الديوان » لبنان » ناصيف اليازجي » لا عين تثبت في الدنيا ولا أثر

عدد الابيات : 34

طباعة

لا عينَ تَثبُتُ في الدُنيا ولا أثَرُ

ما دامَ يَطلُعُ فيها الشَمسُ والقَمَرُ

يُبِقي لنا الخُبْرُ فيها بعدَهُ خَبَراً

إلى زَمانٍ فيمضي ذلكَ الخَبَرُ

يا طالمَا طالَ حِرصُ الناسِ في حَذَرٍ

على الحَياةِ فَضاعَ الحِرصُ والحَذَرُ

قد غَرَّهم زُخرفُ الدُنيا وبَهجتُها

نِعمَ الغُصونُ ولكنْ بِئسَما الثَمَرُ

معشوقةٌ في هَواها باتَ كلُّ فتىً

يَهيمُ والشيخُ عنها ليسَ يزدجِرُ

هيهاتِ لا يَنتهي عن جَهلِهِ أبداً

مَن لم يكن قد نَهاهُ الشَيبُ والكِبَرُ

مضى الزَّمانُ على هذا الغُرُورِ فلم

يفطَنْ لهُ بَشَرٌ مذ قامتِ البَشَرُ

ما زالَ يَدفِنُ هذا الحَيُّ مَيِّتَهُ

ويَدفِنُ الذِكرَ معهُ حيثُ يَحتَفِرُ

الناسُ في جِنحِ لَيلٍ يخَبِطونَ بهِ

جهلاً ويا وَيلَهم إذ يَطلُعُ السَحَرُ

لا تَنقضي ساعَةٌ حتى تَقولَ لهم

يا أيُّها القومُ هُبُّوا قد دَنا السَّفَرُ

ماذا نُرَجِّي منَ الدُنيا التي طُبِعَتْ

على الدَّمارِ فلا تُبقي ولا تَذرُ

تُبدِي لنا كلَّ يومٍ في الوَرَى عِبَراً

لكن بلا يَقظةٍ لا تَنفَعُ العِبَرُ

هيهاتِ لا صاحبٌ في الدَهرِ وا أسفَا

يَبقى ولا عاشقٌ يُقضَى لهُ وَطَرُ

قد ماتَ عبد الحميدِ اليومَ منقطعاً

عنا كما شاءَ حكُمُ اللهِ والقَدَرُ

مَضَى الشقيقُ لرُوحي فَهْيَ موحشَةٌ

وبانَ شَطرُ فُؤَادي فَهْوَ منفطِرُ

قد كنتُ انتظرُ البُشرَى برُؤْيتهِ

فجاءَني غيرُ ما قد كنتُ انتظرُ

إن كانَ قد فاتَ شَهدُ الوَصلِ منهُ فقد

رضيتُ بالصَّبرِ لكنْ كيفَ اصطبرُ

أحَبُّ شيءٍ لعيني حينَ أذكُرُهُ

دَمعٌ وأطَيبُ شيءٍ عِندَها السَّهَرُ

هذا الصَّديقَ الذي كانت مَوَدَّتُهُ

كالكَوثَرِ العَذْبِ لا يَغتالُها الكَدَرُ

صافي السريرةِ مَحْضُ الوُدِّ لا مَلَقٌ

في لفظهِ لا ولا في قلبهِ وَضَرُ

عَفُّ الإزارِ حَصيفٌ زاهدٌ وَرِعٌ

لا تزدهيهِ بُدُورُ الأُفقِ والبِدَرُ

يَغَشى المَساجِدَ في الأسحارِ مُعتكِفاً

وقد طَوَتْ لَيلَهُ الأورادُ والسُّوَرُ

هوَ الكريمُ الجوادُ ابنُ الجَوادِ لهُ

بالفَضلِ يَشهَدُ بَدْوُ الأرضِ والحَضَرُ

يبكيهِ نظمُ القَوافي والصَحائفُ وال

أقلامُ والخُطَبُ الغرَّاءُ والسَمَرُ

لا غَرْوَ إنْ أحزَنَ الزَوراءَ مَصرَعُهُ

فخُزُنهُ فوقَ لُبنانٍ لهُ قَدَرُ

وإنْ يكنْ فاتَهُ نهرُ السّلامِ ففي

دارِ السّلامِ لهُ الأنهارُ تَنفجِرُ

مَضَى إلى الله حيّا اللهُ طَلعتَهُ

بالمَكرُماتِ وحيّا تُربَهُ المَطَرُ

لَئِن سَلاهُ فُؤَادي ما بَقِيتُ فقد

رَكِبتُ في الحُبِّ ذَنباً ليسَ يُغتَفرُ

لا أفلحَ البينُ ما أمضَى مَضاربَهُ

كالبرقِ يُخطَفُ من إيماضِهِ البَصَرُ

نَسعَى ونَجمَعُ ما نَجنِي فيَسلُبُهُ

منَّا جُزافاً ويَمضِي وَهْوَ مُفتَقِرُ

إنَّ الحياةَ كظلٍّ مالَ مُنتقِلاً

إلى حَياةٍ بِدارِ الخُلدِ تُنتظَرُ

هي الطريق التي تُفضي إلى خطرٍ

وحَبَّذا السيرُ لولا ذلكَ الخطرُ

نُمسِي ونُصبحُ في خَوفٍ يطولُ بها

فلا يَطيبُ لنا وِرْدٌ ولا صَدَرُ

إذا انجلتْ غَمْرةٌ قامت صَواحِبها

فليسَ تَنفكُّ عن تأريخها الغُمَرُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ناصيف اليازجي

avatar

ناصيف اليازجي حساب موثق

لبنان

poet-nasif-al-yaziji@

479

قصيدة

5

الاقتباسات

161

متابعين

ناصيف بن عبد الله بن ناصيف بن جنبلاط، الشهير باليازجي. شاعر، من كبار الأدباء في عصره. أصله من حمص (بسورية) ومولده في (كفر شيما) بلبنان، ووفاته ببيروت. استخدمه الأمير بشير ...

المزيد عن ناصيف اليازجي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة