الديوان » العصر العباسي » ابن دراج القسطلي » عمرت بطول بقائك الأعمار

عدد الابيات : 88

طباعة

عَمُرَتْ بطولِ بقائِكَ الأَعمارُ

وجرَتْ بِرِفعةِ قَدْرِكَ الأقدارُ

ودَنَتْ لَكَ الدُّنيا بِقاصِية المُنى

وَتَخَيَّرَتْ لَكَ فَوْقَ مَا تختارُ

فإِذَا النُّجومُ تطلَّعتْ لَكَ أَسعُداً

بَدَرَ البدُورُ بهنَّ والأقمارُ

وإِذا زَجَرْتَ ليُمنِ يَومِكَ طائراً

حُشرَتْ إِليكَ بِيُمنِها الأَطيارُ

وإِذا المُنى بدَأَتْكَ غَرْسَ رياضِها

حَيَّتكَ فِي أَغصانِها الأَثمارُ

سَبقاً كما سَبَقتْ فِعالُكَ كُلَّ مَا

أَعيتْ بِهِ الأَوْهامُ والأَفكارُ

وتَجلِّياً للدَّارِعينَ تَصيدُها

بطيورِ خَيلكَ والعقولُ تُطارُ

بشمائلٍ مشمولةٍ بمكارِمٍ

مَا للخطائرِ عندَها أَخطارُ

ومعالِمٍ لِندى يَديْكَ وإِنَّها

سُرُجٌ إِليكَ لحائرٍ ومَنارُ

فإِذا عوَانُ المَجدِ رَدَّ خطيبُها

فَلَكَ الأَيامى مِنهُ والأَبكارُ

وإِذا الحُروبُ تساجَلتْ أَيَّامُها

فقتيلُ سيفكَ فِي المُلوكِ جُبارُ

ولقد عَضضتَ عَلَى الخطوبِ بناجِذٍ

للدَّهرِ منه سكينةٌ وَوَقارُ

لكن شمائلُ فِي النَّدى وكَّلتها

بعفاةِ جُودِكَ فتيةٌ أَغمارُ

ما البحرُ فِي الأَرْضِ العريضةِ بعدَما

فاضتْ عليها من نَداكَ بحارُ

أَوْ مَا غَناءُ المِسك فِي الدُّنيا وَقَدْ

مُلِئَتْ بطيبِ ثنائكِ الأَمصارُ

فبهِ تأَنَّقَتِ الحدائِقُ وازْدَهى

زَهرُ الرُّبى وتفتَّحَ النُّوّارُ

وتنافَحتْ بنسيمها ريحُ الصَّبا

وتفاوَحَتْ برِياضها الأَسحارُ

وتعاطَتِ النُّدَماءُ كأْسَ مُدامِها

وسَرَتْ بِهَا الرُّكبانُ والسُّمَّارُ

فكأَنَّ للدُّنيا بحَمدِكَ أَلسُناً

تُصغِي لَهَا الآفاقُ والأَقطارُ

وكأَنَّما الأَيَّامُ فيكَ مدائحٌ

نُظِمَتْ كما نُظِمتْ لَكَ الأَشعارُ

واللهُ جارُكَ كم أَجَرْتَ عِبادَهُ

من كُلِّ خطبٍ لَيْسَ مِنه جارُ

وَضَرَبْتَ عنهمْ كُلَّ جبَّارٍ عتا

فحباكَ بيضةَ مُلكهِ الجبَّارُ

في جَحْفَلٍ كاللَّيلِ جرَّارٍ لَهُ

من عِزِّ نَصركَ جحفلٌ جَرَّارُ

أُمدِدْتَ فِيهِ بالملائكةِ الَّتِي

نُصرَتْ بِهَا أَعمامُكَ الأَنصارُ

وكَسوْتَ فِيهِ الشمسَ بُردَ عَجاجَةٍ

للموتِ تَحْتَ ظلامِها إِسفَارُ

والجوُّ يَحمى والدِّماءُ سواكِبٌ

والأَرْضُ رَيَّا والسَّماءُ غُبارُ

والمُقفِراتُ سوابقٌ وخوافقٌ

والشاهِقاتُ أَسِنَّةٌ وشِفارُ

كلٌّ رَفَعتَ صدورَهُنَّ لغارَةٍ

مَا إِنْ لَهَا قبلَ الصُّدورِ مُغارُ

وقد ادَّرَعَت لَهَا سوابقَ عَزمةٍ

البِرُّ والتقوى لهنَّ شِعارُ

بَهرَتْ فهنُّ عَلَى ابن يَحيى فِي الوغى

نورٌ لَهُ وَعَلَى ابن شنجٍ نارُ

تحمى فيودِعُها جوانِحَ صَدرِهِ

كي لا تُبَيِّنَهُ لَكَ النُّظَّارُ

أَسَدٌ حَطمْتَ سِلاحَهُ فتركْتَهُ

بالبيدِ لا ظَفَرٌ ولا أَظفارُ

رَهناً بإِلقاءِ اليدَيْنِ لقاهِرٍ

أَعلى يَدَيهِ الواحِدُ القهَّارُ

مَلِكٌ كَأَنَّكِ يَا مَحاسِنَ فِعلِهِ

من سَيِّئاتِ زمانِكَ استغفَارُ

خُصَّتْ بِهِ سَبأٌ وعُمَّ بنصْرِهِ

عُليا قُرَيشٍ فِي الهُدى ونِزارُ

رَبذُ القِداحِ من الرِّماحِ وَمَا لَهُ

إِلّا السِّباعَ وطيْرَها أيسارُ

ونديمُ بيض الهِندِ يومَ دَمُ العدى

خمرٌ لَهُ والمأْثراتُ خُمارُ

آياتُ نصْرٍ فِي الوَرى بسيوفِها

أَمِنَ الهُداةُ وآمَنَ الكُفَّارُ

جاهَرْتَ حُرَّ بلادِهِم بجهادِهِمْ

حَتَّى غَدَوْا وهُمُ لَهَا أَسرارُ

وسرَيتَ حَتَّى ظَنَّ من صبَّحتَهُ

أَن الظلامَ عَلَى سُراكَ نهارُ

ولكم أَطارَهُمُ لِسيفِكَ بارِقٌ

حَتَّى دَعَوْتَهُمُ إِليكَ فطاروا

وجنَحتَ للسَّلم الَّتِي جَنحوا لَهَا

وقضاءُ ربِّكَ فِي العِبادِ خِيارُ

فأَتوكَ مُستَبِقِينَ قَدْ قربَ المدى

منهمْ إِليكَ وذُلِّلَ المضمارُ

ودَنا ابنُ رُذْميرٍ يُزَلْزِلُ خَطوَهُ

أملٌ تقسَّم نفسَهُ وحِذارُ

ففُؤادُهُ من ذُعْرِ سيفكَ طائرٌ

طَوْراً ومن عَجلٍ إِليكَ مُطارُ

ولَقبلُ أَيْقنَ فِرْذِلَندٌ مَا لَهُ

إِلّا إِليكَ من الحِمامِ فِرار

كلٌّ يَخِرُّ لأَخْمَصَيْكَ وطالَما

سَامَوْكَ فِي رَهَجِ الخَميس فخَارُوا

فهناكَ أُخْلِصتِ النُّفُوسُ وأُكِّدَتْ

عُقَدُ العُهُودِ وشَدَّتِ الأَنْصارُ

وتَوَاصَلَ البُعَدَاءُ منكَ بطاعَةٍ

وُصِلتْ بِهَا الأَرْحامُ والأَصهارُ

فعقدْتَ فِي عُنقِ الضَّلالِ مَواثِقاً

دانَتْ بِهَا الرُّهبانُ والأَحبارُ

وكأنَّما كانتْ عُقودَ تمائِمٍ

سَكنتْ بِهَا الأَوْجَالُ والأَذْعارُ

أَحيَيتَ منها مُلكَ رُذْميرٍ وَقَدْ

مَشَتِ الدُّهور عَلَيْهِ والأَعصارُ

وأَقَمْتَ تاجَ جَبينِهِ منْ بعدِما

عفَتِ المعالِمُ منهُ والآثارُ

وبَسَطتَ من قَشتِلَّةٍ يَدَ آمِنٍ

لِرِضاكَ فِيهَا يارَقٌ وسِوارُ

ثم انثَنَوْا يَبأوْنَ منكَ بطاعَةٍ

رَفَعوا بِهَا أَعلامَهُمْ وأنارُوا

ولَهُمْ بذِكْرِكَ فِي العداةِ تَبجُّجٌ

وبقُبلِ كَفِّكَ فِي البلادِ فخارُ

ورفَعتَ أَجيادَ الجِيادِ لأَوْبَةٍ

رَفِعتْ لَهَا الآمالُ والأَبصارُ

فكأنما البُشرى بذلِكَ عندَنا

كأْسٌ علينا بالسُّرورِ تُدارُ

والأَرْضُ أَرْضُكَ كُلُّها لكَ رَوْضَةٌ

أُنُفٌ وأَنتَ سماؤها المِدْرارُ

حتى قَدِمْتَ وَمَا تَقَلَّبَ ناظِرٌ

إِلّا لَهُ بقدُومِكَ استِبشارُ

حُرَّ المكارِمِ حقُّ قَدْرِكَ أَنْ تُرى

وعبيدُكَ السَّاداتُ والأَحرارُ

ومُجَاهِداً فِي اللهِ حَقَّ جهادِهِ

واللهُ أَبْصَرَ فِيكَ مَا يَخْتارُ

واسْأَلْ بِضَيْفِكَ كيْفَ بَعْدَكَ حالُهُ

وقدِ اقْتَضَتْهُ بعدَ دارٍ دارُ

غَدَرَتْ بِهِ أَيَّامُ عامٍ قَدْ وَفى

أَنَّ الوفاءَ بِعَهْدِهِ غَدَّارُ

ودنا بِهِ أَجَلُ الرَّحِيلِ كَأَنَّهُ

أَجَلُ المماتِ دَنَا بِهِ المقدارُ

عامٌ كعُمْرِ الوَصْلِ ليلَةَ زائِرٍ

وأسىً تَقاصَرُ دُونَهُ الأَعمارُ

طالَتْ ليالِيهِ الزَّمانَ بِهَمِّهِ

وكأَنَّهُنَّ من السُّرورِ قِصَارُ

بِمُشَرَّدٍ قَلِقِ الثَّواءِ بِمَنْزِلٍ

لا يَنْثَنِي فِيهِ لَهُ الزُّوَّارُ

مثوايَ قيه تَقَلْقُلٌ وتَأَهُّبٌ

وَقِرَاي فِيهِ ذِلَّةٌ وصَغَارُ

وحسابُ أَيَّامٍ كَأَنَّ متاعَهَا

نَوْمٌ عَلَى وَجَلِ البَيَاتِ غِرَارُ

وطِلابُ مأْوىً قبلَ حِينِ أَوانِهِ

فَالدَّهْرُ أَجْمَعُهُ لِيَ اسْتِنْفارُ

للهِ من عامٍ جَرى عَنْي بِهِ

جَرْيُ الأَهِلَّةِ فِيهِ والأَقْمارُ

في أَهْلِ دَارٍ كالكَوَاكِبِ والنَّوى

بَعْدَ النَّوى فَلَكٌ بِهِمْ دَوَّارُ

كانوا جَمالاً للزَّمانِ فأَصْبَحُوا

وَهُمُ عَلَيْهِ بالتَّغَرُّبِ عَارُ

تَنْبُو الدِّيارُ بِهِمْ وَتِلْكَ ديارُهُمْ

غَرَضُ المصائِبِ مَا بِهَا دَيَّارُ

قد أَقْفَرُوا وَطَنَ الأَنيسِ وأُنِّسَتْ

بِهِمُ مفاوِزُ بالفَلا وقِفارُ

يتأَوَّهونَ إذَا رَمَتْ أَوْهَامُهُمْ

داراً لساكِنِها بِهَا اسْتِقْرارُ

ويَهِيجُهُمْ عِينٌ لَهُنَّ مرابِضٌ

ويَشُوقُهُمْ طَيرٌ لَهَا أَوْكارُ

وإِلَيْكَ يَا مَنصُورُ حَطُّوا أَرْحُلاً

لَعِبَتْ بِهِنَّ تَنَائِفٌ وبِحارُ

فَزَعاً إِلَيْكَ من الجَلاءِ بأَوْجُهٍ

فِي كُلِّ عامٍ للجَلاءِ تُثَارُ

ورأَوْا بقُرْبِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا النَّوى

فاسْتُحيِيَت ولها عَلَيْهِمْ ثارُ

قد طُيِّرَتْ غِرْبانُ كُلِّ مُغَرِّبٍ

وغُرَابُهُمْ للبَيْنِ لَيْسَ يُطَارُ

جُرةً عَلَيْكَ وَمَا رَأَتْ من قَبْلِها

خَطْباً لَهُ فِيمَنْ أَضَفْتَ خِيَارُ

وَعَلَى اللَّيَالي مِنْكَ عَهْدٌ ثابِتٌ

أَلّا يُبَاحَ لِمَنْ حَمَيْتَ ذِمَارُ

واللهُ قَدْ أَعْلَى مَحَلَّكَ أَنْ تُرى

مكشوفَةً فِي سِتْرِكَ الأَسْتارُ

وحباكَ بالمُلْكِ الَّذِي لَوْ شِئتَ لَمْ

تَضِقِ القُصُورُ بنا ولا الأَحيارُ

وَأَجَارَ قَدْرَكَ أَن يَسُوغَ لِقائِلٍ

جَارَ الزَّمَانُ وأَنْتَ مِنهُ جَارُ

ولَحَقُّ مَنْ أَبْقى ثَناءَكَ فِي الوَرى

أَنْ تَسْتَقِرَّ بِهِ لَدَيْكَ الدَّارُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن دراج القسطلي

avatar

ابن دراج القسطلي حساب موثق

العصر العباسي

poet-ibn-darray-alqastalli@

171

قصيدة

1

الاقتباسات

133

متابعين

أحمد بن محمد بن العاصي بن دَرَّاج القَسْطلي الأندلسي، أبو عمر. شاعر كاتب من أهل "قَسْطَلَّة دَرّاج" المسماة اليوم "Cacella" قرية في غرب الأندلس منسوبة إلى جده. كان شاعر المنصور ...

المزيد عن ابن دراج القسطلي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة