إني هنا أيتها المدينة
الحرّة الفاجرة المجنونه
أحبس في جفني الرؤى السجينه
والأدمع الوالهة السّخينه
إني هنا أُغربل السكينه
وأزرع الخواطر الحزينه
ملء ضفاف الوحدة المسكينه
وفي يدي فجرى ستعبدينه
يوم تزول الوحدة الملعونه
إني هنا فعربدي وثوري
ملء عنان اللهو والأسرور
ومزّقي بضحكك المخمور
غلالة ينسجها تفكيري
لتستر العريان من شعوري
ويحجب اللافح من سعيري
الجائح المدمّر الضّرير
يودّ لو يعصف بالقصور
وساكنيها عابدي الفجور
النائمين في حمى الحرير
الغافلين عن أسى الفقير
ولوعة المشرّد المدحور
الوالغين في الدم المهدور
من عصب الكادح والأجير
إني هنا يا جنّة الحقير
آكل جوعي وأضمّ نيري
وليس لي في الأرض من نصير
إلّا ضميري آه من ضميري
ألبسني ممزّق الستور
وجاء بي حيّاً إلى القبور
أقرأُ في ظلامها مصيري
وأعرف الغاية من مسيري
بعد احتراق الأمل الأخير
وفرقة الصاحب والعشير
هذا أنا في العالم الكبير
فوق ربا المقطّم المهجور
متخذا من أرضه سريري
من الحصى والطين والصخور
وتحت سقف الأفق المطير
والعاصف المزمجر المقرور
أنام نوم العاجز الموتور
على نباح الكلب والهرير
وقهقهات الرعد في الديجور
تسخر من عجزي ومن قصوري
ومن ضراعاتي إلى المقدور
وقلبيَ المحطم الكسير
وأنت يا زنجية الضمير
تدرين قدري وترين نوري
فتفجرين ضحكة المغرور
وترتدين كفن المقبور
هازئة كالزمن العيهور
من المثالي الفتى الطهور
فلتهزئي فلست بالمقهور
ولتغرقي هزءا فلن تثيري
إلّا دخان الحاقد المسعور
وثورة المقيّد الأسير
ولن تعيشي في فم الدهور
إلا بفنّ الشاعر القدير
الحائر المضطرب الممرور
تحيّة الخلد إلى العصور
وآية الجبّار في المجبور
ونفحة الأقداس في الماخور
الواحة السجواءُ في الهجير
تشرب نار الفدفد المسجور
لترسل الظلّ إلى المحرور
إنّي هنا أيّتها المدينة
الحرّة الفاجرة المجنونه
أحبس في جفني الرؤى السجينه
والأدمع الوالهة السخينه
إنّي هنا أغربل السكينه
وأزرع الخواطر الحزينه
ملء ضفاف الوحدة المسكينه
وفي يدي فجرى ستعبدينه
يوم تزول الوحدة الملعونه
صالح بن علي الشرنوبي المصري. شاعر حسن التصوير، مرهف الحس. من أهل "بلطيم" بمصر. ولد ونشأ بها. ودخل المعهد الديني بدسوق، فمعهد القاهرة، فالمعهد الأحمدي بطنطا، ثم كلية الشريعة، فكلية ...