ الَّذِي هُوَ سالِبي

ومَلأْتُ مِنْهُنَّ العُقُولَ عَجَائِباً

ولَنَقْصُ حَظِّي مِن تَمامِ عَجَائِبِي

مَيْتُ الرَّغائِبِ والمَسِيحُ مُوَرِّثِي

إِحياءَ آثاري وخُلْدَ مَناقِبي

بِشَوارِدٍ فِي الأَرْضِ غيرِ أَوابِدٍ

وطوالِعٍ فِي الجَوِّ غَيْرِ غَوارِبِ

ولقد قَضَيْتُ من الصَّبابَةِ حَقَّها

فَقَضتْ من الأَمَلِ البَعيدِ مآرَِبي

قَنَّعْتُها الصَّبْرَ الجَميلَ فأَسْفَرَتْ

فِي آلِ يَحْيى عن جميلِ عواقِبِ

وشَدَدْتُ عَقْدَ خِتامِها فاسْتَفْتَحَتْ

بِمكارِمِ المنصورِ ضِيقَ مَذَاهِبِي

فَهَلَ اَنتَ يَا زَمَنَ الرَّبيعِ مُبَلِّغٌ

بالمَغْرِبَيْنِ أَحِبَّتِي وأَقارِبي

أَنَّ الربيعَ لَدَيَّ شِيمةُ قاطِنٍ

وحَيا الغمامِ عَلَيَّ دِيمَةُ دائِبِ

من بعدِ مَا غَمَّ الصَّباحُ لناظِرِي

واشْتفَّ مِنِّي البَحْرُ جَرْعَةَ شارِبِ

وأَنِسْتُ بالأَهوالِ حَتَّى لَمْ أُبَلْ

أَلِقاءُ أُسْدٍ أَمْ لِقاءُ ثَعالِبُ

كمْ أَنشَبَتْ فِيَّ الخطوبُ مخالِباً

حَتَّى انْثَنَتْ عنِّي بغيرِ مخالبِ

وشَفَيْتُ سُمَّ عَقارِبٍ بأَساوِدٍ

ودَفَعْتُ سُمَّ أَساوِدٍ بعقارِبِ

حتى نَزَفْنَ سُمومَهُنَّ فلَمْ يُرَع

من نافِثاتِ السُّمِّ ليلُ الحاطِبِ

وسُدِكْتُ بالغَمَرَاتِ حَتَّى بَلَّدَتْ

فَرَمَيْنَ حَبْلِي فَوْقَ ذِرْوَةِ غارِبِ

وتدارَكَتْنِي ذِمَّةٌ من يَعْرُبٍ

مَطَرَتْ عَليَّ ثِمارَ جَنَّةِ مأْرِبِ

فهناكَ أَنْصَلْتُ الأَسِنَّةَ وانْتَحى

سيفي بِهَا مَسْحاً بسُوقِ ركائِبي

ورفَعْتُ ناراً للعيونِ وقودُها

أَقْتابُ أَحْدَاجي وَوَقْرُ حقائِبي

نِعَمٌ تكاد تَرُدُّ أَيَّامَ الصِّبا

وتُعيدُ أَزْمانَ النَّعِيمِ الذَّاهِبِ

أَيَّامَ أَلْقى الصُّبْحَ تِرْبَ كواكبٍ

أَدَباً وأُحْيي اللَّيْلَ خِلْبَ كواعِبِ

والمَكْرُمَاتُ منازلي ومشاهِدِي

والمُقْرَباتُ مراكِبي ومَرَاقِبي

إِذْ أَنتَ يَا زَمَنَ الرَّبيعِ مُخَيِّمٌ

فِي ساحِلي ومُغَيِّمٌ من جانِبي

عَبِقُ الرَّوائِحِ من نَثِيرِ غدائِرِي

غَدِقُ السَّحائِبِ من فُضُولِ مشارِبي

وتَرُوحُ مُغْتَبِقاً شَمُولَ شمائِلي

وتعُودُ مُصْطَبِحاً ضَرِيبَ ضَرائِبي

تَغْدُو فَتَسْتَملِي بديعَ محاسِني

وترُوحُ تَسْتَقرِي نفيسَ غرائِبِي

وتبيتُ تنشُرُ فِي الأَباطِحِ والرُّبى

زَهْراً يُخَبِّرُ عنك أَنَّكَ كاتِبي

مِمَّا تَرِفُّ بِهِ رِياضُ حدائِقي

ويُفيضُ جَوْهَرَهُ عُبابُ غوارِبي

فَنَظَمْتُها فِي كُلِّ أُفْقٍ نازِحٍ

وبَعَثْتُها مَعَ كُلِّ نَجْمٍ ثاقِبِ

وَنَظَمْتُ يَا مَنصورُ ذكرَكَ وَسْطَها

نَظْمَ العُقُودِ عَلَى تَرَائِبِ كاعِبِ

ذِكْرٌ عَلَى الأَلبابِ أَكْرَمُ نازِلٍ

وَعَلَى فِجاجِ الأَرْضِ أَوْضَحُ راكِبِ

سُورٌ لِمَجْدِكَ رَفَّعَتْ آياتِها

أَعْلامُ آدابي وذِكْرُ مناقِبي

بفواتِحٍ من كُلِّ مَدْحٍ سائِرٍ

وخواتِمٍ من كُلِّ حَمْدٍ ذاهِبِ

فاسْتَشْرَفَ الثَّقَلانِ أَخْطَبَ شَاعِرٍ

وأَصَاخَتِ الدُّنيا لأَشْعَرِ خاطِبِ

فَخَطَبْتُ والعَوَّاءُ بَعْضُ منابِرِي

وأَمَمتُ والجوزَاءُ بعض محَاربي

وكَتَبْتُ منها لِلَّيالي مُصْحَفاً

تتلُوهُ أَلسِنَةُ الزَّمانِ الدَّائِبِ

حَتَّى تركتُ سَناءَ مُلْكِكَ حاضِراً

فِي كُلِّ أُفْقٍ عن بلادِكَ غائِبِ

وجَلَوْتُ للدُّنيا مثالَكَ فِي الوَغى

تختالُ بَيْنَ ذوابِلٍ وقَواضِبِ

وأَرَيْتُكَ الأُمَمَ الخُلُوفَ مَتَوَّجاً

بخوافِقٍ ومُكَلَّلاً بكتائِبِ

ورَفَعْتُ سِتْرَ الليلِ عنكَ لِغَابِرٍ

ومُقَدَّمٍ ومُباعِدٍ ومُقارِبِ

حَتَّى أَرَيْتَهُمُ السَّنا تَحْتَ الدُّجى

وخيالَ سَارٍ فِي مَخِيلَةِ سارِبِ

طَيَّارَ بارِقَةِ الوغى بمَقادِمٍ

كَقوادِمٍ ومَوَاكِبٍ كمناكِبِ

حَتَّى ابْنُ شَنْجٍ يَوْمَ أَمَّكَ خاضِعاً

تَسعى إِلَيْكَ بِهِ نَدَامَةُ تائِبِ

منْ بَعْدِ مَا رَازَ البلادَ فَلَمْ يَجِدْ

فِي الأَرْضِ عن مأْواكَ مَهْرَبَ هارِبِ

ورأَى الضَّلالَ عَلَيْكَ أَضْعَفَ ناصِرٍ

ورأى الفِرَارَ إِلَيْكَ أَيْمَنَ صاحِبِ

ودعاكَ مُعْتَرِفاً بِذِلَّةٍ مُذْنِبٍ

وأَتاكَ مُشْتَمِلاً بِلِبْسَةٍ راهِبِ

ولقد تراءَتْ فِي ذَرَاكَ مطالِعِي

حينَ اسْتَبَدَّ تَغَرُّبي بِمغارِبي

فَخَتَمْتَ طُولَ تَقَلُّبي بتَقَبُّلِي

وجزَيْتَ غُرَّ غرائِبِي برَغائِبِ

وأًجَرْتَني من كُلِّ خَطْبٍ طارِقٍ

حَتَّى مُناجَاةِ الرَّجاءِ الخائِبِ

ووجَدْتُ عند يَدَيْكَ سَدَّ مفاقِري

وسُلُوَّ أَحزانِي وبُرْءَ مصائِبِي

ولقد تَجَلَّى العيدُ عَنْكَ بِغُرَّةٍ

جَلّاءةٍ لِفَوَادِحٍ وغَياهِبِ

يتلُوكَ حاجِبُكَ الَّذِي أَنْجَبْتَهُ

كالشَّمْسِ إِذْ ضَرَبَتْ إليكَ بِحاجِبِ

في مَشهدٍ بِسَنا جبينِكَ مشرِقٍ

شَرِقٍ بآسادٍ وجُرْدِ سَلاهِبِ

غُرٍّ تَواعَدُ للطِّعَانِ صَواهِلٍ

تختالُ بَيْنَ مُخاطِبٍ ومُجاوِبِ

حَتَّى ارْتَقَيْتَ سريرَ مُلْكِكَ حَفَّهُ

نُورُ السرورِ جوانِباً بِجوانِبِ

ومدَدْتَ للتقبيلِ راحَةَ مُنعِمٍ

تَنْهَلُّ أَنْمُلُها بُحُورَ مَواهِبِ

وتكادُ تهتِفُ عَنكَ هل من راغِبٍ

أَوْ راهبٍ أَوْ خائفٍ أَوْ طالِبِ

فاسْلَم وكُنْ للأَرْضِ آخِرَ عامِرٍ

ولغالِبِ الأَعْدَاءِ أَوَّلَ غَالِبِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن دراج القسطلي

avatar

ابن دراج القسطلي حساب موثق

العصر العباسي

poet-ibn-darray-alqastalli@

171

قصيدة

1

الاقتباسات

133

متابعين

أحمد بن محمد بن العاصي بن دَرَّاج القَسْطلي الأندلسي، أبو عمر. شاعر كاتب من أهل "قَسْطَلَّة دَرّاج" المسماة اليوم "Cacella" قرية في غرب الأندلس منسوبة إلى جده. كان شاعر المنصور ...

المزيد عن ابن دراج القسطلي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة