الديوان » مصر » مصطفى صادق الرافعي » تغيرت الدنيا فهل هي زور

عدد الابيات : 81

طباعة

تغيرت الدنيا فهل هي زُورُ

أمِ الفلكُ الدوّار ليس يدورُ

رماها نفاق السيف في شر غضبةٍ

تلظَّى بأحقاد الورى وتضورُ

تمجُّ شرارا يضرمُ الماءَ والثرى

ويشوي طيورَ الجوّ وهي تطيرُ

شرارة نيران العقول وانما

شرارة نيران العقول شرورُ

تجهَّم يوماً وجه غليومَ وانزوى

فما في وجوه العالمين سرورُ

ولا ضحِكٌ في الارض الاَّ ابتسامة

لها القاضباتُ اللامعاتُ ثغورُ

وأبرأَ داءَ الحب في كل منزع

من البغض داءٌ لا يُساغ مريرُ

فللشعب من شعبٍ وللأَخ من اخ

ولليثلا ظبي الكناس نفورُ

وما انبثَّ ما بين الورى من علائقٍ

ففيهنَّ لا في الغانيات فتورُ

أَغِن اظلمت في وجه غليوم عبسةٌ

تغشت بها الدنيا فليس تنيرُ

وعادت حداداً للثواكل داجياً

ومنها على اقمارهنَّ ستورُ

وفي كل ارض يقشعرُّ ترابها

على ظلها فالكون أجرد بورُ

فياسورة لو أن غليوم رازها

ولكنّ شيطان الملوك جسورُ

أزاحت عمود الأرض عن مستقرهِ

فكادت الى مهوى الفناء تصيرُ

بضرب هامات المغاوير عندهُ

أهنَّ حديد ام فهنَّ صخورُ

ونارٍ يُحَمُّ الدهرُ من لفحاتها

فللدهر منها رعدة وحرورُ

بها اخترع الخلق الضعافُ جهنماُ

لأَنفسهم بئس الغرورُ غرورُ

لقد صهر الانسان من كل معدن

وباءَ بسرّ النار وهو خبيرُ

وناظرَ من صَنع الطبيعة ما ابتغى

وابدع صنعاً ليس منهُ نظيرُ

فلم يرَ الاَّ معدِن الروح معدناً

لصنع حلَى الاملاك حين تجورُ

فَوَيلُهَا حرباً ضراراً زَريةً

بها كل دين للأنام كفورُ

ترى الموت غير الموت فيها وكيف لا

واول مقتول هناك ضميرُ

قليلٌ لعمري ما جنى الناس بينهم

ولكنما قتلُ الضمير كثيرُ

وزادت بحور الارض بحراً ملوّناً

من الدم جمر قاعهُ وسعيرُ

تدفَّع في تيَّاره وعُبابهِ

يمدُّ على امطارها ويمور

وكم صبّ فيهِ للمدامع جدول

وكم هبّ فيهِ للقلوب زفيرُ

وتجري بهِ سُفُنٌ من الهام عُوَّمٌ

مرافئها في الساحلين قبورُ

تمدُّ عليها كالمجاذيف اذرع

وكل سواريها هناك نحورُ

اغليوم اذللت المعالي فلم تزل

على بابك العالي لهنَّ عثور

اذا جنحوا للسلم زلزلتها لهم

زئيراً بهِ حلق الليوث جديرُ

على خطبٍ يندى لروض بيانها

ضباب من البارود فهو مطيرُ

قوارعُ سوءٍ يُشعر الموتَ لذعها

وليس لمن يرمي بهنّ شعورُ

كأنك للمريخ في الارض مرصد

بهِ كل حين للحروب نذيرُ

وقد يبدع الله الملوك بقوة

لتهلك مما يبدعون عصور

أليس عجيباً ان نرى الحسن زينة

وما كان لولا الحسن قطُّ فجورُ

تصرصر كالبازي ومن ساسة الورى

لديك عصافير لهنَّ صفيرُ

حواليهمو ظلُّ السلام وبردهُ

وحولك لفح محرق وهجيرُ

وغرَّك من لهو الشعوب تغافلٌ

رخيٌّ على لذاتهنَّ طريرُ

رياحينُ في جد الحياة وهزلها

لهم روضة من عيشهم وغديرٌ

انافت عليهم منك دوحةُ نقمة

بها للمنايا الحائمات وُكورُ

واثمارها هامٌ واغصانها الظبى

ومن زهرها ذاك الرصاص نثيرُ

وكل الذي في ارضهم من مدافع

لجذعك يا روح القتال جذورُ

فلما استطار الشر طار جنونهم

وعفَّت على تلك الامور امورُ

وكم من شعوب كلما مسَّها الصدا

جلاهنَّ من نار الحوادث كيرُ

واضرمتها في الارض حتى تلاطمت

عليك بهاتيك الجيوش بحورُ

ورى الغيظ منها كل صدر فاقبلت

وليس بها قلب عليك صبورُ

فجعتهمو في العز والخدر والهوى

وجيشك في هذي الفعال شهيرُ

هو الجيش لولا ان فيهِ شجاعةً

تساوت حصون عندها وخدورُ

يزفُّ زفيق الجنّ في فلواتها

لهن هرير منكر وهديرُ

ويقتل حتى العهد منهُ مجندلٌ

ويأسر حتى الحق فيه اسيرُ

واحميتهم بالظلم حتى توقَّدوا

وما منهمو الاَّ اشمُّ فخورُ

اذا استنجد القلبَ الحميَّ ابن همةٍ

لما همّ لم يعسر عليهِ عسيرُ

فجاؤا يُرجُّون البلاد كأنهم

زلازل والمدنُ الحصينة دورُ

بكل كميّ عندهُ الموت ميتٌ

وفي همهِ امر الحياة حقيرُ

جنود يرون الحق بعض سلاحهم

فمن حربهم نارٌ عليك ونورُ

مدافعهم فيها سعير صدورهم

فكلُّ حديدٌ مضرم وصدورُ

واسيافهم غضبى يطير فرندها

كالحاظهم في البأس حين تدورُ

ومنهم على ظهر التراب ضراغمٌ

ومنهم على متن السحاب نسورُ

جرى الحقد في مجرى الدمامن عروقهم

وثارت بهم غلفَ القلوب ثؤرُ

فان جرحت منهم سيوف عداتهم

فبالشُّعل الحمرِ الجراحُ تفورُ

وبَدأة شر لم تكن فابتدأتها

كأنك فيها اول واخيرُ

واصغرتها والشر في بطن امهِ

ولمَّا تلدهُ لو علمتَ كبير

ولم تخشَ ما يخشى اللبيب فراسة

ولم تتبصَّر واللبيب بصيرُ

مطامعُ خلتَ الدهر فيهنَّ خادماً

كأنك مولًى والزمان أجيرُ

زعمتَ لها في غيب ربك اعيناً

فلما اجتليناها اذا هي عورُ

وتحسب سيف الله سيفك ضلَّةً

ولله سيف ليس منهُ مجيرُ

وقلت رسول للزمان ومن ترى

من الأنبيا ذو لبدتين هصورُ

رسول ولكن بالعذب لدهرهِ

وعزريل منهُ صاحب وسفيرُ

ووحيك تتلوهُ المدافع اذ لها

اصابع من تلك السيوف تشيرُ

ومزّقت للاسلام والشرق دولة

تملَّى بها ملكٌ وسرّ سريرُ

لقد كان عون الله فيها ونصرهُ

ففارقها مذ قيل انت نصير

تمكنت من عرنينها فاستقدتها

بحبلي بلاءٍ قائد ووزيرُ

واطفأتَ ماضيها بطلعة انورٍ

فيا انور لم يبق في اسمك نورُ

وحين سما للحق جيش مرفرفُ

وجيشك ذيَّال الجناح كسيرُ

فررت فراراً كل ذنبك عندهُ

وان كان ملء المغربين صغيرُ

عساك طوال الحرب قد كنت نائماً

ولم ترَ ليلاً في الصباح يغورُ

واوفيتها خمسين شهراً ونيفاً

وأنت على عرش الوساد أميرُ

ولم تخرب الدنيا ولكن رأيتها

كذلك في حلم وأنت قريرُ

فلما مسحت النوم قمت مهنئاً

يلاقيك من وجه الصباح بشيرُ

فيا عبرة لم تشهد الأرض مثلها

وللأرض أجيال خلت ودهورُ

بغليوم بالألمان بالعلم بالغنى

أضيفت لتاريخ الخراب سطور

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن مصطفى صادق الرافعي

avatar

مصطفى صادق الرافعي حساب موثق

مصر

poet-mostafa-saadeq-al-rafe@

346

قصيدة

2

الاقتباسات

1465

متابعين

مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد ابن أحمد بن أحمد بن عبد القادر الرافعي. عالم بالأدب، شاعر، من كبار الكتاب أصله من طرابلس الشام، ومولده ووفاته في طنطا (بمصر) ...

المزيد عن مصطفى صادق الرافعي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة