الديوان » العصر المملوكي » ابن زمرك » زار الخيال بأيمن الزوراء

عدد الابيات : 76

طباعة

زارَ الخيالُ بِأَيْمَنِ الزَّوْرَاءِ

فَجَلاَ سَناهُ غَياهبَ الظلماءِ

وسَرى مع النَسَماتِ يَسحبُ ذيلَهُ

فأَتَتُ تَنمُّ بعنبر وكباءِ

هذا وما شَيءٌ أَلَذُ من المنَى

إِلاَّ زيارتُهُ مَعَ الإِغفاءِ

بتْنَا خَيالَيْنِ الْتَحَفْنا بالضنى

والسقم ما نخشى من الرقباءِ

حتى أفاقَ الصبحُ من غمراتِهِ

وتجاذبَتُ أَيْدي النسيم ردائي

يا سائلي عن سرِّ من أَحْبَبْتُهُ

السرُّ عندي مَيِّتُ الإِحياءِ

تاللهِ لا أشكُو الصبابة والهوى

لسوى الأَحِبَّةِ إِذْ أموتُ بدائي

يا زَيْنَ قلبي لست أبرح عانياً

أرضى بسقمي في الهوى وعناني

أبكي وما غيرُ النجيعِ مدامعٌ

أُذكي ولا ضرمٌ سوى أحشائي

أَهفُو إِذَا تهفُوا البروقُ وأَنثني

لِسُرى النواسمِ من رُبى تيماءِ

باللهِ يا نفسَ الحمى رفقاً بِمَنْ

أَغْرَيْتِهِ بتنفسِ الصعداءِ

عجباً لهُ يندَى على كبدي وقَدْ

أَذْكى بقلبي جمرةَ البُرَحَاءِ

يا ساكني البطحاءِ أيُّ إِبانةٍ

لي عندكمْ يا ساكني البطحاءِ

أَتُرى النوى يوماً تخيبُ قِداحُها

ويفوزُ قِدحي منكمُ بلقاءِ

في حَيكُمُ قمرٌ فؤادي أُفْقُهُ

تفديهِ نفسي من قريبٍ نائي

لم تُنْسِني الأَيامُ يومَ وداعِهِ

والركبُ قد أوفَى على الزوراءِ

أَبكي وَبْسِمُ والمحاسنُ تُجْتَلَى

فَعَلِقْتُ بينَ تَبَسُّمِ وبُكاءِ

يا نظرةً جاذبتها أيدي النوى

حتى استهلَّتْ أدمعي بدماءِ

من لي بثانيةٍ تنادي بالأسى

قَدْكَ اتئدْ أسرفت في الغلواء

ولرُبَّ ليلٍ بالوصالِ قطعْتُهُ

أجلو دجاهُ بأوجهِ الندمَاءِ

أَنُسَيْتُ فيه القلبَ عادةَ حِلمهِ

وحَثَثْتُ فيهِ أكؤسَ السرَّاءِ

وجَرَيْتُ في طَلَقِ التصابي جامحاً

لا أنثني لمقادة النصحاءِ

أَطوي شبابي للمشيب مراحلاً

برواحلِ الإصباح والإِمساءِ

يا ليت شعري هَلْ أُرَى أطوي إلى

قبر الرسولِ صحائفَ البيداءِ

فتطيبَ في تلك الربوعِ مدائحي

ويطولَ في ذاك المَقَام ثوائي

حيثُ النبوةُ نورها متألقٌ

كالشمس تُزْهَى في سَناً وسَناءِ

حيثُ الرسالةُ في ثنية قدسها

رَفَعَتْ لهدي الخَلْقِ خيرَ لواءِ

حيثُ الضريحُ ضريحُ أكرمِ مرسلٍ

فخر الوجودِ وشافعِ الشفعاءِ

المصطفى والمرتضى والمجتبى

والمنتقى من عنصرِ العلياءِ

خيرِ البريَّةِ مجتباها ذخرها

ظلَّ الإِلهِ الوارف الأفياء

تاج الرسالة خَتمِها وقِوامِها

وعِمادِها السامي على النظراءِ

لواهُ للأفلاكِ ما لاحت بها

شهبٌ تنيرُ دياجيَ الظلماءِ

ذو المعجزاتِ الغُرِّ والآي الألى

أُكْبِرْنَ عن عَدٌ وعن إحصاءِ

وكفاكَ ردُّ الشمسِ بعد مغيبها

وكفاكَ ما قدْ جاءَ في الإِسراءِ

والبدرُ شُقَّ لَهُ وكم من آيةٍ

كأَناملِ جاءتْ بنبع الماءِ

وبليلةِ الميلاد كم من رحمةٍ

نشرَ الإِلَهُ بها ومن نعماءِ

قد بشَّرَ الرسُلُ الكرامُ ببعثِهِ

وتقدَّمَ الكُهَّانُ بالأَنباءِ

أَكرمْ بها بشرى على قدم سَرَتْ

في الكون كالأَرْواحِ في الأَعضاءِ

أمسى بها الإِسلامُ يشرقُ نورُهُ

والكفرُ أصبحَ فاحمَ الأرجاءِ

هو آيةُ اللهِ التي أنوارُها

تجلو ظلامَ الشكِّ أيَّ جلاءِ

والشمسُ لا تخفى مَزِيَّةُ فضلِها

إلاَّ على ذي المقلةِ العمياءِ

يا مُصطفى والكونُ لم تعلَقُ بِهِ

من بعدُ أيدي الخَلْقِ والإنشاءِ

يا مُظْهِر الحقِّ الجليِّ ومُطْلِعَ ال

نّورِ السَّنِيِّ الساطعِ الأَضواءِ

يا ملجأَ الخلق المشفَّعِ فيهمُ

يا رحمةَ الأمواتِ والأحياءِ

يا آسيَ المرضى ومنتجَعَ الرضى

ومُاسيَ الأيتامِ والضُعَفاءِ

أشكو إليكَ وأنت خيرُ مُؤمَّلِ

داءَ الذنوبِ وفي يديكَ دوائي

إني مددتُ يَدِي إليكَ تَضَرُّعاً

حاشا وكلاَّ أن يخيبَ رجائي

إن كنت لم أخلص إليك فإِنَّما

خلصت إليك محبتي وندائي

وبسعدِ مولايَ الإمام محمدٍ

تَعِدُ الأماني أَنْ يتاحَ لقائي

ظلُّ الإِلهِ على البلادَ وأهلِها

فخرُ الملوكِ السادة الخلفاء

غوثُ العبادِ ولَيْثُ مشتجرِ القَنَا

يومَ الطعانِ وفارجُ الغماءِ

كالدهر في سطواته وسماحه

تجري صَباه بزَعزعِ وَرُخاءِ

رقت سجاياه وراقت مجتلى

كالنهر وسط الروضةَ الغنّاءِ

كالزَّهر في إيراقهِ والبدر في

إشراقه والزُّهر في لألاءِ

يا ابن الألى إجمالهم وجمالهم

فَلَقُ الصباح وواكف الأنواءِ

أنصارُ دين الله حزبُ رسوله

والسابقون بحلبة العلياءِ

يا ابن الخلائف من بني نصر ومَنْ

حاطوا ذمَار الملة السمحاءِ

من كل من تقف الملوك ببابه

يستمطرون سحائب النعماءِ

قومٌ إذا قادوا الجيوش إلى الوغى

فالرعب رائدهم إلى الأعداءِ

والعز مجلوب بكلِّ كتيبةٍ

والنصر معقود بكلِّ لواءِ

يا وارثاً عنها مناقبها التي

تسمو مراقيها على الجوزاءِ

يا فخر أندلسٍ وعصمةَ أهلها

يجزيك عنها اللهُ خيرَ جزاءِ

كم خضت طوع صلاحها من مهمةٍ

لا تهتدي فيه القطا للماءِ

تهدي بها حادي السُّري بعزائم

تهدي نجومَ الأفق فضلَ ضياءِ

فارفع لواء الفخْر غير مُدافع

واسحَبْ ذيولَ العّزةِ القعساءِ

واهْنَأ بمبناك السعيد فإنه

كهفٌ ليوم مشورةِ وعَطاءِ

للهِ منه هالةٌ قد أصبحت

حَرَمَ العفاةِ ومصرع الأعداءِ

تنتابُها طيرُ الرجاء فتجتني

ثمرَ المنى من دوحة الآلاءِ

للهِ منه قبةٌ مرفوعة

دون السماء تفوت لحظ الرائي

راقت بدائعُ وشيها فكأنها

وشيُ الربيع بمسقط الأنداءِ

عظّمتَ ميلادَ النبيِّ محمدٍ

وشَفعتَهُ بالليلةِ الغرَّاءِ

أحييتَ ليلك ساهراً فأفدتنا

قوتَ القلوب بذلك الإِحيَاءِ

يا أَيُّها الملكُ الهُمام المجتبى

فاتت علاك مداركَ العُقَلاءِ

من لي بأن أُحصي مناقبك التي

ضاقت بهنْ مذاهبُ الفصحاءِ

وإليك مني روضةٌ مطلولةٌ

أَرِجَتْ أزاهرها بطيب ثَناءِ

فافْسَحْ لها أكْنافَ صفحك إنها

بكرٌ أتت تمشي على استحياءِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن زمرك

avatar

ابن زمرك حساب موثق

العصر المملوكي

poet-ibn-zamrak@

153

قصيدة

36

متابعين

محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد الصريحي، أبو عبد الله، المعروف بابن زمرك. وزير من كبار الشعراء والكتاب في الأندلس. أصله من شرقيها، ومولده بروض البيازين (بغرناطة) تتلمذ للسان ...

المزيد عن ابن زمرك

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة