الديوان » العصر المملوكي » لسان الدين بن الخطيب » تألق نجديا فأذكرني نجدا

عدد الابيات : 83

طباعة

تألّقَ نجْدِيّاً فأذْكَرَني نجْدا

وهاجَ ليَ الشّوْقَ المُبَرِّحَ والوَجْدا

وَميضٌ رأى بُرْدَ الغَمامَةِ مُغْفَلاً

فمَدّ يَداً بالتِّبْرِ أعْلَمَتِ البُرْدا

تبسَّمَ في بحْرِيّةٍ قدْ تجهّمَتْ

فَما بَذَلَتْ وصْلاً ولا ضَرَبَتْ وعْدا

وراوَدَ منْها فارِكاً قدْ تمنّعَتْ

فأهْوى لَها نصْلاً وهدّدَها رعْدا

فأغْرى بها كفَّ الغِلابِ فأصْبَحَتْ

ذَلولاً ولمْ تسْطِعْ لإمرَتِهِ رَدّا

فحُلَّتُها الحمْراءُ منْ شَفَقِ الضُّحى

نَضاها وحَلَّ المُزْنُ منْ جِيدِها عِقْدا

لكَ اللهُ منْ برْقٍ كأنّ وَميضَهُ

يَدُ السّاهرِ المقْرورِ قد قدَحَتْ زَنْدا

تعلّمَ منْ سُكّانِهِ شيَمَ النّدى

فغادَرَ أجْزاءَ الحِمى رَوْضَةً تنْدى

وتوّجَ منْ نُوّارِها قُنَنَ الرُّبى

وختّمَ منْ أزْهارِها القُضُبَ المُلْدا

لَسُرْعانَ ما كانتْ مَناسِفَ للصِّبا

فقدْ ضحِكَتْ زَهْراً وقد خجِلَتْ وَرْدا

بِلادٌ عهِدْنا في قَراراتِها الصِّبا

يقِلُّ لِذاكَ العهْدِ أنْ يألَفَ العهْدا

إذا ما النّسيمُ أعْتَلَّ في عَرَصاتِها

تَناولَ فيها البانَ والشّيحَ والرّنْدا

فكمْ في مَجاني وَرْدِها منْ علاقَةٍ

إذا ما اسْتُثيرَتْ أرْضُها أنْبَتَتْ وجْدا

إذا اسْتَشْعَرَتْها النّفْسُ عاهَدَتِ الجَوى

إذا التَمَحَتْها العيْنُ عاقَدَتِ السُّهْدا

ومنْ عاشِقٍ حُرٍّ إذا ما اسْتَمالَهُ

حَديثُ الهَوى العُذْريِّ صيَّرَهُ عَبْدا

ومنْ ذابِلٍ يحْكي المُحبّينَ رِقّةً

فيَثْني إذا ما هَبَّ عَرْفُ الصَّبا قَدّا

وأنّسَ قَلْبي فهْوَ للعَهْدِ حافِظٌ

وقَلّ على الأيّامِ مَنْ يحْفَظُ العَهْدا

صَبورٌ وإن لمْ تَبْقَ إلا ذُبالَةٌ

إذا استَشْعَلَتْ مسْرى الصَّبا اشْتَعَلَتْ وَقْدا

خَفوقٌ إذا الشّوْقُ استَجاشَ كَثيبَةَ

تَجوسُ دِيارَ الصّبْرِ كانَ لها بَنْدا

وقدْ كُنْتُ جَلْداً قبْلَ أن تُذْهِبَ النّوى

ذَمايَ وأنْ تسْتأصِل العظْمَ والجِلْدا

أأجْحَدُ حقَّ الحِبِّ والدّمعُ شاهِدٌ

وقد وقَعَ التّسْجيلُ منْ بعْدِ ما أدّى

تَناثَرَ في إثْرِ الحُمولِ فَريدُهُ

فللّهِ عيْناً مَنْ رأى الجوْهَرَ الفَرْدا

جرَى يَقَقاً في ملعَبِ الخدِّ أشْهَبا

وأجْهَدَهُ ركْضُ الأسَى فجَرى ورْدا

ومُرْتَحِلٍ أجْرَيْتُ دمْعي خلْفَهُ

ليُرْجِعَهُ فاسْتَنّ في إثْرِهِ قَصْدا

وقلْتُ لقَلْبي طِرْ إلَيْهِ برُقْعَتي

فكانَ حَماماً في المَسيرِ بِها هَدّا

سرَقْتُ صُواعَ العَزْمِ يوْمَ فِراقِهِ

فلَجَّ ولمْ يَرْقُبْ سُواعاً ولا وُدّا

وكحّلْتُ جَفْني منْ غُبارِ طَريقِهِ

فأعْقَبَها دَمْعاً وأوْرَثَها سُهْدا

ليَ اللهُ كمْ أهْذي بنَجْدٍ وحاجِرٍ

وأُكْني بدَعْدٍ في غَرامي أو سُعْدى

وما هوَ إلا الشّوْقُ ثارَ كَمينُهُ

فأذْهَلَ نَفْساً لمْ تبِنْ عنْدَهُ قَصْدا

وما بيَ إلا أنْ سَرى الرّكْبُ مَوْهِنا

وأعْمَلَ في رَمْلِ الحِمى النصَّ والوَخْدا

وجاشَتْ جُيوشُ الصّبْرِ والبَيْنِ والأسَى

لديَّ فكانَ الصّبْرُ أضْعفَها جُنْدا

ورُمْتُ نُهوضاً واعْتَزَمْتُ موَدِّعا

فصَدّنيَ المِقْدارُ عنْ وجْهَتي صَدّا

رَقيقٌ بدَتْ للمُشْتَرينَ عُيوبُهُ

ولمْ تلْتَفِتْ دعْواهُ فاسْتوْجَبَ الرّدّا

تخلّفَ منّي ركْبُ طَيْبَةَ عانِيا

أمَا آنَ للعاني المُعَنّى بأنْ يُفْدَى

مخَلَّفُ سِرْبٍ قد أُصيبَ جَناحُهُ

وطِرْنَ فلَمْ يسْطِعْ مَراحاً ولا مَغْدى

نَشَدْتُكَ يا رَكْبَ الحِجازِ تضاءَلَتْ

لكَ الأرْضُ مهْما اسْتَعْرَضَ السَّهْبُ وامْتَدّا

وجمَّ لكَ المرْعى وأذْعَنَتِ الصّوى

ولمْ تَفْتَقِدْ ظِلاً ظَليلاً ولا وِرْدا

إذا أنْتَ شافَهْتَ الدِّيارَ بطَيْبَةٍ

وجِئْتَ بها القبْرَ المُقَدَّسَ واللّحْدا

وآنَسْتَ نُوراً منْ جَنابِ محمّدٍ

يُداوي القُلوبَ الغُلْبَ والأعْيُنَ الرُّمْدا

فنُبْ عنْ بَعيدِ الدّارِ في ذلكَ الحمى

وأذْرِ بهِ دمْعاً وعفِّرْ بهِ خَدّا

وقُلْ يا رَسولَ اللّهِ عبْدٌ تقاصَرَتْ

خُطاهُ وأضْحى منْ أحبّتِهِ فرْدا

ولمْ يسْتَطِعْ من بعْدِ ما بَعُدَ المَدى

سِوى لوْعةٍ تعْتادُ أو مِدْحَةٍ تُهْدى

تَدارَكْهُ يا غوْثَ العِبادِ برحْمَةٍ

فجودُكَ ما أجْدى وكفُّكَ ما أنْدى

أجارَ بكَ اللهُ العِبادَ منَ الرّدى

وبوّأهُمْ ظِلاً منَ الأمْنِ مُمْتَدّا

حَمى دينُكَ الدّنْيا وأقْطَعَكَ الرِّضا

وتوّجَكَ العُلْيا وألْبَسَكَ الحمْدا

وطهّرَ منْكَ القلْبَ لمّا اسْتخصّهُ

فجَلَّلَهُ نوراً وأوْسَعَهُ رُشْدا

دَعاهُ فَما وَلّى هَداهُ فما غَوى

سَقاهُ فما يَظْما جَلاهُ فَما يصْدا

تقدّمْتَ مُخْتاراً تأخّرْتَ مَبْعثاً

فقَدْ شمَلَتْ علياؤُكَ القَبْلَ والبَعْدا

وعِلّةُ هَذا الكوْنِ أنْتَ وكلّما

أعادَ فأنْتَ القصْدُ فيهِ وما أبْدى

وهلْ هوَ إلا مَظْهَرٌ أنْتَ سِرُّهُ

ليمْتازَ في الخَلْقِ المُكِبُّ منَ الأهْدى

فمِنْ عالَمِ الأسْرارِ ذاتُكَ تجْتَلي

ملامِحَ نورٍ لاحَ للطّوْرِ فانْهَدّا

وفي عالَمِ الحِسِّ اغْتَدَيْتَ مُبَوّأ

لتَشْفي مَنِ اسْتَشْفى وتَهْدي منِ اسْتَهْدى

فما كنْتَ لوْلا أن تَبُثَّ هِدايَةَ

مِنَ اللهِ مثْلَ الخلْقِ رسْماً ولا حَدّا

بِماذا عسى يُثْني عليْكَ مُقَصِّرٌ

ولمْ يألُ فيكَ اللّهُ مدْحاً ولا حمْدا

بماذا عسى يُجزيكَ هاوٍ على شَفَى

منَ النّارِ قدْ أسْكَنْتَهُ بعْدَها الخُلْدا

عليْكَ صلاةُ اللهِ يا خيْرَ مُرسَلٍ

وأكْرَمَ هادٍ أوْضَحَ الحَقّ والرُّشْدا

عليْكَ صلاةُ الله يا خيْرَ راحِمٍ

وأشْفَقَ مَنْ يَثْني على رأفَةِ كَبْدا

عليْك صلاةُ اللهِ يا كاشِفَ العَمى

وقد هبّ ليْلُ الشّكِّ وهْوَ قدِ ارْبَدّا

الى كمْ أُراني في البَطالَةِ كانِعاً

وعُمْريَ قدْ ولّى ووِزْريَ قدْ عُدّا

تقضّى زَماني في لعَلّ وفي عسى

فلا عزْمَةٌ تُمْضى ولا لوْعَةٌ تَهْدا

حُسامُ جَبانٍ كلّما شِيمَ نصْلُهُ

تَراجَعَ بعْدَ العزْمِ والتَزَمَ الغِمْدا

ألا ليْتَ شِعْري هلْ أراني ناهِداً

أقودُ القِلاصَ البُدْنَ والضّامِرَ النّهْدا

رَضيعُ لِبانِ الصِّدْقِ فوْقَ شِمِلّة

مُضَمَّرةٍ وُسِّدتُ منْ كُورِها مهْدا

فتُهْدى بأشْواقي السّراةُ إذا سَرَتْ

وتُحْدى بأشْعاري الرِّكابُ إذا تُحْدى

الى أن أحُطَّ الرّحْلَ في تُرْبَكَ الذي

تضوّعَ نِداً ما رأيْنا لهُ نِدّا

وأُطْفِئَ في تلْكَ المَوارِدِ غُلّتي

وأُحْسبَ قُرْباً مُهْجَةً شكَتِ البُعْدا

بمَوْلِدِكَ اهْتزّ الوجودُ وأشْرَقَتْ

قُصورٌ ببُصْرى ضاءَتِ الهضْبَ والوَهْدا

ومِنْ رُعْبِهِ الأوثانُ خرّتْ مَهابَةً

ومنْ هوْلِهِ إيوانُ فارِسَ قدْ هُدّا

وغاضَ لهُ الوادي وصبّحَ عِزَّهُ

بُيوتاً لنارِ الفُرْسِ أعْدَمَها الوَقْدا

رعَى اللهُ منْها ليْلَة أطْلَعَ الهُدى

على الأرضِ منْ آفاقِها القَمَر السّعْدا

وأقْرَضَ مَلْكاً قامَ فينا بحقِّها

لقَدْ أحْرَزَ الفَخْرَ المؤثَّلَ والمَجْدا

وحيَّ على شَطِّ الخَليجِ محَلّةً

يُحالِفُ مَنْ يُلْفَى بها العيشَةَ الرّغْدا

وجادَ الغَمامُ العِدُّ فيها خَلائِفاً

مآثِرُهُمْ لا تعْرِفُ الحصْرَ والعَدّا

عَليّاً وعُثْمانَ ويَعْقوبَ لا عَدا

رِضا اللهِ ذاكَ النّجلَ والأب والجَدّا

حمَوْا وهَمَوْا في حوْمَةِ البأسِ والنّدى

فكانُوا الغُيوثَ المُسْتَهِلّةَ والأُسْدا

وللهِ ماذا خلّفوا منْ خَليفَةٍ

حَوى الإرْثَ عنْهُمْ والوصيّةَ والعَهْدا

إذا ما أرادَ الصّعْبَ أغْرى بنَيْلِهِ

صُدورَ العَوالي والمُطَهّمَةَ الجُرْدا

فكمْ معْتَدٍ أرْدى وكمْ تائِهٍ هَدى

وكمْ حِكْمَةٍ أخْفى وكمْ نِعْمَةٍ أبْدى

أبا سالِمٍ دين الإلاهِ بكَ اعْتَلى

أبا سالِمٍ ظِلُّ الأمانِ بكَ امْتَدّا

فدُمْ في دِفاعِ اللّهِ تحْتَ وِقايَةٍ

كَفاكَ بها أنْ تسْحَبَ الحَلَقَ السّرْدا

ودونَكَها منّي نتيجَةَ فكْرَةٍ

إذا اسْتُرْشِحَتْ للنَّظْمِ كانَتْ صَفاً صَلْدا

ولوْ تركَتْ منّي اللّيالي صُبابةً

لأجْهَدْتُها ركْضاً وأرْهَقْتُها شَدّا

ولكنّه جُهْدُ المُقْل بذَلْتُهُ

وقد أوْضَحَ الأعْذارَ مَنْ بَلغَ الجُهْدا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن لسان الدين بن الخطيب

avatar

لسان الدين بن الخطيب حساب موثق

العصر المملوكي

poet-ibn-alkhatib@

746

قصيدة

3

الاقتباسات

584

متابعين

محمد بن عبد الله بن سعد السلماني اللوشي الأصل، الغرناطي الأندلسي، أبو عبد الله، الشهير بلسان الدين ابن الخطيب. وزير مؤرخ أديب نبيل. كان أسلافه يعرفون ببني الوزير. ولد ونشأ ...

المزيد عن لسان الدين بن الخطيب

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة