الديوان » العصر العثماني » جميل صدقي الزهاوي » وقفت على المستنصرية باكيا

عدد الابيات : 54

طباعة

وقفت على المستنصرية باكياً

ربوعاً بها للعلم أمست خواليا

وقفت بها أبكي قديم حياتها

وأبكي بها الحسنى وأبكي المعاليا

وقفت بها أبكي بشعري بناتها

وأنعى سجاياها وأنعى المساعيا

بكيت بها عهداً مضى في عِراصها

كريماً فليت العهد لم يك ماضيا

بكيت بها المدفون في حجراتها

من العلم حتى بلَّ دمعي ردائيا

أكفكف بالأيدي بوادر أدمعي

ويأبين إلا أن يفضن جواريا

وطأطأت رأسي في ذراها تواضعاً

وحييت بالتسليم منها المغانيا

وسرحت أنظاري بها فوجدتها

بناءً لتشييد المعارف عاليا

بناءً فخيماً عز للعلم مثله

فقلت كذا فليبن من كان بانيا

والفيت قسماً قد تداعى جداره

وقسماً على ما كان من قبل باقيا

تهبُّ رياح الصيف في حجراتها

فتلبسها ثوباً من النقع هابيا

وتسعى الجدران منها عناكب

تُجِدّ لها فيما تداعى مبانيا

فالممت فيها بالرسوم دوارسا

وساءلت منهن الطلول بواليا

وقلت لدار البحث عظِّمت محفلا

وقلت لنادي الدرس حييت ناديا

أكلية العلم الذي كان روضه

نضيراً كما شاء التقدم ناميا

بأية ريح فيكِ هبت زعازع

تصوَّح ذاك الروض فاجتث ذاويا

لقد كنت فيما قد مضى دار حكمة

بها يعلم الناس الحقائق ماهيا

فكنتِ بأفق الشرق شمساً مضيئة

تشعين نوراً للمعارف زاهيا

وكانت بلاد الغرب إذ ذاك في عمى

تقاسى من الجهل الكثيف الدياجيا

فأين رجال فيك كانوا مشائخاً

إليهم يحث الطالبون النواجيا

وكانوا بحاراً للعلوم عميقة

وكانوا جبالاً للحلوم رواسيا

وكانوا مصابيح الهدى ونجومها

بهم يهتدى من كان في الليل ساريا

يميتون في نشر العلوم يهارهم

ويحيون في حل العويص اللياليا

نواحيك من طلابها اليوم أقفرت

وكانوا ألوفاً يملأون النواحيا

فقالت وقاك اللَه لا تسأَلنّني

فمالك نفع في السؤال ولا ليا

فقلت أجييني كما كنتِ سابقاً

تجيبين من قد جاء للعلم راجيا

فقالت ألمت حادثات عظيمة

وجرَّت عَلَى هذي البلاد دواهيا

هناك استبد الدهر بالناس مُبدلا

فرفّع مخفوضاً وسفّل عاليا

هناك اضمحلت دولة عربية

بها كانت الأيام ترفع شانيا

وعُوّض عنها دولة ثم دولة

تُسَرُّ بكون الجهل في الناس فاشيا

وذاك لأن العلم للمرء مرشد

يعلمه عن حقه أن يحاميا

عرت نكبات الدهر بغدادَ بعدما

بها رَدَحاً ألقى السلام المراسيا

فأذهب ما للعلم من رونق الصبا

تتابعُ أحداثٍ يُشبن النواصيا

وأدنى الذي قد نابها من نوائب

خرابى ولولاها لما كان دانيا

فكابدت منهن الصروف نوازلاً

وقاسيت منهن الخطوب عواديا

وأبدى على عزى القديم إهانتي

رجال لشخص العلم كانوا أعاديا

وأُهملت حتى انهد مني كما ترى

مبانٍ لنشر العلم عزت مبانيا

وصرت على حكم الذين تحرّزوا

من العلم يا هذا إلى ما ترانيا

فقد ذوىَ الغصن الذي كان ناضراً

وقد عطِّل الجيد الذي كان حاليا

أضاءت قرون بي هي اليوم قد خلت

فسل إن تشأ عني القرون الخواليا

وكنت أرجى أن تعود عمارتي

إذا بعث الرحمن للعلم راعيا

فأمّلت عمراً ذلك العَود باطلاً

وعشت له دهراً أُمنَّى الأمانيا

أرجِّى بها أني ألاقي شبيبتي

فأيقنت هذا اليوم أن لا تلاقيا

لقد نقض الأيام بالعجم مِرّتي

ومرُّ الليالي يَتبّعن اللياليا

ورنَّق عدوان الزمان معيشتي

فمن ليَ أن ألقى الزمان مصافيا

ومزَّقني الباغون كل ممزَّق

ولا أحد عن فعل ذلك ناهيا

فقد صيروا للحفم بعضى مخازناً

وبعضي حوانيتاً وبعضي ملاهيا

وحُطَّت بساحاتي ابتغاء رسومها

بضائع للتجار تشقى الأهاليا

ولاقيت منهم كل خسف وجفوةٍ

فماذا عسى من بعد ذا أن أُلاقيا

أَبِيتُ بِلا ضوء ينير دجنتي

وَيدفع عني وحشتي وظلاميا

أُغل فلا أُسقى من الماءِ شربة

ودجلة تجري بالنمير أماميا

فيا ليتني كنت امَّحَوت بأجمعي

ولا كان في حالي كذا الذل باديا

كما أنه أختى النظامية امحَّت

ولم يبقِ من آثارها الدهر باقيا

وكل جديدٍ سوف يرجع للبِلى

إذا لم يكن منه له اللَه واقيا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جميل صدقي الزهاوي

avatar

جميل صدقي الزهاوي حساب موثق

العصر العثماني

poet-jamil-sidqi-al-zahawi@

373

قصيدة

2

الاقتباسات

138

متابعين

جميل صدقي بن محمد فيضي ابن المنلا أحمد بابان، الزهاوي. شاعر، ينحو منحى الفلاسفة، من طلائع نهضة الأدب العربي في العصر الحاضر. مولده ووفاته ببغداد. كان أبوه مفتيها. وبيته بيت ...

المزيد عن جميل صدقي الزهاوي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة