الديوان » مصر » أحمد محرم » طرب الحطيم وكبر الحرمان

عدد الابيات : 227

طباعة

طَرِبَ الحَطيمُ وَكَبَّرَ الحرَمانِ

وَاِعتَزَّ دينُ اللَهِ بَعدَ هَوانِ

قامَت سُيوفُ الفاتِحينَ بِنَصرِهِ

وَالنَصرُ بَينَ مُهَنَّدٍ وَسِنانِ

ظَمِئَت جَوانِحُهُ إِلى حَرِّ الوَغى

فَسَقَتهُ شُؤبوبَ النَجيعِ القاني

تَعدو الذِئابُ عَلى مُمَنَّعِ غيلِهِ

وَالأُسدُ غَضبى وَالسُيوفُ عَوانِ

لا قُبَّةُ الإِسلامِ قائِمَةٌ وَلا

مُلكُ الخَلائِفِ ثابِتُ الأَركانِ

يَمضي تُراثُ المُسلِمينَ مُوَزَّعاً

وَالمُسلِمونَ نَواكِسُ الأَذقانِ

ما بَينَ مِصرَ إِلى طَرابُلسٍ إِلى

عَدَنٍ إِلى القَوقازِ فَالبَلقانِ

كَرَّ الصَليبُ عَلَيهِ كَرَّةَ حانِقٍ

ضَرِمَ العَداوَةِ ثائِرِ الشَنآنِ

مُتَوَثِّبٍ مِن خَلفِهِ وَأَمامِهِ

مُتَأَلِّبٍ يَلقاهُ كُلَّ أَوانِ

يَرميهِ مِن فَوقِ الزَمانِ وَتَحتِهِ

وَيُريهِ كَيفَ يَدينُ لِلحِدثانِ

حارَ الهِلالُ فَما يُحاوِلُ نَهضَةً

إِلّا رَماهُ مُحَلِّقُ الصُلبانِ

تَمضي السُيوفُ فَما تُجاوِرُ مَقتَلاً

إِلّا حَماهُ تَعَصُّبُ الجيرانِ

نُعطي الوَقائِعَ حَقَّها وَيَسوءُنا

حَنَقُ الظُبى وَتَعَتُّبُ الفُرسانِ

زَعَموا الحَضارَةَ أَن يُبيدَ طُغاتُهُم

دينَ الحَياةِ وَمِلَّةِ العُمرانِ

ماذا يَروعُ الظالمينَ وَبَينَنا

أَمنُ المَروعِ وَنَجدَةُ اللَّهفانِ

إِنّا بَنو القُرآنِ وَالدينِ الَّذي

صَدَعَ الشُكوكَ وَجاءَ بِالتِبيانِ

ضاعَت حُقوقُ العالَمينَ فَرَدَّها

وَأَقامَها بِالقِسطِ وَالميزانِ

ظَلَمَ العَزيزُ فَهَدَّهُ وَأَهانَهُ

وَحَمى الذَليلَ فَباتَ غَيرَ مُهانِ

نَعفو وَما اِشتَفَتِ السُيوفُ وَلا هَفا

بِصُدورِها شَوقٌ إِلى الأَجفانِ

عَصَفَ الزَمانُ بِنا فَكُنّا بَينَهُم

كَالشاةِ بَينَ مَخالِبِ السِرحانِ

جاروا عَلى المُستَضعَفينَ وَرَوَّعوا

مَن باتَ في دَعَةٍ وَطيبِ أَمانِ

مَنّوا عَلَيهِم بِالحَياةِ ذَليلَةً

مَحيا الذَليلِ وَمَوتُهُ سِيّانِ

يَشكون حَشرَجَةَ القَتيلِ وَعِندَهُم

أَنَّ الحَياةَ تَكونُ في الأَكفانِ

وَلَقَد رَأَيتُ فَما رَأَيتُ كَظالِمٍ

جَمِّ الشَكاةِ وَقاتِلٍ مَنّانِ

مَنَعَ الخِلافَةَ أَن تُضامَ وَحاطَها

حامي الحَجيجِ وَناصِرُ القُرآنِ

جَيشٌ يَسيرُ بِهِ النَبِيُّ وَحَولَهُ

جُندُ المَلائِكِ بَينَهُ العُمَرانِ

يَهتَزُّ عَمرٌو في اللِواءِ وَخالِدٌ

وَيَمورُ حَيدَرَةٌ بِكُلِّ عِنانِ

خاضَ الحُروبَ فَما تَدافَعَ لُجُّها

إِلّا تَدافَعَ فيهِ يَلتَطِمانِ

يَطفو عَلى ثَبَجِ الدِماءِ إِذا هَوَت

في الهالِكينَ رَواسِبُ الشُجعانِ

وَيَشُقُّ مُصطَفَقَ العُبابِ إِذا طَغى

يَرمي عُبابَ الشَرِّ وَالطُغيانِ

ما لِلجُنودِ الباسِلينَ وَإِن عَلَوا

بِجُنودِ رَبِّ العالَمينَ يدانِ

الحافِظينَ عَلى الخِلافَةِ عِزَّها

الناصِرينَ خَليفَةَ الرَحمَنِ

غَدَرَ العَدُوُّ فَعَلَّمَتهُ سُيوفُهُم

صِدقَ العُهودِ وَصِحَّةَ الإيمانِ

السَيفُ إِنجيلُ الهِدايَةِ إِن دَجا

لَيلُ الضَلالِ فَطاحَ بِالعُميانِ

يَجلو عَماياتِ النُفوسِ بِأَسرِها

ما فيهِ مِن عِظَةٍ وَحُسنِ بَيانِ

دينُ اليَقينِ لِكُلِّ شَعبٍ جاحِدٍ

سَنَّ العُقوقَ وَدانَ بِالعِصيانِ

قَومٌ إِذا رَفَعوا اللِواءَ فَإِنَّهُ

وَالنَصرُ بَينَ سُيوفِهِم أَخَوانِ

ما يَفتِآنِ إِذا الوَغى جَمَعتُهُما

يَتَناجَيانِ بِها وَيَعتنقانِ

بَينَ الدَمِ الجاري نَديمَي لذَّةٍ

إن لَذَّتِ الصَهباءُ لِلنُدمانِ

يَنبَتُّ حَبلُ الأَصفِياءِ وَيَنطَوي

وَهُما بِحَبلِ اللَهِ مُعتَصِمانِ

سَيفُ الخَليفَةِ وَالسُيوفُ كَثيرَةٌ

وَالقَومُ بَينَ تَضارُبٍ وَطِعانِ

ما في القَواضِبِ وَالكَتائِبِ إِن مَضى

وَمَضَيتَ غَيرَ مُفَلَّلٍ وَجَبانِ

تُمضيكَ مِنهُ عَزيمَةٌ مِن دونِها

يَقِفُ الزَمانُ وَيَرجُفُ الثَقَلانِ

لَمّا أَطَلَّ عَلى الخِلافَةِ كَبَّرَت

وَمَشَت إِلَيهِ بِبَيعَةِ الرِضوانِ

صَدَعَت بِهِ أَغلالَها وَتَدافَعَت

تَختالُ بَعدَ الجهدِ وَالرَسَفانِ

أَخَذَت بِرَأيِ المُستَبِدِّ وَغودِرَت

زَمَناً تُعالِجُ حُكمَهُ وَتُعاني

ظُلمٌ عَلى ظُلمٍ وَسوءُ سِياسَةٍ

وَفَسادُ تَدبيرٍ وَطولُ تَوانِ

وَإِذا القُلوبُ تَفَرَّقَت عَن مالِكٍ

لَم يُغنِ عَنهُ تَمَلُّكُ الأَبدانِ

تَهوي الأَسِرَّةُ أَو تَقومُ وَما لَها

غَيرُ السَرائِرِ هادِمٌ أَو بانِ

لا يَخدَعَنَّكَ ظاهِرٌ مِن مُحنِقٍ

خافَ الشَكاةَ فَلاذَ بِالكِتمانِ

إِن قامَ عَرشُ المُستَبِدِّ فَإِنَّما

قامَت قَواعِدُهُ عَلى بُركانِ

وَالمَرءُ إِن أَخَذَ الأُمورَ بِرَأيِهِ

طاشَت يَداهُ وَزَلَّتِ القَدَمانِ

اللَهُ أَدرَكَ دينَهُ بِخَليفَةٍ

بَرِّ السَريرَةِ صادِقِ الإيمانِ

أَخَذ السَبيلَ عَلى العَدُوِّ بِقَسوَرٍ

دامي المَكَرِّ مُخَضَّبِ المَيدانِ

ريعَت له أُمَمُ النِمالِ وَأَجفَلَت

دُوَلُ الثَعالِبِ مِنهُ وَالذُؤبانِ

لَمّا تَرَدَّدَ في فَروقَ زَئيرُهُ

رَجَفَت جِبالُ الصينِ وَاليابانِ

في مِخلَبَيهِ إِذا الحُصونُ تَهَدَّمَت

حِصنانِ لِلإِسلامِ مُمتَنِعانِ

جَرَحَ الأُلى صَدَعوا الخِلافَةَ فَاِشتَفى

جُرحانِ في أَحشائِها دَمِيانِ

حَمَلا الهِلالَ عَلى عُبابٍ مِن دَمٍ

الدينُ وَالدُنيا بِهِ غَرِقانِ

المُلكُ مُعتَصِمٌ بِهِ مُستَمسِكٌ

مِنهُ بِأَوثَقِ ذِمَّةٍ وَضَمانِ

سَيفُ الخِلافَةِ جَرَّبوهُ فَكَشَّفَت

مِنهُ التَجارِبُ عَن أَغَرَّ يَمانِ

خَيرُ الغُزاةِ الفاتِحينَ أَعانَهُ

أَوفى الصِحابِ وَأَكرَمُ الأَخدانِ

طَلَبوا شَبابَ المُلكِ وَاِحتَسَبوا الفِدى

في اللَهِ مِن شيبٍ وَمِن شُبّانِ

وَسَمَت بِأَركانِ الخِلافَةِ أَنفُسٌ

يَسمو الأَمينُ بِها إِلى رِضوانِ

كانَ الدَمَ المَسفوحَ أَكبَرُ ما بَنوا

وأَجَلُّ ما دَعَموا مِنَ الجُدرانِ

في الدَردَنيلِ وَفي الجَزيرَةِ بَعدَهُ

رُعبُ المِياهِ وَرَوعَةُ النيرانِ

بَرَزَت تَماثيلُ المَنِيَّةِ كُلُّها

شَتّى الضُروبِ كَثيرَةَ الأَلوانِ

كُلٌّ يَموجُ بِها وَكُلٌّ ساكِنٌ

فَالحَربُ في قَلَقٍ وَفي اِطمِئنانِ

نارانِ بَرَّحَ بِالكَتائِبِ مِنهُما

حالانِ في الهَيجاءِ مُختَلِفانِ

هَذي تَفيضُ مِنَ البُروجِ وَهَذِهِ

تَنسابُ بَينَ أَباطِحٍ وَرِعانِ

البحرُ يَفتَحُ لِلبَوارِجِ جَوفَهُ

فَتَغورُ مِن مَثنىً وَمِن وُحدانِ

وَالبَرُّ مُلتَهِبُ الجَوانِحِ مُضمِرٌ

حَنَقَ المَغيظِ وَلَوعَةَ الحَرّانِ

مَدَّ الشِراكَ إِلى العَدُوِّ وَبَينَها

طَرَبُ المَشوقِ وَهِزَّةُ الجَذلانِ

حَتّى إذا أَخَذَ الدَهاءُ بِلُبِّهِ

أَخَذَ البَلاءُ عَلَيهِ كُلَّ مَكانِ

ظَمِئَت إِلى وِردِ الأُسودِ نُفوسُهُم

وَالمَوتُ يَنقَعُ غُلَّةَ الظَمآنِ

شَرِبوا المَنايا الحُمرَ يَسطَعُ مَوجُها

بَينَ المُروجِ الخُضرِ وَالغُدرانِ

تَرمي بِها لُجَجٌ يَظَلُّ شُواظُها

مُتَدَفِّقاً كَتَدَفُّقِ الطوفانِ

عَصَفَت بِأَحلامِ الغُزاةِ وَقائِعٌ

رَكَدَت بِأَحلامٍ هُناكَ رِزانِ

أَإِلى الأُسودِ الغُلبِ في أَجماتِها

تَرمي شِعابُ البيدِ بِالجِرذانِ

غالوا بِمُلكِ الفاتِحينَ وَأَيقَنوا

أَنَّ النُفوسَ رَخيصَةُ الأَثمانِ

تِلكَ المَصارِعُ ما تَكادُ مَنِيَّةٌ

تَجتازُ جانِبَها بِلا اِستِئذانِ

ما الجَيشُ مِن نَصرِ الإِلَهِ وَفَتحِهِ

كَالجَيشِ من فَشَلٍ وَمِن خِذلانِ

وَيحَ الأُلى زَعَموا الحُروبَ دُعابَةً

ما غَرَّهُم بِالتُركِ وَالأَلمانِ

سَيفانِ ما اِستَبَقا مَقاتِلَ دَولَةٍ

إِلّا مَضى الأَجَلانِ يَستَبِقانِ

يَجري قَضاءُ اللَهِ في حَدَّيهِما

وَيَجولُ في صَدرَيهِما المَلكانِ

أَينَ المَنايا السابِحات حَوامِلاً

فَزَعَ البِحارِ وَرَعدَةَ الخُلجانِ

غَرَّت جِرايَ فَجاءَها مِن تَحتِها

ما لَم يَكُن لِجِرايَ في الحُسبانِ

قَدَرٌ جَرى في الماءِ تَحتَ سُكونِهِ

وَجَرى الرَدى فَاِستَرسَلَ القَدَرانِ

سِرُّ المَنِيَّةِ جائِلٌ في جَوفِهِ

كَالروحِ حينَ تَجولُ في الجُثمانِ

سُفُنٌ هَوَت بِالحوتِ حينَ تَبادَرَت

تَنسابُ بَينَ الحوتِ وَالسَرَطانِ

صُنعُ الأُلى فاتوا العُقولَ وَجاوَزوا

مَرمى القُوى وَمَواقِعَ الإِمكانِ

كَشَفوا عَنِ العِلمِ الغِطاءَ وَأَدرَكوا

سِرَّ التَفَوُّقِ فيهِ وَالرَجَحانِ

مَلَكوا العَناصِرَ فَالعَصِيُّ مُطاوِعٌ

وَالصَعبُ سَهلٌ وَالبَعيدُ مُدانِ

المَوتُ يَسبَحُ في الغِمارِ بِأَمرِهِم

وَالمَوتُ يَمرَحُ في حِمى كيوانِ

فَالناسُ نَهبٌ وَالعَوالِمُ ساحَةٌ

عِزريلُ فيها دائِمُ الجَوَلانِ

هاجوا المَنايا الرائِعاتِ وَهاجَهُم

جَشَعُ العِدى وَتَأَلُّبُ القُرصانِ

شابَت لَها الأَجيالُ وَهيَ أَجِنَّةٌ

لَم تَدرِ بَعدُ مَراضِعَ الوِلدانِ

فَزِعَت بِأَحشاءِ الدُهورِ وَغالَها

طولُ الوُثوبِ وَشِدَّةُ النَزَوانِ

أُوتوا كِبارَ المُعجِزاتِ وَمُيِّزوا

بِرَوائِعِ الإِحكامِ وَالإِتقانِ

جذبوا بِسِرِّ الكيمياءِ عَدُوَّهُم

فَأَطاعَ بَعدَ شَراسَةٍ وَحِرانِ

مَدَّ العُيونَ إِلى اللِواءِ فَرَدَّهُ

أَعمى وَأَطفَأَ نارَهُ بِدُخانِ

ضَلَّ المُلوكُ فَجَدَّدوا لِشُعوبِهِم

دينَ العَمى وَعِبادَةَ الأَوثانِ

رَكِبوا العُقوقَ فَتِلكَ عُقبى أَمرِهِم

إِنَّ العُقوقَ مَطِيَّةُ الخُسرانِ

مَسَحَ الأَذى وَمَحا وَصِيَّةَ بُطرِسٍ

ماحي العُروشِ وَماسِحُ التيجانِ

جَيشٌ مِنَ النَصرِ المُبينِ مَشى لَهُ

جَيشٌ مِنَ التَضليلِ وَالهَذَيانِ

نُظِمَت فَما اِطَّرَدَ الخَيالُ لِشاعِرٍ

إِلّا بِأَلفاظٍ لَها وَمَعانِ

هَدَّ الكَنائِسَ ما وَعَت جُدرانُها

مِن موبِقاتِ البَغيِ وَالعُدوانِ

اَفَيُؤمِنونَ بِقَولِ بُطرُسَ أَم لَهُم

فيهِ كِتابٌ لِاِبنِ مَريَمَ ثانِ

لَيتَ القُبورَ إِلى العَراءِ نَبَذنَهُ

لِيَرى مَصيرَ المُلكِ رَأيَ عَيانِ

مُلكٌ تَأَلَّفَ في عُصورٍ جَمَّةٍ

وَاِنحَلَّ بَينَ دَقائِقٍ وَثَوانِ

يا آلَ رومانوفَ أَصبَحَ مُلكُكُم

عِظَةَ الشُعوبِ وَعِبرَةَ الأَزمانِ

ضَجَّ النُعاةُ فَما بَكى حُلَفاؤُكُم

أَينَ الدُموعُ وَكَيفَ يَبكي الجاني

تَبكي الطُلولُ لَكُم وَيَقضي حَقَّكُم

عاوي الذِئابِ وَناعِقُ الغِربانِ

اللَهُ هَدَّ كِيانَكُم بِكَتائِبٍ

يَرمي بِها فَيَهُدَّ كُلَّ كِيانِ

لا تَجزَعوا لِلمُلكِ بَعدَ ذَهابِهِ

المُلكُ لِلَهِ العَلِيِّ الشانِ

سيناءُ تيهي بِالغُزاةِ وَفاخِري

وَاروي الحَديثَ لِسائِرِ الرُكبانِ

ماذا بَدا لَكِ مِن أَعاجيبِ الوَغى

وَشَهِدتِ مِن أَسَدٍ وَمِن قِطعانِ

ماذا رَأَيتِ مِنَ البَواسِلِ إِذ دَعا

داعي العَوانِ فَطارَ كُلُّ جَنانِ

أَرَأَيتِ أَبطالَ الرِجالِ مُشيحَةً

تَلهو بِبيضِ كَواعِبٍ وَغَوانِ

أَعلِمتِ مَن يَلقى الحُتوفَ إِذا الْتَقى

ضاري اللُيوثِ وَناعِمُ الغِزلانِ

مَلَكوا الشِعابَ عَلى العَدُوِّ وَزاحَموا

شَعبَ النُسورِ وَأُمَّةَ العِقبانِ

الجَوُّ يَهتِفُ لِلمَلائِكِ خاشِعاً

وَالأَرضُ تَشهَدُ صَولَةَ الجِنّانِ

رَكِبوا العَزائِمَ فَالرِياحُ جَنائِبٌ

تَنقادُ طَيِّعَةً بِلا أَرسانِ

وَالشُهبُ بَينَ أَكُفِّهِم مَقذوفَةٌ

حَمراءُ تَصبُغُ خُضرَةَ القيعانِ

رُسُلٌ يُشَيِّعُها الرَدى وَرَسائِلٌ

يَرمي بِها مَلَكٌ إِلى شَيطانِ

أَمراقِصَ الفَتَياتِ حينَ تَأَلَّبوا

ظَنّوا الوَغى وَملاعِبَ الفِتيانِ

هَمُّ الفَوارِسِ في القِتالِ وَهَمُّهُم

في قَرعِ أَكوابٍ وَعَزفِ قِيانِ

كانَت مِنَ الأَقوامِ نَشوَةَ جاهِلٍ

وَالسَيفُ يَكشِفُ غَمرَةَ النَشوانِ

يا مِصرُ إِن رَجَعَ المَشوقُ فَقَد وَفى

حُسنُ البَلاءِ بِحُسنِكِ الفَتّانِ

وَلّى عَلى كُرهٍ وَبَينَ ضُلوعِهِ

وَجدٌ يُغالِبُهُ عَلى السُلوانِ

كَم في المَمالِكِ مِن شَجِيٍّ مُغرَمٍ

يَهفو إِلَيكِ وَشَيِّقٍ وَلهانِ

مايَشتَفي بِالوَصلِ مِنكِ مُعَذَّبٌ

إِلّا أَسَأتِ إِلَيهِ بِالهِجرانِ

عَبَثَ الهَوى بِالفُرسِ فيكِ هُنَيهَةً

وَعَبَثتِ بِاليونانِ وَالرومانِ

رَمسيسُ يَعلَمُ أَنَّ بَرقَكِ خُلَّبٌ

وَهَواكِ لَيسَ يَدومُ لِلخِلّانِ

عَقَدَ الهَوى لَكِ بَيعَةً يُدلي بِها

ما شِئتِ مِن زُلفى وَمِن قُربانِ

ضَمَّ الضُلوعَ عَلى هَواكِ وَضَمَّهُ

بَيتُ الشُموسِ وَمَجمَعُ الكُهّانِ

يَهذي بِحُبِّكِ وَالهَياكِلُ خُشَّعٌ

وَالشَعبُ يَسجُدُ وَالشُموسُ رَوانِ

وَالجُندُ مِن حَولِ المَواكِبِ واقِفٌ

صَفَّينِ مِن حَولَيهِما صَفّانِ

تَحتَ البُنودِ الخافِقاتِ يَزينُها

غالي الحَريرِ وَخالِصُ العِقيانِ

وَكَأَنَّ أَعناقَ الجِيادِ مَزاهِرٌ

وَكَأَنَّ تَردادَ الصَهيلِ أَغانِ

تَرمي بِأَعيُنِها الفِجاجَ كَأَنَّما

جُلِبَت صَوافِنُها لِيَومِ رِهانِ

لَم تُنصِفيهِ وَلا ذَكَرتِ عُهودَهُ

بَينَ الوُلوعِ الجَمِّ وَالهَيَمانِ

لا تُنكري عِظَةً يُريكِ سُطورَها

زاهي النُقوشِ وَشامِخُ البُنيانِ

عِظَةٌ تُشيرُ إِلى الدُهورِ وَكُلُّها

قَلبٌ يُشيرُ إِلَيكِ بِالخَفَقانِ

الدَهرُ كَأسُكِ وَالمَمالِكُ كُلُّها

ظَمآى إِلَيكِ وَأَنتِ بِنتُ الحانِ

طوفي بِكَأسِكِ في النَدامى وَاِصرَعي

ما شِئتِ مِن أُمَمٍ وَمِن بُلدانِ

مُدّوا بَني التاميزِ مِن أَبصارِكُم

وَخُذوا أصابِعَكُم عَنِ الآذانِ

وَاِستَقبِلوا سودَ الصَحائِفِ وَاِعلَموا

أَنَّ الكِنانَةَ أَوَّلُ العُنوانِ

آذَيتُمونا مُدمِنينَ فَجَرِّبوا

عُقبى الأَذى وَمَغَبَّةَ الإِدمانِ

كُنتُم ضُيوفَ الدَهرِ ما لِجَلائِكُم

عَن مِصرَ مِن أَجَلٍ وَلا إِبّانِ

هَل كانَ صَوتُ الحَقِّ غَيرَ سَحابَةٍ

زالَت غَواشيها عَنِ الأَذهانِ

هَل كانَ صِدقُ العَهدِ غَيرَ دُعابَةً

هَل كانَ عَدلُ الحُكمِ غَيرَ دِهانِ

رُمنا حَياةَ العامِلينَ فَلَم نَجِد

مِن ناصِرٍ فيكُم وَلا مِعوانِ

حارَبتُمُ الأَخلاقَ حَربَ مُناجِزٍ

يَرمي بِزاخِرَةِ العُبابِ عَوانِ

شَرُّ الجَرائِرِ وَالمَساوي عِندَكُم

شَمَمُ الأَبِيِّ وَنَخوَةُ الغَيرانِ

وَالكُفرُ أَجمَعُ أَن يُحِبَّ بِلادَهُ

حُرُّ السَريرَةِ مُؤمِنُ الوُجدانِ

ما أَولَعَ المَوتَ الزُؤامَ بِأُمَّةٍ

تَرجو الحَياةَ مِنَ العَدُوِّ الشاني

جاءوا فَكانَ مِنَ التَناحُرِ بَينَنا

ما كانَ مِن عَبسٍ وَمِن ذُبيانِ

لَمّا تَأَلَّبَتِ القُلوبُ حِيالَهُم

حَشَدوا لَها جَيشاً مِنَ الأَضغانِ

شَرَعوا لَنا سُبُلَ العَداوَةِ بَينَنا

حَتّى الفَتى وَإِلَهُهُ خَصمانِ

لِلكيمياءِ مِنَ العَجائِبِ عِندَهُم

سِرٌّ يُريكَ تَفَوُّقَ الإِنسانِ

فَتَحتَ خَزائِنُها لَهُم عَن صِبغَةٍ

تَدَعُ الشُعوبَ سَريعَةَ الذَوَبانِ

ساسوا المَمالِكَ وَالشُعوبَ سِياسَةً

رَفَعوا الجَمادَ بِها عَلى الحَيَوانِ

مَلَكوا عَلَينا البُغيَتَينِ فَلَم نَذُق

طَعمَ الحَياةِ وَلَذَّةَ العِرفانِ

الفَقرُ يَرفَعُ بَينَنا أَعلامَهُ

وَالجَهلُ يَضرِبُ فَوقَنا بِجِرانِ

عَضّوا عَلى أَموالِنا بِنَواجِذٍ

أَكَلَت خَزائِنَ مِصرَ وَالسودانِ

تَهمي المُكوسُ عَلى العِبادِ فَلا يَفي

صَوبُ النُضارِ بِصَوبِها الهَتّانِ

تُجبى لِساداتِ البِلادِ وَبَينَها

مُهَجُ الإِماءِ وَأَنفُسُ العِبدانِ

القوتُ يُسلَبُ وَاللِباسُ وَما حَوَت

دارُ الفَقيرِ مِنَ المَتاعِ الفاني

المالُ جَمٌّ في الخَزائِنِ عِندَهُم

وَالجوعُ يَقتُلُنا بِغَيرِ حَنانِ

وَتَرى عَميدَ القَومِ يَبسُطُ كَفَّهُ

يَرجو المَعونَةَ في ذَوي الإِحسانِ

نامَ الَّذي أَفنى الخَزائِنَ ظُلمُهُ

وَأَبو البَنينَ مُسَهَّدُ الأجفانِ

القصر يسبحُ في النعيمِ بربِّهِ

والدار تشهدُ مَصرَعَ السُكّانِ

في كُلِّ يَومٍ مَغرَمٌ وَإِتاوَةٌ

يَتَفَزَّعُ القاصي لَها وَالداني

نَقِموا الشَكاةَ عَلى الحَزينِ فَأَمسَكوا

مِنّا بِكُلِّ فَمٍ وَكُلِّ لِسانِ

نَفَضوا الكِنانَةَ مِن ذَخائِرِها فَهَل

نَفَضوا جَوانِحَها مِنَ الأَحزانِ

غَضِبوا عَلى الأَحرارِ في أَوطانِهِم

وَرَضوا بِكُلِّ مُداهِنٍ خَوّانِ

أَسرٌ وَتَشريدٌ وَضَربٌ موجِعٌ

وَأَذىً يُبَرِّحُ بِالبَريءِ العاني

هُم قَدَّموا القَومَ الطَغامَ وَأَخَّروا

مَلَأَ السُراةِ وَمَعشَرَ الأَعيانِ

نُبِّئتُ ما زَعَمَ الشَريفُ وَقَومُهُ

فَسَمِعتُ ما لَم تَسمَعِ الأُذنانِ

وَرَأَيتُ ما زانَ المُلوكَ فَلَم أَجِد

كَطِرازِ مُلكٍ بِاِسمِهِ مُزدانِ

خَدَعوهُ إِذ ضاقَ السَبيلُ بِمَكرِهِم

وَرَموا بِآمالٍ إِلَيهِ حِسانِ

فَأَباحَ ما مَنَعَت فَوارِسُ هاشِمٍ

وَحَمَت وُلاةُ البَيتِ من عدنانِ

يا ذا الجَلالَةِ لا سَعِدتَ بِتاجِهِ

مُلكاً سِواكَ بِهِ السَعيدُ الهاني

أَمَلَكتَ ما بَينَ البَقيعِ فَجُدَّةٍ

وَأَبَحتَ جَيشَكَ ما وَراءَ مَعانِ

وَبَصَرتَ بِالوُزراءِ حَولَكَ خُشَّعاً

تُمضي أُمورَ المُلكِ في الإيوانِ

يُجبى إِلَيكَ مِنَ البِلادِ خَراجُها

ما بَينَ ذي سَلَمٍ إِلى عُسفانِ

مُلكٌ أَمَدَّكَ مِن خَزائِنِهِ بِما

أَعيا الجُباةَ وَناءَ بِالخُزّانِ

الجُندُ مَعقودُ اللِواءِ لِفَيصَلٍ

بَينَ الظُبى وَعَوامِلِ المُرّانِ

يَلقى النَبِيَّ مُدَجَّجاً في جُندِهِ

وَبَنو أَبيهِ عَلى اللِواءِ حَوانِ

أَيَقودُ جَيشَكَ أَم يَقودُ عُيَينَةٌ

شُمَّ الفَوارِسِ مِن بَني غَطفانِ

سَلَبوا اللِقاحَ وَإِنَّ دينَ مُحَمَّدٍ

لَأَعَزُّ مِن إِبلٍ عَلَيهِ وَضانِ

أَهدى إِلَيكَ مِنَ المَفاخِرِ مِثلَ ما

أَهدى يَزيدُ إِلى بَني شَيبانِ

فَتَحَ الحِجازَ رِمالَهُ وَصُخورَهُ

وَأَتى إِلَيكَ بِرَندِهِ وَالبانِ

اعذُر شُعوبَ المُسلِمينَ إِذا هَفَت

إِنّي أَرى الحَرَمَينِ يَنتَفِضانِ

وَلَئِن جَرَت حَولَ النَبِيِّ عُيونُها

فَلَقَد رَأَت عَينَيهِ تَنهَمِلانِ

تَمحو السُيوفُ وَلِلحَقائِقِ حُكمُها

مُلكَ الخَيالِ وَدَولَةَ الصِبيانِ

ما المُلكُ مِن عِزٍّ وَبَأسٍ صادِقٍ

كَالمُلكِ مِن كَذِبٍ وَمِن بُهتانِ

صونوا بَني الأَعرابِ مِن عَوراتِها

دَعوى لَعَمرِ اللَهِ غَيرَ حَصانِ

غَشّى عَلى أَبصارِكُم وَقُلوبِكُم

كَاللَيلِ مِن حُجُبٍ وَمِن أَكنانِ

أَنَسيتُمُ الآياتِ بالِغَةً فَما

بِصَحائِفِ التاريخِ مِن نِسيانِ

التُركُ جُندُ اللَهِ لَولا بَأسُهُم

لَم يَبقَ في الدُنيا مُقيمُ أَذانِ

خُلَفاؤُهُ الأَبرارُ نَزَّهَ حُبَّهُم

فيهِ وَطَهَّرَهُم مِنَ الأَدرانِ

لَم يَخذُلوهُ وَلا أَضاعوا حَقَّهُ

في شِدَّةٍ مِن أَمرِهِم وَلَيانِ

صانوا بِحَدِّ السَيفِ حَوزَةَ مُلكِهِم

وَحِفاظَ كُلِّ مُشَيَّعٍ صَلَتانِ

يَأتَمُّ فيهِ خَليفَةٌ بِخَليفَةٍ

وَيَزيدُ خاقانٌ عَلى خاقانِ

بِالمَغرِبَينِ مَمالِكٌ أَودى بِها

عَبَثُ الخَلائِفِ مِن بَني قَحطانِ

أَودى بِها عَبدُ العَزيزِ وَقَومُهُ

قَومُ الخَليعِ وَشيعَةُ السَكرانِ

تَشقى رَعِيَّتُهُ وَيَظمَأُ مُلكُهُ

فَيَلوذُ مِنهُ بِناعِمٍ رَيّانِ

ذَعَرَ الجَآذِرَ وَالظِباءَ فَما وَفَت

أَفياءُ مِصرَ وَلا رُبى لُبنانِ

مَلِكٌ أَحاطَ بِتاجِهِ وَسَريرِهِ

جَيشُ القِيانِ وَعَسكَرُ الغِلمانِ

تَحمي حِماهُ بِصافِناتِ كُؤوسِها

وَتَصونُهُ بِصَوارِمِ الأَلحانِ

عَصَفَت بِأَندَلُسٍ رِياحُ جَهالَةٍ

مادَت لَها الدُنيا مِنَ الرَجفانِ

صَدَعَت قُوى الإِسلامِ بَينَ مُلوكِها

وَرَمَت بَنيهِ بِأَبرَحِ الأَشجانِ

راحوا يُديرونَ الشِقاقَ وَحَولَهُم

عَينُ المُغيرِ تَدورُ كَالثُعبانِ

يَتَنازَعونَ رِداءَ مُلكٍ مونِقٍ

خَضِلِ الحَواشي مُذهَبِ الأَردانِ

لَبِسَ العَدُوُّ ظِلالَهُ وَتَكَشَّفوا

لِبَني الزَمانِ تَكَشُّفَ العُريانِ

صَدَّ النَبِيُّ مِنَ الحَياءِ بِوَجهِهِ

وَلَوَت أُمَيَّةُ صَفحَةَ الخِزيانِ

وَأَهَلَّ موسى في القُبورِ وَطارِقٌ

يَتَفَجَّعانِ مَعاً وَيَنتَحِبانِ

خَطبٌ تَباعَدَ حينُهُ وَإِخالُهُ

أَدنى الخُطوبِ وَأَقرَبَ الأَحيانِ

أَبكي وَرُزءُ المُسلِمينَ وَما لَقوا

في العالَمينَ أَشَدُّ ما أَبكاني

أَبكي لِدامِيَةِ الجَوانِحِ هاجَها

ما هاجَني مِن دائِها وَشَجاني

الدَهرُ أَندَلُسٌ وَكُلٌّ ذِكرُها

وَعُهودُ سُكّانٍ لَها وَمَغاني

وَالكائِناتُ قَصيدَةٌ تَروي لَنا

عَنها فُنونَ الوَجدِ وَالتَوَقانِ

اللَيلُ فيها وَالنَهارُ كَلاهما

بَيتانِ طولَ الدَهرِ يَبتَدِرانِ

فَهُما رَسولاها إِلى أَهلِ الهَوى

وَهُما الهَوى وَالشَوقُ يَتَّصِلانِ

مُلكٌ هَوى بَينَ الكُؤوسِ جَنازَةً

وَمَضى عَلى نَعشٍ مِنَ الرَيحانِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أحمد محرم

avatar

أحمد محرم حساب موثق

مصر

poet-ahmad-muharram@

442

قصيدة

1

الاقتباسات

686

متابعين

أحمد محرم بن حسن عبد الله. شاعر مصري، حَسَن الرصف، نقيّ الديباجة. تركيّ الأصل أو شركسيّ. ولد في إبيا الحمراء، من قرى الدلنجات بمصر، في شهر (محرم) فسمى أحمد محرَّم. وتلقى ...

المزيد عن أحمد محرم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة